كيري يُحيل جماعة الرياض على التفاوض وإلا فالانتخابات لحسم مصير الرئاسة حكم سماحة يفتح باب هبة السلاح السعودي برعاية أميركية… والعسيري مهنئاً!

كتب المحرّر السياسي

فيما يستعدّ اليمن لدخول أحكام الهدنة منتصف ليل الغد، مع إعلان سعودي صريح بالتزام أحكام الهدنة، دون ربط ذلك بأيّ شروط تشبه المرات السابقة، كالحديث عن تنفيذ الحوثيين لقرار مجلس الأمن بالانسحاب من المدن، تحمل زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز المزيد من المؤشرات على بدء تموضع سعودي على خط العمل السياسي، حيث لمصر ضرورة وحاجة، لم تظهرا كما ترغب الرياض في العمل العسكري، وتراهن على تعويض مصري في تشكيل توازن معيّن في وجه إيران إقليمياً مع تراجع إيقاع الحروب. وتقول مصادر متابعة في القاهرة إنّ التمويل السعودي الإنقاذي في لحظة مصرية حساسة اقتصادياً، كان أكثر من ضرورة مصرية، كما حضور مصر السياسي أكثر من ضرورة سعودية، فكانت بداية المقايضات بالقرار المصري بوقف بث «المنار» على القمر «نايل سات»، ولكن يبدو أنّ الحلقة المعقدة بتشكيل حلف ثلاثي مصري تركي سعودي لا تزال صعبة الفكفكة مصرياً مع الترابط العضوي بين المصالحة مع تركيا وملف الإخوان المسلمين الذي لم يعد حكام الرياض يقاربونه بسلبية، كما كانت الحال في عهد الملك الراحل عبدالله، وباتوا جزءاً من منظومة الحرب السعودية في اليمن.

الدكتوراه المصرية للملك السعودية وتسمية الجسر الذي تبرّع بإنشائه فوق البحر الأحمر بين اليابستين السعودية والمصرية، إنجازات لا تلبّي حاجة السعودية، مقابل ما أنفقت مالياً، ليشكل حجم الاستعداد المصري للذهاب في مواكبة الموقف السعودي من حزب الله وإيران المقياس لما سيكون قد حصل عليه الملك سلمان فوق الدفعة الأولى المتمثلة بوقف بث قناة «المنار».

السعودية الخاسرة سياسياً وعسكرياً، في سنة من التعطيل لمسار التسويات، بدأت مع إعلانها الحرب على اليمن استباقاً للتفاهم الدولي مع إيران على ملفها النووي، وسعياً لمنع هذا التفاهم، فشلت في تغيير التوازنات، بل ربما تكون وفقاً لمصادر روسية إعلامية قد ساهمت بتعنّتها ضدّ الحلّ السياسي وبإفشالها اللقاء الذي جمع وزير دفاعها ولي ولي العهد محمد بن سلمان برئيس مجلس الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك صيف العام الماضي، قد أوصلت القيادة الروسية إلى حسم قرار التموضع عسكرياً بالطريقة التي تمّت وصارت جزءاً جديداً وحيوياً من المشهد الدولي والإقليمي، وصار ما بعده غير ما قبله، ومثل ذلك في اليمن، فما كان ممكناً أن تناله السعودية كراعٍ للمصالحات، لو لم تخُض الحرب، ما عاد ممكناً بعد تدخلها وفشلها في كسر شوكة الحوثيين وتحوّلها إلى مفاوض ولو من وراء الستار والكواليس، وصولاً إلى استضافتها وفداً رسمياً من الحوثيين في الرياض قابله محمد بن سلمان وفاوضه لأيام على ما سيصير اسمه مسودّة الهدنة والتفاهم السياسي في مفاوضات الكويت.

على المسار السوري سياسياً، يستعدّ المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لجولة جديدة من محادثات جنيف، عنوانها الانتقال السياسي، بينما تعيش جماعة الرياض وهم العودة إلى طرح مشروعها بتشكيل هيئة الحكم الانتقالي، وطرح مصير الرئاسة السورية على بساط البحث، فيما كان وزير الخارجية الأميركي بلّغ أركان الهيئة، عبر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي قالت مصادر على صلة بجماعة الرياض إنه أبلغ رئيسها رياض حجاب رسالة كيري، بأنّ حسم مصير الرئاسة يتوقف على ما تفعله في المفاوضات، وأنّ واشنطن التي تقول إنّ التسوية في سورية تستدعي حسم الرئاسة، ملتزمة بأنّ هذا شأناً يخصّ السوريين وحدهم، ولذلك فالفشل في حسم الرئاسة تفاوضياً يعني الذهاب لحسمها في الانتخابات المقبلة، فيما كان الميدان السوري يشهد معارك ضارية في حلب وأريافها، خصوصاً في حي الشيخ مقصود داخل المدينة، حيث استخدمت «جبهة النصرة» طوال يومين الغازات السامة وأسلحة كيميائية قالت مصادر روسية إنها تركية المصدر والإشراف، مشيرة إلى غرفة عمليات تركية تتولى قيادة الحرب هناك.

فيما تركيا تخوض آخر حروبها في الجغرافيا السورية شمالاً، وتكتفي بالتعويض عبر عائدات الصفقة المالية مع أوروبا لقاء إعادة اللاجئين السوريين، وتوطينهم في أراضيها، كانت السعودية التي تملك المال وتبحث عن تعويضات من نوع آخر، تجسّدت بالبحث عن مكاسب إعلامية تمنحها الشعور بالقوة، وفي هذا الإطار قرأت مصادر المتابعين الضغط السعودي لاستصدار قرار وقف بث «المنار» مصرياً، كما قرأت صدور الحكم المشدّد على الوزير السابق ميشال سماحة في لبنان، بعد اتهام سعودي علني على لسان وزير الخارجية عادل الجبير للجيش اللبناني بالخضوع مع المحكمة العسكرية لهيمنة حزب الله، كمبرّر لوقف الهبة السعودية لتسليح الجيش اللبناني، وتقول المصادر إنّ ثمة معلومات تتحدّث عن استجابة سعودية لطلب أميركي بالعودة عن قرار وقف الهبة، نظراً لضرورات دور الجيش اللبناني في الحرب على الإرهاب وحاجاته التسليحية في هذا الإطار، ومن ضمنها الطوافات التي ستبيعها واشنطن للجيش، وأنّ الحكم المشدّد على سماحة جاء ضمن تفاهم على مخرج يبرّر العودة عن قرار وقف الهبة، حمل السفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري التهنئة بصدوره رسمياً إلى وزارة الخارجية، كتمهيد للتراجع عن الحملة التي طالت سعودياً وزير الخارجية بالتسبّب بالقطيعة مع السعودية، واستطراداً كمقدّمة للتراجع عن وقف الهبة.

الحكم بحق سماحة اتُخذ منذ شهرين

في ظل تحلُّل مؤسسات السلطة التنفيذية التي عطّلت معها مؤسسات الدولة كلها، والفساد المستشري في مختلف القطاعات والأجهزة، والإفراج عن سعد المصري، وهو قائد محور في باب التبانة، وإطلاق سراح جومانة حميد التي أوقفت بتهمة تهريب سيارة مفخخة، وتوقيف الإرهابي احمد الأسير وعناصره في سجن رومية خمس نجوم رغم كل ما ارتكبه بحق الجيش اللبناني، يأتي حكم المحكمة التمييزية العسكرية بـرفع العقوبة إلى 13 سنة أشغالاً شاقة وتجريده من حقوقه المدنية.

وعلمت «البناء» أن قرار حكم سماحة طيلة 13 عاماً اتُخذ منذ شهرين في اجتماع الرياض بين الرئيس سعد الحريري والوزير نهاد المشنوق ووزير العدل أشرف ريفي، وأن المشنوق أبلغ منذ نحو شهر المعنيين بالحكم الذي سيصدر ووضعهم تحت الأمر الواقع بالتهديد بالمجلس العدلي.

ويشير وكلاء الدفاع عن سماحة لـ«البناء» إلى «أن الأخير ذُهل وفوجئ بحكم المحكمة المبرَم، وأن أقصى ما توقعه كما أبلغه وكلاء الدفاع هو رفع مدة العقوبة إلى سنة واحدة»، وأشار الوكلاء إلى «خلافات حصلت بيننا منذ فترة طويلة حول طريقة الدفاع بين وجهتَيْ نظر، الأولى دعت إلى المهادنة والدفاع السلمي والثانية إلى كشف وفضح الأوراق لا سيما تمنُّع القضاء عن استدعاء كفوري الذي يطال أبسط قواعد ومقوّمات القانون».

عقوبة تتعدّى الحد الأقصى

وأشارت مصادر قانونية متابعة لـ«البناء» إلى «أن محامي سماحة صخر الهاشم انسحب من الجلسة أمس، بعدما فقد الأمل في إبطال هذا الحكم الجاهز منذ شهرين». ورأت المصادر أن للمرة الأولى منذ زمن طويل تنطق المحكمة بعقوبة تتعدّى الحد الأقصى وبأقصى درجات التشدّد. وهذا ما كان ليحصل لولا الضغط السياسي الهائل الذي مارسته القوى السياسية على المحكمة بدءاً بطلب إلغاء المحكمة العسكرية مروراً بإحالة القضية إلى المجلس العدلي، وصولاً إلى بعض الاستقالات». وسألت المصادر «هل في لبنان قضاء مستقل أم أجهزة تابعة للإمارات الطائفية السياسية، بغض النظر عما ارتكبه سماحة وتمّت محاكمته عليه؟».

وقالت المصادر القانونية لـ«البناء»: «إن لمحكمة التمييز العسكرية الحق الكامل في فسخ حكم المحكمة العسكرية الدائمة بشكل عام، لكن في قضية الوزير سماحة لا يحق لها ذلك، لأنها رفضت الاستماع إلى العميل ميلاد كفوري في أي مرحلة من مراحل المحاكمة على الأقل كشاهد، رغم أنه محرِّض وشريك وفاعل».

وأضافت: «بحسب أصول المحاكمات الجزائية يجب الاستماع إلى شهود الدفاع والادعاء والحق العام، وتحدّثت المصادر عن تسريب معلومات حول طبيعة الحكم الذي خرجت به المحكمة قبل أيام من صدوره».

ولفتت إلى أن «الحكم جاء نتيجة الضغوط السياسية والإعلامية التي تعرّض لها القضاء وعدم تحرك مجلس القضاء الأعلى لمحاسبة وزير العدل الذي تجاوز القانون من خلال إحالته القاضية ليلى رعيدي إلى المجلس التأديبي». واعتبرت أنه «لا يجوز أن يحاكم سماحة على النيات مدة 13 عاماً؟ وسألت كيف يتمّ غض النظر عن عميد حمود الذي افتعل معارك مسلحة كادت تؤدي إلى حرب أهلية وفتنة مذهبية بين اللبنانيين؟».

ولفت ضابط قيادي سابق مطلع على آلية عمل المحكمة العسكرية لـ«البناء» إلى «أن مضمون القرار أكد على الفعل الجرمي الذي ثبتته محكمة التمييز العسكرية من دون أن يضيف عناصر أخرى أو ينقص منها»، مشيرة إلى «أنه من الغريب أن الذين استنكروا فعل المحكمة الدائمة في القرار الأول صفقوا للمحكمة في القرار الثاني رغم أن التوصيف الجرمي لم يتغيّر». وسجل «أن فريق 8 آذار طيلة مسار الحكم على سماحة، لم يتدخل وترك القضاء يقوم بواجبه ويطبق القانون، انطلاقاً من أن هذا الفريق بنى مواقفه الاستراتيجية على محاربة الإرهاب غير المشروطة لم يسمح لنفسه أن يتدخل في عملية قضائية، بينما سجلت الازدواجية القاتلة لدى تيار المستقبل في مختلف المستويات الوزارية النيابية أو السياسية الذي ضغط بشتى السبل لمنع ملاحقة المشبوهين والفاسدين والذين ارتكبوا جرائم اشد من جريمة سماحة، وهوّلوا من جهة أخرى للضغط على القضاء لحرف العملية القضائية عن مسارها الطبيعي».

عسيري في «الخارجية»

رغم ذلك، لم يسرق ملف سماحة الاهتمام عن الزيارة اللافتة التي قام بها السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري لوزير الخارجية جبران باسيل في وزارة الخارجية، واستمرت ثلاثة أرباع الساعة خرج بعدها رافضاً الإدلاء بأي تصريح ومكتفياً بالإشارة إيجاباً عما إذا كانت أجواء اللقاء ايجابية. وعلمت «البناء» أن الزيارة شكلت «مناسبة لتكرار وزير الخارجية شرح موقفه من السعودية ومن الموقف الذي أعلنه باسم لبنان في مؤتمر القاهرة وفي مؤتمر منظمة العمل الإسلامي». وأشارت المصادر إلى أن باسيل اكد «أهمية العلاقات التي تربط لبنان بالدول الخليجية بشكل عام والسعودية بشكل خاص».

وتلقى باسيل اتصالاً من السفير الإيراني محمد فتحعلي نفى خلاله ما ورد في بعض وسائل الإعلام عن لقاء جمعه مع عدد من الدبلوماسيين، وتناول فيه موضوع رئاسة الجمهورية اللبنانية. كما نفى نفياً قاطعاً حصول أي لقاء من هذا النوع وصدور أي كلام في هذا السياق. وأرسل السفير فتحعلي كتاباً إلى الخارجية في هذا الإطار. وأكد القسم الإعلامي في سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان في بيان أن ملف الرئاسة هو شأن لبناني داخلي، مشيراً إلى «أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تتدخل فيه انطلاقاً من مبادئها الدستورية ونهجها الاستراتيجي على صعيد سياستها الخارجية. وترى في هذا الإطار أن تدخل أي طرف خارجي في شأن انتخابات الرئاسة اللبنانية من شأنه أن يؤدي إلى تعقيد هذا الملف». هذا ويغادر باسيل الأربعاء المقبل إلى تركيا للمشاركة في اجتماع وزراء الخارجية الذي يسبق قمة منظمة التعاون الإسلامي في تركيا والتي من المرجح أن يلتقي رئيس الحكومة تمام سلام على هامشها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.

«أمن الدولة» ومسؤولية رئيس الحكومة

وفي جديد قضية جهاز أمن الدولة، عقد لقاء أمس بين وزيري المال علي حسن خليل والسياحة ميشال فرعون في وزارة المال للبحث عن مخارج لأزمة «امن الدولة». وأكدت مصادر وزارية لـ«البناء» أن «وزراء الكتائب والتيار الوطني الحر لا يطالبون إلا بحق هذه المؤسسة على غرار كل المؤسسات»، مستغربة كيف «تحجب داتا الاتصالات عن جهاز يواجه الإرهاب»، لافتة إلى أن «ما يحصل يتحمّل مسؤوليته رئيس الحكومة، مدير عام امن الدولة جورج قرعة أحال نحو 250 طلب داتا الاتصالات إلى رئاسة الحكومة من دون أي جواب».

وأشارت مصادر نيابية لـ«البناء» إلى استمرار الخلاف على تلزيمات تجهيزات المطار بين وزيري الداخلية نهاد المشنوق والأشغال غازي زعيتر، وأوضحت المصادر أنه «بعد تعطل سور المطار قررت وزارة الداخلية تخصيص جزء من هبة المليار السعودية المخصصة للأجهزة الأمنية لتمويل صيانة سور المطار وتجهيزات مع كاميرات مراقبة بستة ملايين و400 ألف دولار وتم تلزيمها إلى بعض الشركات، إضافة إلى تجهيزات الكترونية بحوالي 15 إلى عشرين مليون دولار، لكن عندما توقفت الهبة السعودية حصل خلاف بين وزيري الداخلية والأشغال على صلاحية التلزيم، حيث يريد وزير الداخلية الاستمرار في تلزيمات وزارته من مالية الدولة أما وزير الأشغال فيقول إنه بعد توقف الهبة السعودية بات إجراء التلزيمات من صلاحيات وزارته، أما الضحية فهو المطار». وحذرت المصادر من الوضع الأمني في المطار، قائلة: لا يمكن طمأنة اللبنانيين على أمن المطار في ظل عدم إجراء الصيانة والتجهيزات المطلوبة.

آزماني: لا للتوطين

إلى ذلك، جال وفد برلماني هولندي على البقاع الغربي على أماكن مخيمات النزوح السوري القسري ومكبات النفايات. وقال النائب الهولندي مالك آزماني لـ«البناء» «إن الزيارة تهدف للتعرف عن قرب على واقع النازحين السوريين والذي أمل بعودتهم في أقرب فرصة، والاطلاع عن كثب على المشاكل العديدة التي تعاني منها المجتمعات المحلية التي تستقطب اللاجئين السوريين، لا سيما المتعلقة بالمشاكل البيئية». مشيراً إلى «أن مشروع معمل الفرز لاتحاد بلديات السهل في البقاع الغربي «أصبح في طور التلزيم»، واعداً بـ«تقديم المساعدات للنازحين ضمن برنامج الأمم المتحدة ولرفع التلوث ومعالجة النفايات». ونفى آزماني أن تكون الزيارة تهدف إلى عملية المسح الشامل للنازحين بهدف «التوطين»، مشيراً إلى أن «المجتمع الدولي ليس في وارد فرض التوطين على لبنان».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى