مختصر مفيد
مختصر مفيد
كلّ شيء في حرب غزّة يوحي باستعصاء التوصّل إلى تفاهم قريب، ويوحي في المقابل بالعجز المتبادل عن تحمّل ضغط الحرب على الداخل. فغزّة تنزف بما لا قدرة لشعب على تحمّله دماً في حرب إبادة لا ترحم، والعالم يتفرّج والناس مليونان بلا ماء ولا كهرباء ولا خبز، والجبهة الداخلية «الإسرائيلية» على رغم فوارق الظروف لمصلحتها، لا تتحمّل حرباً تبقيها في الملاجئ شهراً متصلاً، وتعجز عن تقبّل قكرة حرب بلا أفق وبلا مستقبل ولا أهداف قابلة للتحقيق.
نتنياهو يدرك فشله، ويدرك أنه لن يبقى رئيساً للحكومة بنهاية الحرب، ولذلك يحوّلها حرب إبادة. والمقاومة تدرك أنها بعد رفض المبادرة المصرية لم يعد مسموحاً لها بحجم التضحيات القبول بأقلّ من فكّ الحصار.
لا مقدرة لأيّ حكومة «إسرائيلية» على تمرير فكّ الحصار كثمن لوقف النار من دون ربطه بحلّ جذريّ لقضية الصواريخ والأنفاق، على الأقل بعدما سقط شعار سحق المقاومة.
لا فرصة لقبول المقاومة بمبادلة الحصار والإعمار بالتنازل عن مصادر قوّتها وقدرتها الردعية التي تمثلها الصواريخ والأنفاق. وإلّا صارت «إسرائيل» منتصرة وهُزمت المقاومة.
الطريق الوحيدة السالكة تتمثل بمخرج يحقّق نصر المقاومة على طريقة القرار 1701 في حرب تموز عام 2006، عندما تننزع المقاومة شرعية بقاء سلاحها وفشل مشروع إنهائها، مقابل منح وهم انتصار لتختبئ «إسرائيل» وراء إجراءات أمنية للجيش اللبناني والأمم المتحدة.
في الحالة الفلسطينية حيث لا دولة وحيث علاقة المقاومة بالسلطة تعاون تحت سقف التناحر، سيكون على الفريقين تقديم جوائز إلى السلطة، وأن يخرج محمود عباس الرابح الأكبر.
تستطيع المقاومة تحمّل ثمن لعباس من ضمن معادلة الحكومة المشتركة والأجهزة المشتركة للمعابر، وأمن غزّة على الطريقة اللبنانية بقبول انتشار الشرطة الفلسطينية كقوة سيادية وحيدة في غزّة، وتسلّمها المعابر وهي تعلم أنّ هذه الشرطة ستكون بمرجعيتها السياسية وأداتها الأمنية خليطاً للعجين السياسي الفلسطيني كما تدرك أن سقف البحث في الصواريخ والأنفاق سيكون فلسطينياً شبيهاً بالحديث اللبناني عن حوار وطني لرسم استراتيجية للدفاع، يكون لها فلسطينياً عنوان مستقبل الاستقلال الوطني وحماية الشعب والمناطق المحرّرة.
كي يتمكن نتنياهو من القبول بهذا الحلّ، يجب ربط ذلك بعودة التفاوض ليقول إنّ الإجراءات الفلسطينية نهائية، وإنّ أمن «إسرائيل» صار مضموناً وهذا يستدعي ربط كل شيء بمفاوضات ستنطلق ولها جدول زمني، والوقوف بالتالي مجدّداً تحت سقف حلّ رفضه سابقاً، وهذه ستكون معضلته وربما معضلة المقاومة التي إن تمكنت من تبرير تسليم غزّة كعهدة أمنية لشرطة فلسطينينة، ستبقى بيد المقاومة ضوابط تشكيلها ومرجعيتها وخطط عملها، فلن تتمكن من تبرير ربط ذلك بمسار تفاوضي مسقوف بمفهوم للحلّ رسمته المبادرة الأميركية، والمقاومة رفضت بقوّة وحزم كلّ شكل من أشكال التفاوض.
ثمن الحلّ في السياسة وثمن الحرب في الميدان فوق الطاقة على الاحتمال في مثل هذه الحالات يحدث الانحباس الذي يولّد الانفجار الأكبر.
استمرار الاستعصاء قد يجعل الحرب الإقليمية خياراً وحيداً.