هل يُعيد المشنوق تموضعه؟

روزانا رمالروزانا رمّال

المنطقة التي تتوجه اليوم نحو المفاوضات السياسية بدلاً من التصعيد الذي ساد نحو خمس سنوات وضعت لبنان أمام خيارات عدة، لجهة سلوك مخارج تسهل تمرير الاستحقاقات الاساسية، أبرزها الانتخابات النيابية التي تمّ حسمها بتمديد لمجلس النواب ضمن مفهوم النزول عند المخاطر الأمنية والالتفات إلى ما يمكن أن تشكله أيام الانتخابات من مساحة لتنفيذ أعمال إرهابية في وقت كانت القوى الجهادية تمعن في استهداف لبنان بانفجارات متنقلة إلى ان وصلت للتموضع في جرود البلاد وبلدة عرسال الحدودية.

التمديد للمجلس النيابي اللبناني مدعوماً بمنطق وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي فسّر هذه المخاطر للبنانيين، أكد في أكثر من مرة بعد ان تمّ الاتفاق بين القوى السياسية عليه، أنّ لبنان يعتبر إحدى الدول التي تتمتع باستقرار نسبي ولافت، بالنظر إلى محيطه الذي يعيش ناراً لم تقتصر على البلدان المعنية مثل سورية والعراق بل تعدّتها لتصل إلى أوروبا.

يدرك وزير الداخلية والبلديات أنّ الانتخابات النيابية كانت ممكنة في ذلك الوقت، فبالنظر إلى مناطق متوترة عدة تعيش وضعاً أدق مما يعيشه لبنان مثل العراق، فإن الاستحقاق الانتخابي قد تم خوضه ونجاحه بشكل طبيعي وحصد اعترافاً دولياً بشرعية الانتخابات ايضاً. العائق الذي كاد يقسم اللبنانيين إلى نقطة غير قادرة على إعادة الوضع إلى ما هو عليه كان قانون الانتخاب الذي بقي يخشاه أكثر الأفرقاء تأثراً بالأوضاع التي تجري في الجوار والأكثر انخراطاً فيها والذي لا يضمن شكل تحالفه الانتخابي وضمان نسبة المقترعين لمصلحته، إذا تمّ التسليم أنّ حزب الله مطمئن لحلفائه ومناطق نفوذه وشارعه وهو تيار المستقبل الذي فضّل تمرير التمديد على أن يخوض انتخابات مجهولة النتائج فما كان على الرئيس نبيه بري إلا الموافقة باعتبار انه لا يشارك في إجراء انتخابات غير ميثاقية فلحق به حلفاؤه.

الميثاقية ذاتها يتذرّع بها تيار المستقبل اليوم أو بالحد الأدنى يرفعها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله إلى أعلى أولويات حسم الملف الرئاسي، فهو على رأس حزبه غير مستعدّ للمشاركة بانتخابات رئاسية لا تضمن حضور الفصيل السني الأكبر في البلاد وهو تيار المستقبل، وكل هذا لأنّ الأخير غير واثق من نسب شعبيته في مناطق خسر فيها أصواتاً وانقسمت لمصلحة شخصيات متطرفة كرّست الأزمة السورية قضية اساسية في عملها السياسي لسنوات، خصوصاً في الشمال، وهنا يحوز وزير العدل السابق اشرف ريفي الجزء الأهمّ مما تغيّر وتبدّل في القاعدة السنية نفسها، اضافة إلى تموضع النائب خالد الضاهر في سرب بعيد عما ينادي فيه الحريري من اعتدال منذ عودته إلى البلاد.

يعكس الحريري هذا الاعتدال الذي يجسّد مرحلة السياسة المقبلة على المنطقة بترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة وفق حسابات خارجية، وهو بهذا الإطار فاجأ تياره بشكل خلق خلافات جدية ودقيقة، فبعض مَن فيه طمح فعلاً إلى حيثية سنية وازنة بعدما أدرك أنّ الحريري مرّ بتجربة انتكاسة حقيقية لمشروع العداء لسورية وإسقاط رئيسها بالإضافة إلى وضع مالي صعب وعلاقة ملتبسة مع الإدارة السعودية الحالية.

الوزير نهاد المشنوق الذي ظهر أكثر من مرة على انه احد ابرز صلات الوصل بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر وكصديق لحزب الله، كان يحيط باسمه بعض التساؤلات حول نيات تجعل منه اسماً مطروحاً لرئاسة حكومة مع العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، ضمن صيغة أدرك المشنوق أنها تترجم نَفَس الفريق السعودي الحاكم الجديد من الرئيس الحريري ويتمثل بعدم دعمه لرئاسة الوزراء مجدداً فيكون اسماً مطروحاً مثل اسم الرئيس تمام سلام أو غيرهما مما يمكن أن يؤكد على عدم نضوج أجواء تعيد الحريري رئيساً للحكومة.

يتخلى المشنوق اليوم عما من شأنه أن يحافظ على تلك العلاقة المميّزة التي بناها مع التيار الوطني الحر حتى بات الوزير «الخصم» الأكثر وثوقاً في صفوفه ويعلن بطريقة مباشرة رفضه لمسألة الاعتراف بضرورة أن يكون الرئيس صاحب حيثية مسيحية أكثرية. وهو يقصد العماد عون بعد أن تربّع على الأكثرية بترشيح القوات اللبنانية له، فيقول: «مثلما هناك فزاعة التوطين هناك فزاعة الحضور المسيحي في الدولة، وخرافة الرئيس الأقوى في طائفته… هل الرئيس نبيه بري هو الأقوى في طائفته؟ وهل رؤساء الحكومة الثمانية الذين شكلوا حكومات منذ الطائف إلى اليوم، غير الرئيسين رفيق الحريري وسعد الحريري، هم الأقوى في طائفتهم؟ الجواب الصريح والصادق والدقيق: «كلا».

يتموضع المشنوق تماماً اليوم تحت عباءة الحريري مجدّداً من دون أيّ فرصة للتفكير مجدّداً بتلك الحيثية السنية التي كان يطمح إليها ويعلن بشكل واضح عن دعمه ترشيح النائب سليمان فرنجية أو على الأقل عدم اقتناعه بفكرة وجوب أن يكون عون ممثلاً للمسيحيين حتى ولو حصد الأكثرية كما شرح.

يدرك وزير الداخلية والبلديات يدرك تماماً أنّ الطريق لفوز تيار المستقبل بالانتخابات البلدية بما يبدد مخاوفه هو ضرب التحالف المسيحي بالعمق من اجل التخفيف من وطأة الخسارة المتوقعة في بعض المناطق بين مجالس بلديات وأعضاء بالدخول المسيحي القوي بمجرد تحالف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وبالتالي تنشأ أسئلة متسلسلة تحت هذا المفهوم أبرزها: هل يكون تموضع المشنوق وموقفه من العماد عون هو موقف نهائي؟ هل يؤشر موقفه إلى مرحلة رضى سعودي مستجد عن الحريري العائد من موسكو ضمن أجواء تسويات جدية؟ أم أن كل ما ورد يبقى ضمن إطار تمرير مرحلة الانتخابات البلدية؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى