حسابات أميركيّة و«إسرائيليّة» و«حماسيّة» دقيقة
نور الدين الجمال
ملامح صورة العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزة بدأت تتبلور على الصعيدين الميداني والسياسي، بعد الفشل الذريع في تحقيق الأهداف التي وضعتها القيادة الصهيونية لناحية تدمير الأنفاق ومنصات الصواريخ التي شكّلت لقوى المقاومة الفلسطينية استراتيجية ناجحة في مواجهة العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني في غزة.
مصادر دبلوماسية عربية تؤكد أن الإرباك والضياع اللذين يخيّمان على القيادتين السياسية والعسكرية في «إسرائيل» انعكسا أيضاً وانسحب على أداء الإدارة الأميركية الحليفة الأساسية والداعمة للعدوان الصهيوني. فعلى المستوى الأول، تشير المصادر الدبلوماسية إلى وجود خلاف وتناقض جدي بين القيادة السياسية الصهيونية والقيادة العسكرية، فبعد مرور 21 يوماً على بدء العدوان وفشل العملية العسكرية من نواحيها كافة، بدأت الاتهامات المتبادلة بين القيادتين وتحميل كل قيادة القيادة الأخرى مسؤولية الإخفاقات العسكرية في ضرب فصائل المقاومة الفلسطينية داخل غزة، وستكون لذلك تداعيات كبيرة داخل الكيان الصهيوني بعد انجلاء غبار المعركة، إلى درجة إطاحة مسؤولين سياسيين وعسكريين، ثم رئيس وزراء العدو وحكومته.
أما على مستوى الإدارة الأميركية فتقول المصادر الدبلوماسية إنها تقع تحت ضغوط كبيرة من اللوبي الصهيوني والحزب الجمهوري بسبب التناقضات الجوهرية بين تلك الإدارة والجهات التي تدعم «إسرائيل» وتعمل على استمرار الحرب العدوانية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وهذه الجهات هي نفسها التي كانت تمارس مختلف أشكال الضغط على الرئيس الأميركي أوباما لتوجيه ضربة عسكرية إلى سورية، والتباين الحاصل بين مجموعة الضغط في الولايات المتحدة والإدارة الأميركية أسفر عن زوبعة سياسية هبت في وجه وزير الخارجية الأميركية جون كيري بعد الإعلان عن مواقف من العدوان «الإسرائيلي» على غزة قوبلت بحملة سياسية وإعلامية صهيونية في «إسرائيل» والولايات المتحدة الأميركية.
تضيف المصادر الدبلوماسية أن الولايات المتحدة لا تريد استمرار هذه الحرب، خاصة بعدما فشلت في كسر إرادة المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني الصامد في غزة، وأنها في الوقت نفسه لا ترغب في إعادة ملف القضية الفلسطينية إلى المربع الأول، فبعدما نجحت الولايات المتحدة إلى حد بعيد في حصر الصراع وتحويله من صراع عربي ـ «إسرائيلي» إلى صراع فلسطيني ـ «إسرائيلي» عقب تدجين معظم الدول العربية على وجود «إسرائيل» في المنطقة، ليس من مصلحتها توسيع الصراع مرة جديدة، لأن ذلك لن يكون في مصلحة الولايات المتحدة الأميركية لا في مصلحة الكيان الصهيوني، ناهيك عن أن الإدارة الأميركية في هذه المرحلة تحديداً مربكة أيضاً في علاقتها بروسيا وتصعيد التوتر بينهما حول الملف الأوكراني.
تشير المصادر الدبلوماسية باهتمام إلى نقطة جوهرية على صعيد الجهود الدبلوماسية الدولية والإقليمية في شأن وقف إطلاق النار، وإذا ثبتت صحة المعلومات حول تفويض حركة «حماس» رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان التفاوض باسمها، فهذا يعني أنها ترتكب مرة جديدة خطأ استراتيجياً كالذي ارتكبته إزاء الحوادث في سورية، علماً أن تركيا هي في حلف الناتو ودورها وظيفي يخدم المصالح الأميركية في المنطقة ولا يقل أهمية عن دور «إسرائيل» فيها. لذا فإن المطلوب من الزاوية السياسية أن يكون الموقف الفلسطيني موحداً ليس على صعيد الوفد المشترك الذي سيذهب إلى مصر فحسب، بل على مستوى ورقة العمل الموحدة والموقف الفلسطيني الموحد، وإذا حصل ذلك فسيؤدي حكماً بالأطراف الوسيطة إلى احترام الإرادة الفلسطينية.
كشفت مصادر استخبارية عن أن الاجتماع الوزاري المصغّر الذي عُقد الأربعاء الفائت تلقى خطة من قيادة الجيش «الإسرائيلي» تقضي باحتلال غزة، لكن في الوقت نفسه حذّرت القيادة العسكرية من أنه في حال الموافقة على هذه الخطة فإن العملية تحتاج إلى أشهر وإلى آلاف الجنود الصهاينة، وبعد المناقشات المستفيضة داخل المجلس الوزاري لم يتم التصويت عليه إذ تبين أن لا أحد يريد هذا السيناريو.