النفاق السعودي والمأزق المصري…!
سناء أسعد
هناك على أرض الكنانة يتمّ إبرام اتفاقية من أجل حماية الأمن القومي العربي… ومن أجل مكافحة الإرهاب وتقديم الحلول للنزاعات الدائرة في المنطقة كافة… هذه التصريحات التي تبنى عليها تلك الاتفاقيات لم تعد تثير استفزازنا، ليس لأننا استسلمنا أو يمكن أن نقبل الهزيمة يوماً، بل لأننا تعوّدنا على سماعها من المنابر كافة منذ بداية الأزمة في سورية… وتعوّدنا أكثر أن تكون مجرد غطاء إعلامي لمخططات كبيرة تحاك من أجل تحقيق نقيض ما تمّ التصريح عنه… حتى صارت ورقة مكافحة الإرهاب أشبه بسند تمليك مزور… الجميع يريد ان يستحوذ عليه، لكن لا أحد لديه نوايا جدية بإجراء معاملاته والمضيّ في خطوات ثابتة لتنفيذ ما يمليه ذلك الصك من موجبات على من يدّعون ملكيته…
تلك الصبغة غير الشرعية للاتفاقيات لا يمكن، والآن بالذات، أن تخفيها العباءات السعودية المهترئة… مهما حصلت على تواقيع وبصمات وإقرارات بالاعتراف بها.
المثير للاستفزاز أنّ هذه الاتفاقيات هي «إسرائيلية» بامتياز… وتمثل انقلاباً على تاريخ جمال عبد الناصر… وإحياء لتاريخ أنور السادات… خيانة كبرى ليس لأرض مصر فقط بل لقضية العروبة بأكملها… والفرق أنه نفاق علني… ما كفت السعودية يوماً عن لفّ المنطقة بأكملها به بمحاولتها الدائمة لشراء الذمم والمواقف… وتأبط رؤساء الدول الضعفاء لينصاعوا منقادين لها لاهثين وراء المال السعودي معتبرينه أنه نجاتهم والخلاص الوحيد لهم من أيّ مأزق اقتصادي أو أمني يمكن أن يقعوا فيه…
الفرق بين أنور السادات والسيسي انّ الاول أبرم اتفاقية الخيانة مع «إسرائيل» ذاتها، فيما يكتفي السيسي اليوم بأذناب «إسرائيل»… والمأجورين من آل سعود… الذين يمكن أن يتفاهموا مع أيّ طرف على أيّ موضوع له علاقة بسفك الدماء واستمرارية الحروب مهما كان الثمن على جميع الأراضي العربية…
فبالرغم من كلّ التقدّمات الميدانية للجيش السوري وحلفائه، وصمود الشعب اليمني في وجه تلك الحرب الرعناء، إلا انّ السعودية لم تستسلم… وعلى ما يبدو انها ستبقى تحارب وتفتعل الحروب وتوقد النار في كلّ مكان حتى تهلك هي أو يهلك العالم كله وينهار، لا سيما في الأماكن التي من السهل جداً افتعال الحرائق فيها… وتمدّدها بما يخفّف الكلفة ووطأة العناء لـ»إسرائيل» في تحقيق مشاريعها الصهيونية…
«إسرائيل» الطفل المدلل للسعودية… والعروس التي تتغنّج على تركيا… والفانوس السحري للسيسي كما توهّم وأوهمه سلطان زمانه السعودي سلمان بن عبد العزيز… حاملاً الحجج والبراهين في حقيبة أفكاره الغنية… ولسانه الطليق… المعبّر عن عبقريته وذكائه… فليس كيري الوحيد الذي يحمل المفاجآت في حقيبته… بل إنّ سلمان بن عبد العزيز حمل أكثر من حقيبة وتوجه الى مصر، فنال من جامعة القاهرة شرف شهادة دكتوراه فخرية دفعة واحدة… نظراً لما يقدّمه إلى الأمة الإسلامية جمعاء من خراب وتدمير وتشريد وقتل، خصوصاً في سورية واليمن… فهناك حبات التراب، وهناك الارواح النازفة… وهناك سني الألم والقهر تشهد بأنّ ذلك السعودي يستحق شهادة الدكتوراه بجدارة…
ما يجري في مصر اليوم ما هو الا خليط من التراجيديا والكوميديا… حفلة تنكرية مقنعة… مسرحيةٌ ممزوجةٌ مشاهدُها بكثير من الهزل وقليل من الجدّ، بدأ أولها بالرقص على طبل الاقتصاد المصري… وراح المهللون يهللون ويصدحون… ويشيدون بعظمة وأهمية نظام آل سعود وما سيقدّمه ذلك النظام الوهابي الفاسد من مشاريع بناءة لإنعاش الاقتصاد المصري… والنهوض به من أزمته المتفاقمة…
ومن ثم يتحوّل الرقص الى الحدود متمثلة بعملية التنازل المصري عن جزيرَتي تيران وصنافير المصريتين للسعودية… تحت عنوان اعادة ترسيم جديد لخارطة الحدود المصرية السعودية، بحجة انّ الفضل في نشأتهما يعود للملكة السعودية التي لم تكن قد نشأت بعد…
ويا ليت لا التاريخ ولا نحن عرفناها… لأنها وصمة عار… وخطأ تاريخي كبير…
أرض محمد علي باشا… اليوم تعيش الفقر والذلّ ليس المقصود العوز المادي… وإنما العوز إلى الوعي والإدراك لفظاعة ما تقودها اليه المهلكة السعودية… من عمليات بيع للجغرافية المصرية… وللمواقف السياسية إزاء الحروب الاقليمية الدائرة في المنطقة…
ويبدو انّ الهِبَات السعودية لمصر مغرية جداً ومن الممكن أنها تفوق الهبة اللبنانية بكثير، حتى كان حفل الافتتاح بإعلان السيسي قراره الجاحد لحجب قناة «المنار» المقاوِمة على قمر «نايل سات»، أو أنّ السيسي لديه الميول والنزعة الاستعمارية كما السعودية ويزعجه صوت منارة الحق… وتقلقه خطابات السيد حسن نصر الله… واختبأ بقراره المقيت المخزي… بحجة أنّ الغاية تبرّر الوسيلة… وانه مستعدّ لتقديم التنازلات كافة حتى يخرج بمصر من مأزقها الاقتصادي… وعلى العالم كله ان يتفهّم وضعه بأنه مجبر مرغم لا راغب… لا سيما أنّ الجميع صار يعلم بحقيقة الخطر السعودي الذي يتنقّل مثل فزاعة بين الحدود… مهدّداً بانتشار الارهاب… الى داخل كلّ دولة لا تقدّم له الطاعة… حتى وصل به الأمر الى مصادرة القرار القضائي في محكمة لبنان… في ما يتعلق بقضية الوزير الأسبق ميشال سماحة… وستتضح الأمور اكثر وقت صدور الحكم بحق أمير الكبتاغون السعودي، وما يتقرّر بشأن مصيره…
لا أعتقد أنّ هناك مبرّرات يمكن تقديمها… ولا يمكن لأحد أن يقتنع بها، وموقف السيسي ما هو الا إذكاء لحمى الحرب التي تلهب نيرانها السعودية في الساحات الاقليمية… فالتنازلات المصرية ستكون كبيرة… والعطاءات السعودية ستكون قليلة لا توازي أهمية التنازلات…
آل سعود ما أرادوا يوماً النهوض والتطوير لا لمصر ولا لأيّ دولة عربية، وما أرادوا الحرية والسلام والاستقرار لشعوبها… بل حتى انهم يجرّون الدول الغربية ويقدّمون الإغراءات لها لشنّ الحروب عليها… لأسباب عديدة منها… أنهم لا يملكون حضارة ولا تاريخاً يفاخرون بهما… وانهم حرف ساقط في الأبجدية العربية… وعروبتهم تتفتت بقاياها في مقابر «إسرائيل» والغرب…
لذلك، هي لا تملك الا المال الذي تستطيع بواسطته شراء الذمم والضمائر… ومصادرة المواقف، لكن ليس بمقدورها الخروج به من جحر تخلفها ورجعيتها وتعصبها الوهابي… إلى فسحة الانفتاح والتطور الحضاري… وستبقى أبداً أسيرة حقدها ورجعيتها.