ماذا عن رؤية أميركا والغرب لمستقبل السعودية؟

هشام الهبيشان

إنّ ما تعيشه السعودية اليوم من تطورات ومتغيّرات جديدة، وما يقوم به النظام السعودي من مغامرات ومقامرات جديدة في المنطقة العربية والإقليم ككلّ، يعيدنا إلى المشروع الذي تقدم به ماكس سينجر مؤسس معهد هدسون منذ سنوات للمسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية حول رؤيته لتقسيم السعودية التي تمحورت ضمن أهداف عدة، منها إقامة جمهورية إسلامية شرق البلاد تضمّ حقول البترول فقط، مع الإبقاء على حكومة ملكية في باقي السعودية يحكمها «الأمراء الشباب الذين يحظون بدعم أميركي»، على أن تكون هذه الحكومة الملكية عرضة للسقوط بعد وقف الدعم عنها. والواضح اليوم، أنّ فصول هذه الخطة بدأت تطبق تدريجياً في السعودية.

قبل اشهر عديدة أيضاً، نشرت، صحيفة «غارديان» البريطانية، تقريراً موسعاً حول تقييمها لمستقبل المنطقة وخصّت فيه بشكل عام مستقبل الدولة السعودية، والذي أشار إلى «أنّ جميع صانعي الخرائط الإنغلوسكسونيين يتفقون في ما يخصّ السعودية على أنّ المملكة يجب ألا تبقى موحدة»، وأوضح التقرير: «أنّ فكرة دمقرطة الشرق الأوسط قد ترسّخت بثبات في رؤوس الاستراتيجيين الأميركيين، وأنّ إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تنأى بنفسها عن السعوديين، والزمن يمارس لعبته ضدّ البيت السعودي». وأضافت الصحيفة: «انّ السعودية تأمل أن تسقط سورية، لأنّ سقوطها يعني بالنسبة إليها هزيمة إيران، عندئذ يمكن أن تصبح السعودية دولة إقليمية كبرى، لكنّ هذا الهدف بعيد المنال»، مشيرة إلى «أنّ النهج الذي تتبعه السلطات السعودية يمكن أن يحمل إليها مفاجآت كارثية»، مؤكدة: «أنّ حالة الفوضى سوف تضرب السعودية، وذلك بسبب أفعال القمع التي تنفذها السلطات وتفشي الفساد والاعتقالات الجماعية».

المفارقة العجيبة هنا، هي أنّ من يحرك ملفات هذا التقسيم في السعودية هم أصدقاء وحلفاء النظام السعودي، صنّاع القرار الأميركي، وهم من يدرسون الخطط على الأرض ويتنبأون بالنتائج ثم ينفذون مخطط عملياتهم، وهذا ما أكدته أيضاً مجلة «فانيتي فير» الأميركية، وقالت إنّ المستشار في «معهد واشنطن» دينيس روس والمؤرخ الأميركي دايفيد فرومكين والباحثَين الأميركيَّيْن كينيث بولاك ودانييل بإيمان، تحدثوا وفي شكل علني عن وجوب تقسيم السعودية، ويشاركهم في كلّ هذا، بالطبع، كلّ من المسيحيَّين المتصهينَين برنارد لويس ونوح فيلدمان، فهذان الشخصان هما جزء من اللوبي «المسيحي المتصهين» الموجود في أميركا، وهما أيضاً جزء من راسمي السياسة التقسيمية للمنطقة العربية والإقليم الذين تطلق عليهم تسمية «صانعي الخرائط الأنغلوسكسونيين».

يبدو أنّ حجم الخطر الذي يواجه السعودية والمقبل عليها من حلفائها الأميركيين، لم يغيّر حتى الآن في رؤية النظام السعودي لطبيعة تعامله مع معظم ملفات المنطقة وملفات الداخل السعودي كذلك، فتصرفات ومغامرات النظام السعودي تظهر أنه لم يدرك حتى الآن حجم مخاطر المشروع الأميركي الذي يستهدف السعودية، هذا المشروع الذي بدأ يدفع السعودية إلى الانزلاق نحو مستنقعات سترهق السعوديين وتزيد من تفكك بنية المجتمع السعودي، وهو يهدف إلى توفير المناخ الخصب لتنفيذ فصول المشروع الأميركي التقسيمي في السعودية.

وبالتزامن مع هذه التطورات والمتغيّرات والخطط التي تحاك للسعودية، بدأت تطفو على السطح زيادة ملحوظة في حجم الانتقادات في الغرب لدور السعودية في تمويل الجماعات المتطرفة، والدليل هنا ما جاء في مقال للكاتب ريتشارد نورتن تايلور انتقد فيه بيع السلاح البريطاني لـ«إسرائيل» والسعودية، معتبراً أنّ المملكة تصدِّر ما وصفه بـ«المذهب الوهابي وهو أكثر المذاهب معاداة للتسامح»، رابطاً بين ممارسات الحركة الوهابية في السابق وتدمير جماعة «داعش» للأضرحة فـي العراق.

إنّ ما تقدّم ليس كلاماً عابراً، بل هو موثق بأدلة، أما اليوم، فيبدو واضحاً، ومن خلال بعض الأحاديث والتحليلات التي بدأت تخرج إلى العلن من مراكز الأبحاث والدراسات في أميركا، عن انّ هناك فعلاً مشروعاً أميركياً جديداً بدأ برسم سياسات جديدة للتعامل مع الملف السعودي، والأكثر وضوحاً هو أنّ هناك اليوم دعوات صريحة من داخل دوائر صنع القرار الأميركي تدعو إلى اختيار الوقت المناسب للانقضاض على السعودية التي من المتوقع، بحسب الرؤية الأميركية، أن تخرج من حرب اليمن أكثر ضعفاً وهشاشة، والمطلوب هو تقسيمها إلى دويلات طائفية وديموغرافية، وبالطبع هذا الموضوع بدا يلقى رواجاً واضحاً داخل دوائر صنع القرار الأميركي.

يعلم السعوديون وبعض دوائرهم الرسمية كلّ هذه التفاصيل، وهم متيقنون من ذلك، فهم يدركون جيداً معنى أن يظهر إلى العلن مخطط كهذا جلّ القائمين عليه هم من صنّاع القرار الأميركي، وهؤلاء أنفسهم كان لهم الدور الأكبر في رسم سيناريوات غزو العراق وأفغانستان والتحرك في ليبيا وسورية، وهم من يرسمون الآن خطوط واتجاهات ما يسمّى بـ»الربيع العربي»، وهم أنفسهم الذين يخططون ويرسمون شكل العالم الجديد، ولكن في هذه المرحلة يبدو أنّ النظام السعودي في عهد مليكه الجديد، ما زال يمارس مزيداً من المغامرات والمقامرات التي ستكون لها حتما انعكاسات وارتدادات على السعودية في الأيام المقبلة، ومنها تأثيرات وارتدادات الحرب العدوانية الأخيرة، على اليمن، على الداخل السعودي.

ختاماً، فإنّ الحديث الأخير للرئيس الأميركي باراك أوباما والذي قال ما مضمونه: «إنّ أكبر خطر يهدّد السعوديين ليس التعرّض لهجوم من إيران، وإنما السخط داخل بلادهم، بما في ذلك سخط الشبان الغاضبين والعاطلين عن العمل والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم»، جاء هذه المرة بنبرة وصيغة مختلفة كلياً عن أحاديث سابقة، وهذه هي المرة الأولى تقريباً التي يتطرق فيها مسؤول أميركي رفيع لضغوطات ومشاكل الداخل السعودي، وهذا ما يؤكد قطعاً أنّ هناك صراعاً خفياً يدور من خلف الكواليس بين أركان الإدارة الأميركية وصناع القرار الأميركي، حول سبل التعاطي مع الملف السعودي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى