الإعلام الغربي: نحن ضدّ الإرهاب لا ضدّ الإرهابيين!

عامر نعيم الياس

«النصرة» روح التمرّد الميداني في سورية. والمعادلة هذه ستبقى صالحة على المدى الطويل. فنحن أمام مشهدٍ علينا منذ البداية أن ندرك سخرية بعض جوانبه. فما يجري من توافقٍ روسيّ ـ أميركيّ في سورية حول الهدنة ينسحب هو الآخر على قرارات مجلس الأمن الدولي والبيانات الخاصة بسورية ومؤتمرات جنيف وعملية السلام المفترضة برمّتها. يكفي أن تتفق واشنطن وموسكو على أن صيرورة الأمور جيّدة حتى ينقضي الأمر ويصير للهدنة مبرّر وللعملية السياسية طعم ولون.

الأمر ذاته ينطبق على «النصرة»، فهي تنظيم إرهابيّ على أوراق قرارات مجلس الأمن الدولي، ومُستثناة من الهدنة أو «وقف العمليات القتالية» في سورية. لكن الهجوم المعاكس الذي تشنّه على الأرض، والمروحة الفضفاضة في المواقف والأهداف الأميركية الخاصة بسورية، وترافق ما سبق بتفسيرات متناقضة على الدوام لأيّ توافق روسيّ ـ أميركيّ، كلّ ذلك كفيل برسم صورة المشهد الجديد.

الهدنة لم تمت رسمياً ولم يعلن أيّ طرف من الأطراف عدم تقيّده بها. لا بل إن ما يجري اليوم في سورية يجري في سياق ما سمّيناه سابقاً «عمليات الهدنة». فنحن أمام نوعٍ مختلفٍ من العمليات الشرعية التي تسمح بها الهدنة في سياق «الحرب على داعش أولاً»، ثم يتمّ طرح مصير «النصرة» على التداول. هو «تجاهلٌ» لوجود «القاعدة» على أرض سورية، وسماحٌ بالاعتماد عليها تحت لافتة التشكيلات والتحالفات المختلفة على أرض سورية.

استأنفت «النصرة» و«أحرار الشام» والفصائل القوقازية والتركستانية وبعض الإسلامية المحسوبة على «الجيش الحرّ» عملياتها العسكرية في المناطق التي رسمت حدود العملية العسكرية الروسية المكثّفة في سورية. وعكست مدى تأثيرها على موازين القوى على الأرض السورية، من ريفَي حلب الجنوبي والشمالي، إلى ريف اللاذقية الشمالي، وليس انتهاءً بسهل الغاب في ريف حماة. تنسيقٌ لافتٌ بين الكتائب الإسلامية القاعدية على الأرض السورية حول هدف إعادة رسم خطوط التماس العسكري تمهيداً لتكريس مناطق نفوذ جديدة وإدارة حرب الاستنزاف. وما يجري يعيد تعويم «النصرة» غربياً باعتبارها صاحبة إنجازٍ سياسيّ وعسكريّ له أهدافه الاستراتيجية في سورية. وفي هذا السياق، لوحظ اندفاع الصحافة الغربية إلى الحديث عن «ثوّار النصرة» وفق «نيويورك تايمز» الأميركية، و«غارديان» البريطانية، فيما وصمتهم صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» «بالمتمردين».

أما «لوموند» الفرنسية فقد اقتربت من رثاء الإرهابي الدولي أبي فراس السوري حين عنونت أحد تقاريرها: «أبو فراس السوري يُقتل بعد أربعين سنة من الجهاد».

كلّ ما سبق يأتي في وقت وصف المتحدّث بِاسم تحالف أوباما للحرب على «داعش»، ستيف وارن، الفصائل التي تقاتل اليوم في ريف حلب الشمالي وحتى الجنوبي بأنها «الفصائل المنتقاة». وهو ما يُدخل المعادلة السورية في مرحلةٍ جديدةٍ من التعاطي السياسي والإعلامي الذي يهدف في معظمه إلى الحفاظ على «جبهة النصرة» في الوقت الحالي، وتبرير ملء الفراغ الذي سيخلّفه تراجع «داعش» بفصائل سلفية قاعدية أكثر انضباطاً في الاستراتيجية الدولية والإقليمية الخاصة بسورية.

يرسّخ الغرب عموماً وواشنطن خصوصاً المعادلة التالية: «نحن ضدّ الإرهاب لكننا لسنا ضدّ الإرهابيين». وهذا ينطبق على تنظيم «جبهة النصرة» المصنّف إرهابياً على المستوى الدولي، لكن مَن يقاتل في صفوف التنظيم يوصف «بالثائر» حيناً و«المتمرد» حيناً آخر. وإن أريدَ التطرّف في التوصيف قيل عنه إنه «جهادي». لكن ماذا عن الهدنة؟

الكرة في الملعب الروسي اليوم والاكتفاء بوصف وتوصيف وعدّ «الخروقات» سواء «الجسيمة» أو «غير الجسيمة» لا يبدو أن بإمكانه الصمود طويلاً، فيما الولايات المتّحدة روّجت للبديل والاستنزاف المضاد بعد إسقاط الطائرة الحربية السورية في العيس في ريف حلب الجنوبي. «فالمتمردون السوريون حصلوا على صواريخ مضادة للطائرات طال انتظارهم لها»، قبل أن تضيف أن مصدر المضادات «مستودعات الجيش السوري وحكومة قطر»؟ لكن مجلة «جينز» البريطانية المختصّة في الشؤون الدفاعية حدّدت بدقّة مصدر الأسلحة المتطوّرة وهو الولايات المتّحدة، التي قامت بنقلها إلى سورية من أوروبا الشرقية عبر تركيا والأردن وذلك عبر دفعتين وصلت الأخيرة منها بعد الاتفاق الروسي ـ الأميركي على «وقف العمليات القتالية» في سورية، وبعد القرار الروسي بالانسحاب العسكري الجزئي من سورية.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى