تقرير
أُنشئ مجلس التعاون الخليجي الذي يضمّ في عضويته دول: السعودية والإمارات وقطر وعُمان والبحرين والكويت، عام 1981، وذلك في أعقاب أزمة النفط في سبعينات القرن الماضي، والانسحاب البريطاني من منطقة الشرق الأوسط عام 1971.
ويواجه المجلس، الذي كان الهدف من إنشائه تسهيل التعاون الأمني والاقتصادي بين أعضائه الستة، أكبر أزمات أمنية واقتصادية تحيط به منذ إنشائه، ويسعى إلى مواجهة تلك الأزمات الأمنية والاقتصادية عبر اتخاذ تدابير استثنائية.
ويتوقع تقرير صادر عن معهد «ستراتفور» أن توحّد التهديدات الأمنية دول مجلس التعاون الخليجي الذي تؤثّر المملكة العربية السعودية في سياساته بشكل كبير.
وفقاً للتقرير، فإنه في أعقاب أيّ دورة انتعاش أو انكماش اقتصادي، تؤثر أسعار النفط المنخفضة على سلوكيات الدول التي تعتمد على النفط عالمياً. وقد ناقشت دول الخليج تلك المشكلة، وأجرت إصلاحات اقتصادية، وثمة الآن حاجة ملحّة إلى إدخال المزيد من تلك الإصلاحات، لا سيما بالنظر إلى أن هبوط أسعار النفط الحالي قد يمتد إلى خمس سنوات أو أكثر.
ويشير التقرير إلى أنه في أعقاب انهيار أسعار النفط وبلوغها مستويات منخفضة جداً، حدث عجز في ميزانيات بعض دول المجلس للمرة الأولى في تاريخها، كما الحال مع المملكة العربية السعودية، التي لجأت إلى السحب من الاحتياطي الدولاري. منوهاً أنه رغم اتفاق دول المجلس على ضرورة اتخاذ إصلاحات اقتصادية، إلا أنها على الأرجح ستتبع سبلاً مختلفة في تطبيق ذلك.
وتسعى المملكة إلى تعويض خسائرها الناتجة عن انهيار أسعار النفط وتحاول إيجاد مصادر بديلة للدخل، حسبما يشير التقرير. ويأتي ذلك عبر إجراء إصلاحات اقتصادية تشمل فرض ضرائب على الشركات المحلية والأجنبية، وهو ما قد واجه معارضة داخلية من قبل. كما تحاول المملكة سنّ تشريعات تصلح من وضع القطاع المصرفي، وهو ما تحاول البحرين فعله أيضاً، وذلك سيراً على خطى البنك المركزي الإماراتي الذي امتثل لتشريعات معاهدة بازل الثالثة لجذب الاستثمارات الأجنبية.
ويشير تقرير «ستراتفور» إلى أنه مع إعلان البنك المركزي السعودي مؤخراً أن المعروض النقدي في المملكة انخفض في شباط للمرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمن، فمن الواضح أن السعودية تحتاج إلى اتحاد دول مجلس التعاون الخليجي، مشيراً إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة من جانبها، سوف تضطلع بدورها في رسم النموذج الاقتصادي للدول الأعضاء الأخرى لجذب مزيد من الاهتمام في السنوات المقبلة.
ويؤكد التقرير أن الإمارات العربية المتحدة تنسق التعاون الاقتصادي بين دول المجلس حتى تبدو المجموعة كمنطقة جذب استثماري واعدة أمام المجتمع الدولي. وسيحافظ هذا التنسيق الاقتصادي والعسكري على وحدة المجلس في خضم حقبة من الاضطراب السياسي والاقتصادي.
ويشير تقرير «ستراتفور» إلى أن خفض الأجور في الدول الخليجية قد أصبح ضرورة حتمية، رغم أن ذلك يتناقض مع برنامج توظيف العمالة الوطنية. فقد اعتاد السعوديون على العمل في القطاع العام بمرتبات عالية فضلاً عما يحصلون عليه من دعم من الدولة، ذلك الدعم الذي أوصى صندوق النقد الدولي دول الخليج في 2015 بضرورة إلغائه تدريجياً. فضلاً عن أن كبر عدد سكان السعودية يعيقها عن عملية الخصخصة وتنويع مصادر الدخل.
ويلفت التقرير إلى سعي دول الخليج إلى خفض الإنفاق الحكومي في مراحل سابقة انخفضت فيها أسعار النفط، مثلما حدث في منتصف الثمانينات، غير أنها واجهت معارضة عنيفة من مجتمع رجال الأعمال. وقد حاولت الكويت العمل بنصيحة صندوق النقد الدولي في منتصف الثمانينات أيضاً في خصوص خفض الإنفاق الحكومي عن طريق رفع الدعم وفرض المزيد من الضرائب. لكن الأمر قوبل برفض البرلمان الكويتي.
ستقود الإمارات، حسبما يرى التقرير، دول المجلس في تطبيق عملية الإصلاح تلك، بتقديمها نماذج معقولة في السياسات الاقتصادية المطبقة مثل ضريبة القيمة المضافة وسياسات القطاع المصرفي، التي ستجعل المجلس ككل موقعاً جاذباً للاستثمارات خلال السنوات القليلة الماضية.
يقول التقرير أيضاً إن الكويت وقطر والإمارات لا تعاني اقتصادياً كباقي دول المجلس، وذلك بفضل الإصلاحات الاقتصادية التي طبقتها، وتمتعها باحتياطات نقدية هائلة وصناديق ثروة سيادية لها عائد استثمار عالمي.
وقد جاءت البحرين في صدارة دول المجلس من حيث إدخال تغييرات أشمل حتى الآن فقد أعادت هيكلة الدعم على اللحوم والخضروات والتبغ أو ألغته. بينما واجهت حكومة الكويت معارضة شعبية قوية لخطة رفع الدعم عن الغذاء في 2015. وقد أدخلت دول المجلس إصلاحات مختلفة على برامج دعم الوقود والطاقة. وقد طرحت عمان من جانبها فكرة ضرائب الاستهلاك الشخصية لكنها لم تقرها بعد.
لكن التعاون بين تلك الدول تتفاوت درجته من فترة إلى أخرى. فقد مرت العلاقات بين بعض دول الخليج بفترة من التوتر بسبب انقسامها حول الأوضاع في الشرق الأوسط، فبعد دعم قطر لحكم الإخوان المسلمين في مصر، قامت السعودية والإمارات والبحرين بسحب سفرائها من قطر، متهمين إياها بالعمل على تهديد أمن دول الخليج، والخروج على الميثاق الذي يجمع تلك الدول.
ومن ناحية أخرى، تبرز تحدّيات أمنية كبرى أمام دول المجلس، فالعلاقة المتوترة مع إيران دفعت دول الخليج للاصطفاف خلف السعودية لمواجهة ذلك التهديد، حيث تحاول إيران السيطرة على سورية عبر القتال صراحة إلى جانب الأسد. وقد دفع ذلك دول الخليج إلى دعم فصائل معارضة داخل سورية.
ويشير التقرير إلى أن التعاون الأمني بين دول الخليج لم يقف عند هذا الحدّ، فقد شنت تلك الدول، تحت قيادة السعودية، حرباً على الحوثيين في اليمن، المتهمين بتلقي الدعم من إيران أيضاً. ومن قبل، ومع بدايات «الثورات العربية» في 2011، دفعت دول الخليج بدرع الجزيرة، وهو القوة الخليجية المشتركة، إلى داخل البحرين للمساعدة في إخماد التظاهرات التي عمّت البحرين وقتئذٍ.
يؤكد التقرير على أنه، ومن الناحية السياسية، لا يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي إصلاح أنظمتها المعقدة بسرعة، لأن هذا القرار يعتمد بشدة على الثقافة الفردية الخاصة بكل دولة من دول المجلس ويتصل بتغيير النمط الاجتماعي. هذا النمط سيتغير بشكل جذري في المملكة العربية السعودية. إن مجلس التعاون الخليجي، على عكس الاتحادات السياسية الأخرى مثل الاتحاد الأوروبي، هو اتحاد أمني أكثر من كونه اقتصادياً، فكل من الأمن والسياسة كانا من بين العوامل الرئيسية التي ساهمت في تأسيسه.