غضب وجدل في مصر بعد منح جزيرتَين للسعودية
اثار الاعلان المفاجئ خلال زيارة الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز للقاهرة عن توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين تمنح السعودية السيادة على جزيرتين في مضيق تيران موجة غضب في الشارع المصري وفي وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
وجزيرتا تيران وصنافير غير المأهولتين تتحكمان في مدخل خليج تيران وهو ممر ملاحي رئيسي للوصول الى ميناء ايلات جنوب فلسطين المحتلة على خليج العقبة، ولا يزال المصريون الذين شاركوا في الحروب الاربعة ضد الكيان الصهيوني قبل ان تصبح مصر أول بلد عربي يوقع معاهدة تسوية مع الكيان الصهيوني عام 1979، لا يزالون يتذكرون حرب الخامس من حزيران 1967.
فقد كان اغلاق خليج تيران امام السفن الصهيونية بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر في 23 أيار عام 1967 شرارة اشعلت بعد اقل من اسبوعين الحرب الثالثة مع العدو الذي احتل خلالها الكيان هضبة الجولان السورية والضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء وجزيرتي تيران وصنافير.
وعند ابرام اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني عام 1978، وضعت الجزيرتان مثل بعض اجزاء من شبه جزيرة سيناء ضمن ما يعرف بـ «المناطق ج» حيث يمنع اي تواجد للجيش المصري ويسمح فقط بانتشار عناصر من الشرطة المدنية وقوات متعددة الجنسيات.
وتلتزم السعودية بموجب الاتفاقية الجديدة باحترام كل تعهدات مصر الدولية بشأن الجزيرتين.
وانتشرت في وسائل الإعلام وخصوصا البرامج التلفزيونية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي خلال الايام الاخيرة تعليقات حول الاتفاق المصري السعودي الاخير مع تساؤلات كثيرة حول ما اذا كانت مصر «تنازلت» عن سيادتها على الجزيرتين مقابل مليارات الدولارات من المساعدات التي تقدمها السعودية لمصر بعد إطاحة الرئيس محمد مرسي في تموز 2013.
وكتب استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حازم حسني على حسابه على موقع «فايسبوك» ان «رضوخ مصر السهل لمطالبة السعودية بالجزيرتين وكأننا نتنازل عن كارت شحن للهاتف المحمول يبين إلى أي درك انحدرت الدولة المصرية وما بقي من الدور المصري الاقليمي الذي صار مهيناً لمصر والمصريين».
وكتب استاذ القانون في جامعة الزقازيق نور فرحات على «فايسبوك» ايضا داعيا نواب البرلمان الى «سحب الثقة من الحكومة فورا لانها اقدمت … على الاعتراف المجاني بسيادة السعودية على الجزيرتين دون حتى اخذ رأي مجلس النواب».
واصدرت الحكومة المصرية السبت الماضي بيانا اكدت فيه ان «العاهل السعودي الملك عبدالعزيز آل سعود كان قد طلب من مصر في كانون الثاني 1950 أن تتولى توفير الحماية للجزيرتين»، مضيفا ان الاتفاقية الجديدة استندت الى قرار جمهوري اصدره الرئيس المخلوع حسني مبارك وابلغ به رسميا الامم المتحدة في ايار 1990 «يجعل جزيرتي تيران وصنافير داخل المياه الاقليمية السعودية»، على حد زعمها.
ولن تدخل الاتفاقية المصرية السعودية الحدودية حيز التنفيذ الا بعد عرضها على مجلس النواب المصري والحصول على موافقته، لكن البعض طالب باكثر من ذلك.
وقال المعلق المعروف ابراهيم عيسى على قناة «القاهرة والناس» مساء الاحد الماضي ان «التنازل عن الجزيرتين شأن يتعلق بالسيادة المصرية»، وان المادة 151 من الدستور المصري توجب اجراء استفتاء شعبي على اي اتفاقية تخص أمراً من امور سيادة الدولة على اراضيها.
ويعتبر خبراء ان الحكومة المصرية لم تتعامل بشفافية في هذه القضية.
ويقول استاذ العلوم السياسية في الجامعة الاميركية مصطفى كامل السيد: «الخطأ الذي ارتكبته الحكومة المصرية هو انها لم تبلغ الشعب المصري لا في وقت حسني مبارك ولا في وقت عبد الفتاح السيسي ان اتصالات تجري مع السعودية للاتفاق على ترسيم الحدود».
ويضيف: «منذ العام 1990، قبلت مصر بالسيادة السعودية على الجزيرتين وابلغت الامم المتحدة بذلك ولا يحق لها التراجع الآن. وبالتالي فمن الناحية القانونية، الثابت ان الجزيرتين سعوديتان».
ويرى الخبير في شؤون الشرق الاوسط ان هاتين الجزيرتين قَلَّت اهميتهما الاستراتيجية الآن مع وجود حالة تسوية بين مصر والكيان الصهيوني. اما المكسب الذي ربما تحققه الرياض من استعادتهما، فيقول السيد انه سياسي بالاساس اذ «ترضي الاتفاقية تطلعات الجماعة الحاكمة في المملكة التي تريد اظهار السعودية بمظهر القوة الاولى في منطقة الشرق الاوسط التي تخشى بأسها القوى الاقليمية الاخرى».
واعتبر المحلل السياسي السعودي جمال خاشقجي ان اهتمام السعودية بالجزيرتين يرجع الى «اسباب تاريخية اكثر من اي شيء آخر»، اذ ان المملكة اعتبرتهما دائما اراضي سعودية.
لكنه اضاف ان ترسيم «الحدود يخلق علاقات جيدة بين الجيران، فالآن اصبحت الجزيرتان معنا.. قد يتم اكتشاف حقول نفط او غاز فيهما، وهذا الترسيم يَقِينَا من اي خلافات في المستقبل».