الإنتخابات البلدية واحتمالات التغيير في المشهد البلدي

ابراهيم ياسين

مع اقتراب استحقاق إجراء الانتخابات البلدية في لبنان تظهر كلّ المؤشرات حتى اللحظة أنّ الانتخابات سوف تحصل في موعدها المقرّر في شهر أيار المقبل، وهذه المؤشرات تجلت في دعوة الحكومة للهيئات الناخبة للقيام بواجبها الوطني.

وقد بدأت القوى والأحزاب والفاعليات السياسية في المدن والبلدات بالاستعداد لخوض المعارك الانتخابية من خلال نسج التحالفات في ما بينها كلّ حسب منظاره ومصالحه السياسية وكلّ ذلك باسم «التنمية».

ومن اللافت أنّ بعض المناطق سوف تشهد بالضرورة تحوّلات في المشهد الانتخابي واستطراداً خارطة موازين القوى في المجالس البلدية التي سيجري انتخابها لا سيما في مناطق كسروان والمتن وجبيل والبترون وطرابلس وزحلة، حيث سيكون للتحالف بين القوات والتيار الوطني الحر في بعض المناطق المشتركة أثره الكبير في تحديد النتائج، وبالتالي إلغاء تأثير العديد من الفاعليات المستقلة، في حين أنّ التحالف بين النائب سليمان فرنجية وميشال معوض في منطقة زغرتا سوف يحسم المعركة مسبقاً في هذه المنطقة، فيما تشهد منطقة الكورة ومدينة طرابلس والأقضية التابعة لها خلطاً للأوراق الانتخابية حيث يتوقع أن تشهد تبدّلاً في التحالفات الانتخابية التي لم تتبلور بصورة نهائية بعد.

هذا التبدّل في المشهد الانتخابي البلدي لا يسري فقط على مناطق جبل لبنان وكسروان والمتن وأيضاً في شمال لبنان بل يطال أيضاً مناطق البقاع والجنوب، وكذلك العاصمة بيروت مروراً بالشوف وإقليم الخروب.

أما الوضع في عاصمة الجنوب صيدا فينذر بمعركة قاسية يخوضها طرفا الصراع الأساسيان في المدينة، التنظيم الشعبي الناصري وتيار المستقبل، ويبدو أنّ الهيئات القيادية في «التنظيم الشعبي الناصري» قد حسمت قرارها وخيارها بخوض معركة الانتخابات البلدية في صيدا. وقد ظهر ذلك من خلال مباشرة «التنظيم الشعبي الناصري» سلسلة لقاءات مع القوى الصيداوية لإبلاغها موقفه والأسباب التي أملت هذا الخيار.

مصادر متابعة أشارت إلى انّ «الناصري» ينطلق بمعركته من أسباب عدة بينها الأداء الذي أظهره الفريق السياسي الآخر في المدينة، إنْ كان على مستوى العمل البلدي والخدماتي، أو من خلال الانفراد بترشيح الرئيس الحالي للبلدية محمد السعودي لولاية ثانية لرئاسة بلدية صيدا، بمعزل عن رأي أو استشارة الأطراف السياسية الأخرى في المدينة. إضافة الى عدم إمكانية حصول ايّ توافق مع تيار «المستقبل» وحلفائه، كون المعركة بلدية لكنها تحمل في طياتها أبعاداً سياسية ووطنية وإنمائية. وهذا يعني أنّ هناك مشروعين متناقضين التوافق حولهما مستحيل ولا يلتقيان لا في السياسة ولا في غيرها.

وكان أمين عام التنظيم «الشعبي الناصري» أسامة سعد قد مهّد لهذا الخيار والقرار خلال اللقاء الذي عقده قبل أيام مع رئيس بلدية صيدا السابق الدكتور عبد الرحمن البزري عندما زاره في منزله قبل أيام. وقد أبلغ سعد أيضاً قرار التنظيم بخوض المعركة ومباشرته التحضيرات والترتيبات إلى «اللقاء الوطني الديمقراطي» في صيدا.

والتنظيم الشعبي الناصري بمجرد اتخاذ قراره بفرض الانتخابات يكون قد كسب المعركة حتى لو لم يفز بها، فالهدف معركة انتخابية في مواجهة تيار المستقبل وما يمثله على الساحة اللبنانية سياسياً واقتصادياً و…

إذاً، يبدو أنّ الانتخابات البلدية سوف يكون لها هذه المرة أثرها في رسم معادلات جديدة على مستوى بعض المناطق في ضوء العوامل التالية:

ـ العامل الأول: التبدّل الملحوظ في موقف الرأي العام الذي ظهر مؤخراً في التحركات الشعبية المنتقدة بشدة لسياسة الطبقة السياسية الحاكمة والقوى السياسية المسيطرة فيها، لا سيما على ضوء تمادي هذه الطبقة وأطرافها السياسية في التشجيع على السرقة والفساد المالي وعقد الصفقات، والتي ظهرت بشكل سافر في أزمة النفايات التي لا تزال تفوح رائحتها في البلاد وتزكم الأنوف وتعرّض صحة المواطنين لأخطار جسيمة، فيما انكشاف فضائح الانترنت الغير شرعي، والقمح المسرطن وشبكات الدعارة، وفضيحة الفساد في سلك قوى الأمن الداخلي… وغيرها من الفضائح، «عرّى» أكثر من أيّ وقت مضى هذه الطبقة السياسية الحاكمة وزاد من نقمة الشعب ضدّها.

هذا التبدّل في موقف الرأي العام، ومهما كانت نسبته سيكون له أثره في نتائج الإنتخابات البلدية، وهو ما يثير قلق بعض الأطراف السياسية التي تسعى اليوم من خلال تبديل التحالفات إلى احتوائه والظهور بمظهر الحريص على مشاركة الجميع في المجالس البلدية بعدما كان في الانتخابات الماضية ينتهج سياسة معاكسة تماماً تقوم على الاستئثار بالمجالس البلدية وإلغاء أيّ دور للآخرين.

ـ العامل الثاني: تراجع تأثير المال حيث يبدو أنّ بعض القوى السياسية التي كانت تخصّص موازنات ضخمة في الانتخابات البلدية لإستمالة الفاعليات في المدن والبلدات على غرار « تيار المستقبل»، باتت اليوم لا تملك القدرة المالية على الإنفاق بسخاء في هذه الانتخابات لشراء الأصوات ومحاولة حسم المعركة لمصلحتها، ولهذا فإنّ تراجع دور المال سيكون له أثره في مجرى نتائج العملية الانتخابية.

ـ العامل الثالث: تراجع حدة الاستقطاب السياسي والمذهبي لسببين:

1- فشل الخطاب المذهبي في تحقيق أيّ هدف من أهدافه وإنعكاسه السلبي على المواطنين من خلال تغذية الإتجاه الإرهابي المتطرف ودعمه، مما ألحق الضرر بمصالح الناس وحياتهم واستقرارهم الأمني والاجتماعي، ولا شك في أنّ دعم «تيار المستقبل» لهذا التيار الإرهابي المتطرف في لبنان وسورية قد إنعكس سلباً عليه لا سيما بعد أن ظهرت مؤشرات فشل أهدافه في إسقاطه الدولة الوطنية السورية، ومحاولة تغيير موازين القوى في لبنان لمصلحته.

2 – التبدّل في التحالفات الانتخابية حيث أنّ إقدام «تيار المستقبل» على ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة والحديث عن تحالف انتخابي في البلديات يجمع تيار فرنجية مع بعض خصومه السابقين، ومبادرة القوات اللبنانية إلى دعم ترشيح العماد ميشال عون والتفاهم في ما بينهما على خوض الإنتخابات البلدية في بعض المناطق بلوائح مشتركة.

إذاً، فإنّ هذه العوامل الثلاثة المذكورة آنفاً سوف تجعل من الإنتخابات البلدية والنتائج المتوقعة منها محطة جديدة ستنعكس بكلّ تأكيد تغييراً ولو نسبياً في خارطة موازين القوى على مستوى المدن والبلدات.

ولهذه الأسباب كانت بعض أطراف الطبقة السياسية الحاكمة تفضل تأجيل الإنتخابات البلدية وأن يتم التمديد لها، لأن بقاء الأوضاع الراهنة على ما هي أفضل بالنسبة لها، في حين أنّ إجراء الإنتخابات قد يهدّد بانكشاف مستوى تراجع شعبيتها ونفوذها. ولهذا لم تتجرأ هذه المرة على السير في خيار التمديد بسبب الرفض الشعبي الواسع له والخوف من الإنعكاسات السلبية التي قد تطرأ… وكان للحراك الشعبي الأخير دور في منع الطبقة السياسية من التجرّؤ مجدّداً على التمديد للمجالس البدية والاختيارية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى