مشهدا «البارد» و«اليرموك» لن يتكرّرا في «عين الحلوة»… والمتشدّدون تحت المجهر الأمنيّ
محمد حمية
مرّة جديدة يتصدّر مخيم عين الحلوة المشهد الأمني من بوابة الاغتيالات لقيادات أمنية فلسطينية فتحاوية، لها الدور الأساس في العمل على ضمان أمن المخيمات والحفاظ على استقرارها.
اغتيال العقيد فتحي زيدان «زورو» المسؤول في حركة فتح في صيدا، لم يكن الأول من نوعه، بل يأتي ضمن إطار مسلسل الاغتيالات لقيادات فتح الأمنية في مخيم عين الحلوة خصوصاً، وأبرزهم المسؤول في الحركة العميد جميل زيدان والمسؤول العسكري المقدّم طلال الأردني، ومحاولة اغتيال المسؤول العسكري سعيد العرموشي، واغتيال اللواء الفتحاوي كمال مدحت عام 2009 عقب خروجه من مخيم الميّة وميّة. فهل سيكون استهداف «زورو» فتح في صيدا شرارة التفجير الأمنيّ في مخيم عين الحلوة؟ وهل يندرج ضمن الصراع الفتحاوي ـ الفتحاوي أم بين فتح والتنظيمات المتشدّدة التي تتضارب المعلومات حول قوّتها ونفوذها داخل المخيم، وبالتالي كيف ستردّ فتح؟ وما هي حقيقة ضلوع «الموساد الإسرائيلي» في الحادث؟
لا معلومات جديدة عن حادث اغتيال زيدان بانتظار تحقيقات اللجنة التي كلفتها اللجنة الأمنية العليا. وأيّ مؤشرات وأدلّة على ضلوع جهة معينة ستضعها لجنة التحقيق في متناول اللجنة الأمنية العليا التي ستبادر إلى كشف الحقيقة. إلا أن أصابع الاتّهام تنصبّ على العدو الصهيوني الذي يملك سوابق في عمليات اغتيال عدد من قادة المقاومة الفسلطينين واللبنانيين. والمعلومات المؤكدة بحسب مصادر «البناء»، أنّ سيارة زيدان فُخّخت في مخيم المية ومية وفُجّرت عن بُعد في صيدا.
لا مؤشرات على هجوم تعدّ له حركة فتح للقضاء على التنظيمات المتشدّدة في المخيم كردّ على اغتيال زيدان كما أشيع، هذا ما تؤكده مصادر مطّلعة من داخل المخيم. كما لا مؤشرات على تفحير أمنيّ قريب في المخيم، بل هناك حالة من الغضب والاستنكار تسود المخيم إزاء جريمة الاغتيال. أما الحديث عن تنامي المجموعات المسلّحة المتطرّفة في المخيم فكان حاضراً في اجتماعات القيادة الفلسطينية العليا في لبنان، السياسية والأمنية في آن، واتخذت إجراءات لمواجهتها ووضعها تحت المراقبة الدقيقة. وعلى رغم أن هذه المجموعات تستطيع العبث في الوضع الأمني بين الحين والآخر، لكن ليس إلى حدّ تفجير المخيم من الداخل وتهجير أهله كما حصل في «اليرموك» و«نهر البارد» لأسباب عدّة، أهمها عدم قدرتها على ذلك فضلاً عن اتّحاد فصائل المخيم ضدّها. لكن مصادر أمنية لبنانية تحذّر من خطر تلك التنظيمات لأنها تُغّطى من تنظيمات إسلامية أكبر في الخارج، كما حصل في مخيم اليرموك حيث تصارع تنظيما «داعش» و«جبهة النصرة» التي أدخلت بالتنسيق مع حركة حماس وفي ما بعد «النصرة» أدخلت «داعش»، وتسأل لو كانت هذه المجموعات المتشددة في المخيم ضعيفة، فلماذا لم تستطيع فتح القضاء عليها؟ بينما تستبعد مصادر إسلامية لـ«البناء» ضلوع «مجموعة بلال بدر» أو «جند الشام» في العملية، وتؤكد أن لا وجود للمنظمتين في مخيم المية ومية ولا تستطيعان الخروج من مخيم عين الحلوة.
وتشير مصادر أمنية لـ«البناء» إلى أن لا علاقة للمكان بعملية التفجير بل الشخص هو المستهدف. ووزن المتفجرة المحدود يؤكد ذلك، ويرجح أن تكون العبوة المزروعة في سيارة زيدان قد فُجرت عن بعد عبر جهاز لاسلكي وأن مجموعة كانت تراقبه وكانت تنتظر مروره في المكان.
المتشدّدون محصّنون في المخيم
تؤكد مصادر مطّلعة من داخل المخيم لـ«البناء» المعلومات التي تحدّثت عن أن جهازاً أمنياً لبنانياً حذّر حركة فتح من عمليات أمنية تطاول كوادرها وقياداتها قبل عملية اغتيال زيدان. لكنها تلفت إلى أنه خلال الاجتماع الموسّع الذي ضمّ الفصائل الفلسطينية منذ حوالى أسبوع، لم يعلن أحد عن تهديدات تلقتها الحركة باغتيال قادة منها.
ويشير الخبير الاستراتيجي العميد محمد عباس لـ«البناء» إلى أنّ هذا الاغتيال ليس الأول، بل اغتيل عددٌ من المسؤولين من قبل التنظيمات الإسلامية المتطرّفة المتواجدة في المخيم منذ عام 1985 تحت مسمّيات عدّة، ونمت وكبرت برعاية تنظيمات متطرّفة أكبر منها. وعند الصدام بين حركة فتح وهذه المجموعات كـ«جند الشام» و«جبهة النصرة» التي تتلطى بتنظيمات أخرى بدأت بالعمل لإشعال الوضع الأمني في المخيمات لأهداف خارجية.
ويحذّر عباس من قوة هذه التنظيمات وانتشارها ولو كان عكس ذلك هو الصحيح لاستطاعت فتح القضاء عليها. لكن الأمر اليوم بات أكثر تعقيداً، لا سميا أن المخيم اليوم يشهد انقساماً داخل البيت الفتحاوي وصراعاً مع التنظيمات التي اتخذت أماكن ومواقع متعدّدة في المخيم محصنة وغير قابلة للاختراق. ويعتبر أن فتح غير قادرة على القضاء على كل التنظيمات لأنها تتغطى من تنظيمات إسلامية أكبر منها كما حصل في مخيم اليرموك، حيث تصارع تنظيما «داعش» و«جبهة النصرة» التي ادخلت بالتنسيق مع حماس وفي ما بعد «النصرة» أدخلت «داعش».
مشهدا «البارد» و«اليرموك»
واعتبر قائد الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي أبو عرب أن استهداف زيدان هدفه توتير الأوضاع وخلق مشاكل داخل المخيمات الفلسطينية لتهجير الشعب الفلسطيني وتغييب القضية الفلسطينية وحق العودة.
واستبعد أبو عرب في حديث إلى «البناء» أن يتكرّر مشهدا مخيم اليرموك ونهر البارد في مخيم عين الحلوة أو في مخيم المية ومية، مؤكداً أن كل الفصائل من منظمة التحرير إلى حركة فتح إلى القوى الإسلامية المعتدلة، لن تسمح بذلك. ويشير إلى أن هذا السؤال وغيره من الأسئلة كانت تطرح خلال اجتماعات القيادة الفلسطينية العليا. لكنه يوضح أنّ المجموعات المسلّحة المتطرّفة في المخيم تستطيع العبث في الوضع الأمني لكن ليس إلى حدّ تفجير المخيم من الداخل وتهجير أهله كما حصل في «اليرموك» و«نهر البارد» لأسباب عدّة، من بينها أن هذه المجموعات لا تملك القدرة على ذلك، فضلاً عن اتحاد فصائل المخيم لعدم حصول ذلك.
العلاقة بين المخيم والجوار
ويحذّر أبو عرب من خطورة الأوضاع الاقتصادي والاجتماعي والإنساني السيئة داخل المخيمات. وتحدّث عن 71 مهنة محدّدة في القانون اللبناني تمنع على الفلسطيني أن يمارسها، ما رفع نسبة البطالة إلى معدّلات كبيرة. ودعا الدولة والمؤسسات الدولية إلى العمل على تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية لأن ذلك يعدّ أحد أهم العوامل التي تحصّن المخيم من أن يتحوّل إلى بيئة حاضنة للإرهاب والتطرّف، فضلاً عن تشديد المراقبة الأمنية.
وكشف أن عدد المتطرّفين في المخيم ليس كثيراً ولا يستطيعون العبث بأمن المخيم وتدميره، بل أنّ أقصى ما يمكنهم فعله افتعال بعض التوترات والإشكالات الأمنية، لكن ليس إلى حد تكرار مشهدَي «نهر البارد» و«اليرموك».
ويطمئن أبو عرب للعلاقة بين المخيمات الفلسطينية والجوار، ويعتبر أن البيئة المحيطة بالمخيم تحافظ على أمن المخيم واستقراره. كما أن المخيمات تحافظ على أمن المحيط واستقراره، ولن تكون شوكة في خاصرة الشعب والدولة في لبنان.
دور «الموساد»
أما نائب المسؤول السياسي لحركة حماس في لبنان الدكتور أحمد عبد الهادي، فيعرب عن استنكار الحركة جريمةَ اغتيال زيدان النكراء، وبالتالي رفضها مثل هذه الأعمال الإجرامية، لا سيما أنها استهدفت شخصاً كفتحي زيدان، وهو من الكوادر الوطنيين الذي يدافع عن الشعب الفلسطيني.
ويشدّد عبد الهادي في حديث إلى «البناء» على أنّ العملية تستهدف دور زيدان الوطني. ويحذّر من الدور «الإسرائيلي» في لبنان والمخيمات، ويضيف: في ظل ظروف الساحة اللبنانية وإضراب المنطقة، ليس مستبعداً أن يكون «الموساد» هو الجهة المنفذة لعملية اغتيال زيدان، لا سيما أنه صاحب سوابق وذلك بهدف زرع بذور الفتنة والشك والريبة بين الفلسطينيين أنفسهم، وبينهم وبين الشعب اللبناني.
المتشدّدون تحت المجهر
وينفي عبد الهادي وهو عضو اللجنة الأمنية العليا في المخيم، توفّر أيّ دليل حتى الساعة حول ضلوع التنظيمات المتشدّدة داخل المخيم في العملية. ويؤكد أنّ خطر هذه المجموعات وتناميها كانا ولا يزالان محل بحث دائم في اللجنة الأمنية العليا والقيادة السياسية الفلسطينية ومع الأجهزة الأمنية اللبنانية، لا سيما استخبارات الجيش وبعض الأحزاب اللبنانية التي تربطنا بها علاقة جيدة وتنسيق وتعاون دائمة.
ويجزم المسؤول في حماس، أن لا وجود لإرهاب بمعنى إرهاب منظّم في «عين الحلوة» ولا في «المية ومية» ولا في جوار المخيم، ويقول: هناك بعض الأشخاص يحملون هذا الفكر المتطرّف لكنهم تحت المجهر والعين الأمنية، ويتم التعامل معهم بحكمة ومتابعة دقيقة، كما أن الفصائل كلها لا تسمح بأن يستهدفوا أمن المخيم أو أمن الجوار، وما يدلّ على ذلك أنّ التطوّرات على الساحة السورية وفي المنطقة لم تنعكس على الساحة اللبنانية.
ويشدّد عبد الهادي على الموقف الموحّد لجميع الفصائل في وجه أيّ مخطّط لضرب الأمن في المخيمات ولتصفية القضية الفلسطينة ولتهديد علاقة المخيم مع الجوار والوحدة الوطنية، ويؤكد على التواصل مع حركة فتح بشكل دائم.
مكان تفخيخ السيارة
وتقول مصادر إسلامية مطّلعة في «عين الحلوة» لـ«البناء»، إنّ حادثة اغتيال زيدان منفصلة عن الوضع الأمني في مخيم عين الحلوة، لأن القوى الموجودة في مخيم المية المية مختلفة عن القوى الموجودة في «عين الحلوة».
وتؤكد المصادر أن لا علاقة لمخيم عين الحلوة بالتفجير، بل الوضع كان هادئاً ومستقراً في المخيم منذ وقوع الحادث حتى اليوم.
وتنفي المصادر أيّ علاقة للإسلاميين المتشدّدين في المخيم بالحادث، وتشير إلى أن كلّ جهة لها بصمات معيّنة في كل حادث أمني يقع. فـ«مجموعة بلال بدر» يختلف أسلوبها في القتل عن أسلوب «الموساد»، فهي تقوم بعملها بشكل علنيّ لا بأسلوب أمنيّ محترف. كما أن منظّمتَي «بدر» و«جند الشام» لا وجود لهما في مخيم المية ومية، ولا تستطيعان الدخول إليه ولا الخروج من «عين الحلوة».
واتهمت المصادر العدو الصهيوني بتنفيذ الاغتيال، وهو الذي لديه سوابق منها اغتيال اغتيال المسؤول السابق في حزب الله غالب عوالي، واللواء في فتح كمال مدحت، وغيرهما، وذلك لتأجيج الفتنة في المخيم ومع الجوار.
لا إرهابيين في المخيّم
وتضع المصادر المعلومات عن تنامي قوّة التنظيمات المتشدّدة وقدرتها في المخيم في إطار التضخيم الإعلامي، وتقول: لا وجود للمتشدّدين في «عين الحلوة»، إنما هناك حالات فردية لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد. ومعظم الموجودين في السابق غادروا المخيم إلى سورية، والآن لا يشكلون خطراً على أمن المخيمات.