السعودية تستعجل سيناريوات متكاملة للضغط على حزب الله

روزانا رمّال

مع تقدّم حظوظ العملية السياسية في الشرق الأوسط بما يخصّ ملفّي اليمن أولاً وسورية ثانياً تزامناً مع ما كانت قد أرخته أجواء نجاح توقيع الاتفاق الغربي مع إيران وما عزز من آمال في إمكانية نجاح المساعي السياسي للتوصل إلى أرضية من شأنها إيضاح المرحلة الجديدة وتزخيم فرص السلام فيها، يلفت توالي الخطوات السعودية وتكثيف الحملة على حزب الله بشكل أصبح شبه يومي يعكس استعجال السعودية لتنفيذ المهمة ما يؤكد على انها محكومة لفترة زمنية محددة ومحاصرة ضمن مهلة مفترض ان تستفيد منها قدر الممكن في هذا الملف.

يتضح اليوم أن أكبر معارك السعودية بات حزب الله وكيفية الحصول على انجاز بوجهه ربما لا يعكس ذلك قدرة السعودية المطلقة وهيمنتها على الأحداث والسيطرة عليها إنما يعكس بشكل مباشر ضعفها أمام تحقيق انجازات بوجه دول أو حكومات، فحزب الله أولاً وأخيراً هو تنظيم بغض النظر عن تصنيفه السعودي العربي المستجد. يلفت تركيز المملكة على وضع جام قدراتها ونفوذها في هذا الملف وتحجيم قدرتها على التأثير السياسي وكأن احد المخارج المرسومة في أي تسوية مقبلة تتمثل في انتزاع نقطة بوجه حزب الله لحفظ ماء الوجه نظرا لما في ذلك من قيمة معنوية يمكن للسعودية اعتبارها ورقة نافذة بوجه إيران أولاً وأخيراً.

تتجاهل السعودية تقدمها نحو الحل السياسي في اليمن وقبولها بمشاركة الحوثيين الحكم في اليمن مع المعارضين الموالين لها وهو الذي يعتبر بشكل أدق «عجزاً» عن حسم الأمور في الحرب هناك لمصلحتها وتتمسك بكلّ ما يحمل هالة معنوية تستخدمها لحرف الأنظار وبث الغبار بوجه اللاعبين في الشرق الأوسط والمتفرجين على تحجيم نفوذ السعودية فأتت زيارة الملك سلمان إلى مصر والهدايا والمكاسب المعنوية التي تحمل الكثير من «الإبهار» وتأتي أيضاً معها حملات إعلامية مكثفة ضد حزب الله وكل مصالحه وارتباطاته في مسلسل يومي بات كلّ لبناني وعربي على موعد مع جديد في إطاره عند كل طلعة شمس.

بدأت الحملة الإعلامية المناهضة لحزب الله عبر وسائل إعلام سعودية أمعنت وتمادت في نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة لأمينه العام السيد حسن نصرالله إضافة إلى الإيحاء بأجواء متوترة مقبلة على لبنان، فأغلقت مكتب قناة العربية فيه وأكملت مساعي إنزال قناة «المنار» عن قمر نايل سات المصري ونجحت في توجيه إنذار لباقي القنوات اللبنانية التي تدعم أو تنقل خطابات نصرالله مباشرة على الهواء، وكان لافتاً هنا اعتبار تلفزيون لبنان الرسمي من ضمن المجموعة التي تم ضمها للقنوات التي لم تدفع مستحقات للمعنيين حسب ما جاء الإعلان الأول عن الخطوة المصرية بصورته المبهمة قبل أن تتوضّح الصورة وهي استهداف الحزب. وهنا يفيد أن تلفزيون لبنان لا ينقل خطاب السيد نصرالله سوى ما ندر من المرات، وكان فيها نقل خطاب لنصرالله وجه فيه انتقاداً لاذعاً بل هجوماً على آل سعود قدّم على أثره اعتراض من قبل السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري وجّهه رسمياً إلى الحكومة، بالتالي إنّ الضغط على حزب الله وداعميه إعلامياً بات مفروغاً منه. تستكمل السعودية بهذا الإطار الضغط الذي بدأته الحملة الأميركية «الإسرائيلية» على حزب الله في آخر لقاء جمع بين نتنياهو وباراك أوباما والذي صدر عنه بيان ثنائي يشدد على أهمية تعزيز القدرات على مواجهة داعش وحزب الله وهي القمة المفصلية بهذا الإطار التي ساوت بين التنظيمين.

ضغوط كبيرة يتعرّض لها مناصرو حزب الله في الخليج وإجراءات مصرفية أميركية تتخذ بحق أفراد متهمين بالولاء لحزب الله بالرأي أو الموقف أو شبهة الطائفة في الخارج. واليوم يخرج من مصر وعبر صحيفة «روز اليوسف» ما كان متوقعاً من استغلال لمنبر المحكمة الدولية لاستهداف حزب الله بشخص أمينه العام بأكبر القضايا وأكثرها حساسية عند اللبنانيين وهي اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري فتتحدث الصحيفة عن إشارات من العاصمة اللبنانية بيروت، تؤكد أن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري، قد انتهت قبل أيام، من صيغة قرار بضمّ كل من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وبعض رموز النظام السوري الحاكم إلى لائحة المتهمين باغتيال الحريري، في تطوّر خطير، للقضية، وسط توقعات بمزيد من التوتر في كل من لبنان وسورية، في الوقت الذي اعتبرت مصادر سعودية، صدور القرار، يعجل سريعاً بتغيير الوضع القائم في سورية.

تضيف السعودية اليوم أكثر الملفات جدلاً في الأوساط اللبنانية على ما يمكن أن يُسهم بتزخيم المشهد وتعزيز فرص التحريض في البلاد، وما يمكن أن يشكل من فتن متنقلة أو اشتباكات تسعى إليها السعودية بشكل غير مباشر لعجزها عن خوض معركة خاسرة سلفاً بوجه حزب الله، لكن بدون توفير جهد يمكن التوصل إليه فيها وسط تحذير من نصرالله لقاعدته الشعبية لعدم النزول عند أي استفزاز تريده المملكة بأي ثمن.

الثمن نفسه يمكن لحزب الله أن يدفعه بما من شأنه أن يعتبر أحد أبرز أوجه الانتصارات الوهمية المقدمة للسعودية مقابل دخولها المفاوضات الجدية لحل الأزمة السورية. وهنا فإن تتالي سيناريوهات الضغط على الحزب وما يوحي باستعجال سعودي يعكسه التصويب المكثف على الحزب يفتح سؤالاً حول وجود حزب الله في سورية، وإمكانية أن يكون إحدى الفرضيات المقبلة انسحابه من سورية بإعلان إتمام المهمة كما أعلنت روسيا للانصراف إلى العملية السياسية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى