دعائم الجولة الثالثة من مباحثات «جنيف 3»
سعدالله الخليل
أربع دول أظهرت دعمها للعملية السياسية في سورية. خلاصة أعلنها المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا كنتيجة لجولته في المنطقة قبل افتتاح الجولة الثالثة من مباحثات جنيف بنسختها الثالثة، والتي بدأت بلقاء وفد الرياض المعارِض، في حين انضمّ وفد الجمهورية العربية السورية أمس إلى المباحثات.
وبالرغم من أنّ كلام المبعوث الأممي لم يقدّم أيّ جديد كونه تحصيلَ حاصلٍ لمسار الأزمة السورية، فإيران وروسيا والدولة السورية وعُمان من الدول التي لم تنادِ يوماً سوى بالحلّ السياسي للأزمة السورية، فما الجديد الذي يحمله المبعوث الأممي والذي يخدم المفاوضات؟
يدرك دي ميستورا أنّ الوفد السوري سيحمل في المفاوضات جملة أوراق لا بدّ من أخذها بعين الاعتبار في مسار المفاوضات في جنيف، ولعلّ أبرزها الانتخابات التشريعية وإجابات دمشق عن ورقة دي ميستورا التي قدّمها إلى الوفود، وما تضمّنته من نقاط، بالإضافة طبعاً إلى التطورات الميدانية بين الجولتين من المباحثات وما فرضته من وقائع على الأرض بانتظار استثمارها في المفاوضات.
بالرغم مما أثير وما يُثار وسيُثار عن الانتخابات من انتقادات وتساؤلات حول العديد من القضايا الإشكالية في الشكل والمضمون، وبالرغم من المواقف المسبقة غير المشجعة بل والرافضة لإجرائها من الخصوم وتمنيات بعض الأصدقاء بالتأجيل والتساؤلات المشروعة عن العديد من جوانبها، فإنّ الخطوة التي أصرّت على إتمامها دمشق بموعدها الدستوري حملت أكثر من دلالة سياسية تمثلت بالمشاركة الواسعة التي منحت الدولة السورية المزيد من الشرعية وثبتت حضورها في الشارع السوري بغضّ النظر عن الأسماء التي ستفرزها والقوى السياسية أو الأحزاب التي يمثلونها، فهذه آخر اهتمامات المبعوث الأممي أو القوى الدولية والإقليمية المعنية بالشأن السوري، والتي تنظر إليها كتفاصيل جانبية.
وحده الإجماع السوري حول الخطوة الدستورية سيشكل الرافعة الحقيقية والقيمة المضافة للانتخابات لما حملته من شعارات الوقوف إلى جانب خيارات الدولة أو مناصرة الجيش في معركته ضدّ الإرهاب، بل حملت العديد من الأوراق الانتخابية المتمثلة بأسماء الشهداء وعبارات الدعم للدولة والجيش، وهو ما يعني أنّ تلك القوى فشلت بتعويلها على ضرب العلاقة العضوية بين المواطن السوري ودولته ومؤسساته التي طغت على جراحاته ومعاناته الاقتصادية والأمنية والسياسية.
بموازاة الزخم الذي ستمنحه الانتخابات البرلمانية لمفاوضات جنيف وما سيترتب عليه من مناصرة للموقف الحكومي، فإنّ الواقع الميداني سيكون له بالغ الأثر في تطورات المفاوضات بعد أن كسر الجيش العربي السوري تماسك تنظيم «داعش» على جبهة البادية السورية، وما تمثله من أهمية استعادتُهُ السيطرة على مدينة تدمر وبلدة القريتين أهمّ معاقل التنظيم الإرهابي في البادية السورية. ولعلّ القيمة المضافة في استعادة مدينة تدمر والإجماع الدولي على أهمية الخطوة، بغضّ النظر عن المواقف السياسية أو الرغبات والمشاريع والنوايا التي تقف وراء مطلقيها، أنه خلال السنوات الخمس من عمر الأزمة السورية لم يسبق أن أجمعت كلّ الأطراف الدولية والإقليمية ولو عن طريق المجاملة أو رفع العتب على الاعتراف بأيّ إنجاز يحرزه الجيش العربي السوري، وبالتالي فإنّ إنجازات الميدان ستكون حاضرة في فكر وعقلية المجتمعين في جنيف.
ولعلّ أولى إشاراته ما صدر عن وفد معارضة الرياض عن استعداده للمشاركة في هيئة انتقالية مع أعضاء من الحكومة السورية وهو ما يعدّ بداية تراجع في موقف معارضة الرياض، بالرغم من تمسكها بمطلب رحيل الرئيس بشار الأسد، وبالرغم من الإجماع بغياب أيّ بند في الوثائق الدولية ينصّ أو يلمّح لتنحّي الرئيس، وهو المطلب الذي سبق أن أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم ورئيس الوفد السوري إلى المباحثات الدكتور بشار الجعفري بأنه خط أحمر غير قابل للنقاش.
بالرغم من أنّ الفترة الفاصلة بين الجولتين الثانية والثالثة من مباحثات جنيف لم تبلغ الشهر، فإنّ التطورات التي شهدتها كفيلة بأن تغيّر في مجريات المفاوضات بما يفرض على الأطراف الرافضة السير في الحلّ السياسي وتقديم المزيد من التسهيلات للمضيّ قدماً في تذليل العقبات التفاوضية.