آل عباس… من أين لكم هذا؟

د. فايز رشيد

الثورة قضية تحرّرية أولاً وأخيراً، وشعبنا لا يزال يمرّ في خضمّ مرحلة تحرّره الوطني. من المفترض أن تُجيَّر كلّ الأموال لصالح النضال الفلسطيني وثورته. هذا ما طبّقته كلّ ثورات العالم في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، بدءاً من الجزائر وجنوب اليمن، مروراً بكوبا وانتهاء بفيتنام وغيرها. حتى بعد الاستقلال فإنّ قادة الثورة من الثوريين، يموتون وهم فقراء! خذوا الحساب البنكي للرئيس جمال عبد الناصر بعد وفاته، كان 1200 جنيه مصري فقط. ساحتنا الفلسطيينية على مدار الثورة، شهدت فئة طفيلية، اغتنت ونمت على هامش الثورة. رأت في الثورة مشروعاً مالياً ليس إلا! جزء من هذه الفئة، كأي رأسمالي، لا يهمّه سوى زيادة أرقام رصيده البنكي، ولو على حساب استيراد الإسمنت لمستوطنات الكيان الصهيوني في أرضنا! تظلّ السلطة مسألة عابرة في حياة شعبنا وستنتهي عاجلاً أم آجلاً من سفر النضال الفلسطيني. حقوق شعبنا لا تُختزل بحكم ذاتي هزيل، لا يمون رئيسه على الذهاب خارج إطار المقاطعة من دون إذن من سلطات الاحتلال! ثم لا تنسوا أنّ انطلاقة ثورتنا المعاصرة، بكلّ فصائلها، لم تكن معزولة عن كلّ ما سبقها من ثورات وانتفاضات وهبّات وإضرابات بدأت منذ عام 1919 وامتدت إلى اللحظة الراهنة.

تساءلت مجلة «فورين بوليسي» منذ سنوات عن ثروة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ونجليه، وكشفت المجلة التي اعتمدت في أرقامها على تقارير وكالة «رويترز» أنّ القادة الأميركيين تعهّدوا عقب الربيع العربي، بالنأي بأنفسهم عن الاعتماد على «الحُكّام المستبدين» الذين أثروا أنفسهم على حساب مواطنيهم، ولكن ثمة مشكلة طفت على السطح تتمثل في ظهور تفاصيل جديدة بشأن ثراء عائلة عباس «الذي يعتبر الشريك الأساسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط»!. وأشارت «فورين بوليسي» إلى أنّ ثروة عائلة عباس غدت مصدراً للجدل خلال التحقيق مع محمد رشيد، وهو المستشار الاقتصادي للراحل ياسر عرفات، في قضية فساد على مستوى عال. ووفقاً لمستشار فلسطيني سابق، فإنّ ثمة قدر كبير من الغيرة بين عباس ورشيد، لا سيما أنّ رشيد من أصول كردية عراقية، وقد اكتسب حظوة لدى عرفات، خلافاً لعباس الذي كان خارج الدائرة. وبملاحقة رشيد، تقول المجلة، يكون عباس قد لفت الأنظار إلى ثروة نجليه ياسر وطارق، التي أصبحت مصدر جدل هادئ في المجتمع الفلسطيني منذ عام 2009، عندما نشرت وكالة «رويترز» مقالات عدة تربط فيها أسماء نجليه بصفقات تجارية، بما فيها تلك التي تحظى بدعم دافعي الضرائب الأميركيين. فياسر يملك شركة «فولكن توباكو» التي تحتكر مبيعات السجائر الأميركية في الضفة الغربية، ويرأس مجموعة فولكن القابضة، وهي شركة هندسية وتسمى F E M C أُسِّست عام 2000 ولديها مكاتب في غزة والأردن وقطر والإمارات والضفة الغربية. وقالت المجلة، بالإضافة لما قلناه ، وبحسب صحيفة «تورونتو ستار»، وهي شركة متعدّدة الأجنحة تملك شركات أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها في مقالة صحافية ، أنّ نجاح هذا القطاع جاء بمساعدة من العم سام الولايات المتحدة الأميركية ، لا سيما أنّ الشركة، وفق رويترز، تلقت 1.89 مليون دولار من الوكالة الأميركية للتنمية عام 2005 لإنشاء نظام صرف صحي في مدينة الخليل بالضفة الغربية.

وكانت مجلة إماراتية أفادت أيضاً عام 2009 بأنّ شركات ياسر حققت عائدات بلغت 35 مليون دولار سنوياً. ويشغل ياسر منصب المدير الإداري لشركة «فيرست أوبشن كونستركشن مانيجمنت» التي تقوم بتنفيذ مشاريع أعمال محلية مثل الطرق وإنشاء المدارس باسم السلطة الفلسطينية، وتستفيد الشركة من المعونات الحكومية الأميركية. وقد حصلت الشركة على مكافآت من الوكالة الأميركية للتنمية بنحو ثلاثمائة ألف دولار في الفترة ما بين 2005 و2008، وفق رويترز. وتقول المجلة إنّ ياسر مخوّل بالعمل في مناطق السلطة الفلسطينية، لكنّ السؤال المطروح: هل يشكل نسبَه أهم ورقة اعتماد لديه؟ أما شقيقه طارق فيملك شركة «سكاي أدفيرتايزينغ» التي حققت عام 2010 مبيعات بقيمة 5.7 مليون دولار، وهي شركة عملت أيضاً مع الحكومة الأميركية، حيث تلقت عام 2013، وفق رويترز، مساعدات تقدر بمليون دولار لدعم الرأي العام الأميركي في الأراضي الفلسطينية. وطبقاً لمقالة كتبها رشيد، فإنّ مقدّرات عائلة عباس في غزة والأردن وقطر ورام الله وتونس والإمارات تصل إلى أربعين مليون دولار. وقالت الوكالة أيضاً، إنّ الرأي العام العربي مستمرٌ في المطالبة بمحاسبة القادة.

من زاوية ثانية، اتّهم محمد دحلان، النائب العام الفلسطيني بأنه «يعمل عند أبناء عباس»، كما طالب رفيق النتشة بفتح ملفات صندوق الاستثمار الفلسطيني الذي تصل قيمته إلى أكثر من مليار دولار، كاشفاً أنه يمتلك وثائق تؤكد توظيف جميع أقارب عباس برواتب خيالية، وأنّ عباس يمتلك أربع طائرات.

وتابع: «أبناء عباس هم من يديرون الأعمال وهو لم يتعلم من مبارك الذي أطاح به فساد أبنائه، وبالمناسبة فساد أبناء عباس أكبر من فساد أبناء مبارك «. وتساءل دحلان عن المليار و160 مليون دولار، مؤكداً أنه لا توجد في المحاكم الفلسطينية تهمة واحدة ضده، ووصف عباس بأنه «بلا ضمير وبلا قيم وبلا أخلاق». وواصل دحلان هجومه قائلاً: «لو فتحت صندوق الاستثمار لطال عباس العار مدى حياته، وكلّ أقاربه توظّفوا، حيث عيّن ابن أخيه في سفارة الصين بـراتب قدره 20000 دولار، وكّل من يقبض له راتبه. وخاطب دحلان عباس قائلاً: «ولادك لصوص، وأنت سلبت أموال الشعب الفلسطيني»، مشيراً إلى أنّ اتهامات عباس له «ما هي إلا إسقاط نفسي، لأنه يشعر في قرارة نفسه بما وجهه لي من اتهامات حاقدة».

وفي العام 2009 أنشأت شركة اللؤلؤة للإنماء في بيروت وحملت رقم 1009809، وكان الغرض من إنشاء الشركة هو حصر أملاك منظمة التحرير وأملاك حركة فتح في لبنان، وتمّ نقل ملكيتها لجهات مقربة من عباس وشركات، على علاقة تجارية بأبنائه. وتمكّن عباس، وبمساعدة عدد من المقربين جداً، من تسجيل عدد كبير من هذه العقارات باسم الشركة التي أسّسها أثنان من رجال الأعمال من عائلة خوري المعروفين بقربهم وعلاقتهم بأبناء الرئيس عباس، بينما يرأس مجلس إدارتها المدعو يوسف عفيف كنعان اللبناني الجنسية، ووكيل الشركة المحامي نسيب شديد. عملية تسجيل أراضي منظمة التحرير باسم هذه الشركة المشبوهة، أشبه بعملية غسيل أموال، إضافة إلى أنها عملية سرقة واضحة لأموال الشعب الفلسطيني ومن ثمّ تحويلها إلى حسابات أبناء الرئيس.

ونشرت وكالة رويترز أيضاً، سلسلة مقالات تكشف الرابط والعلاقة بين أولاد عباس وعدة صفقات مالية وتجارية، بما في ذلك مشاريع مدعومة من حكومة الولايات المتحدة الأميركية. ياسر عباس الابن الأكبر، تخرج كمهندس مدني من جامعة ولاية واشنطن في عام 83، وذلك بعد أن أمضى قبل ذلك عدة سنوات في إحدى جامعات كندا، التي لم يتمكن من الحصول منها على شهادة الهندسة، وهو يحمل جواز سفر فلسطيني وآخر كندي، وحسب سيرته الذاتية التي نشرها تحت اسم «ياسر محمود»، فإنه عمل في عدة شركات خليجية للبناء والإعمار، من الثمانينات إلى التسعينات، قبل أن يعود إلى رام الله في عام 97، ليبدأ بتأسيس شركته الخاص. ياسر محمود عباس مُسجّل في قاموس رجال الأعمال ورجال المال في كمبيوتر المعلومات المالية ومركزه نيويورك CREDIT RISKMONITOR كرئيس مجلس إدارة «شركة المشرق المساهمة للتأمين»، التي تملك 11 مكتباً في الأراضي الفلسطينية، ويبلغ رأسمال هذه الشركة في السوق المالية الفلسطينية 3، 23 مليون دولار. ياسر محمود عباس هو المدير العام لشركة «إدارة مشاريع الإعمار» وتحمل اسم «الخيار الأول»، وتقوم هذه الشركة، بحسب ما نشرت على موقعها الإلكتروني، بعشرات المشاريع التابعة لوزارات السلطة، خاصة وزارة الأشغال العامة. أما طارق عباس فهو صاحب شركة الإعلانات الأكبر في الأراضي الفلسطينية المسمّاة سكاي التي لا تجد صعوبة في زيادة عدد زبائنها»، فكلّ منتج عالمي يدخل السوق الفلسطيني لا بدّ أن يمرّ بهذه الشركة الإعلانية، التي وصلت أرباحها عام 2014 إلى10.7 مليون دولار.

في الوقت الذي تتضور فيه نسبة كبيرة من الفلسطينيين جوعاً، نجد أن «آل عباس» على شكل «آل كابوني»! يتنعّمون بمليارات الدولارات من أموال الشعب الفلسطيني، التي جرى نهبها وتشغيلها في شركات بالداخل والخارج. وبالرغم من عدم وجود مصادر دخل وطنية حقيقية لسلطة رام الله، واقتصار ذلك على المساعدات الدولية وعوائد الضرائب، فإنّ نجلي عباس ياسر وطارق يديران أنشطة تجارية بمئات ملايين الدولارات. فياسر، المولود عام 1962 في دولة قطر، يمتلك شركات استثمارية وتجارية عدة، بعضها له عقود احتكارية مع سلطة أبيه، وتقدر أوساط اقتصادية رأس مالها بمئات ملايين دولارات، من دون أن يدري أحد كيف استطاع أن يحقق كلّ هذه الثروة الكبيرة. كما ذكرت مصادرعديدة أنّ طارق عباس وقّع عقد شراء فندق «فورسيزونز» برفقة رئيس مجلس إدارة الفندق، وفي حضور رجل الأعمال الفلسطيني المعروف منيب المصري ومجموعة من رجال الأعمال الفلسطينين والأردنيين، الذين شاركوا بدعوة خاصة من مدير فندق «فورسيزونز». وتُعتبر هذه الصفقة هي الثانية من بين مبيعات المجموعة العقارية الأردنية داخل الأردن، حيث دفع طارق عباس مبلغ 28 مليون دينار أردني نقداً إلى المجموعة العقارية المشرفة على الفندق المذكور. كذلك اشترى رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس، منزلاً ثانياً جديداً له في ضاحية عبدون الراقية غرب العاصمة عمان وفقاً لصحيفة «العرب اليوم» الأردني. من جانب آخر، قال مراسل صحيفة «مكور ريشون الإسرائيلية» آساف غيبور، إنّ الإضراب الذي خاضه المعلمون الفلسطينيون لخمسة أسابيع في الضفة الغربية، تزامن مع غضب هؤلاء من «الغنى الفاحش» الذي يعيشه المسؤولون الكبار في السلطة الفلسطينية، وأبناء رئيس السلطة محمود عباس، الذين يملكون شركات للسجائر والجوالات. وأضاف غيبور أنّ كثيرين يشكل لهم الصراع «الإسرائيلي» ـ الفلسطيني مصدراً للثراء والغنى، زاعماً أنه قد تمّ اتهام عائلة عباس بالحصول على مبلغ مئة مليون دولار من الصندوق القومي الفلسطيني، بينما عثرت وكالة «رويترز» على دلائل تفيد بأنّ مساعدات مالية من وكالة التنمية الأميركية الدولية USAID بملايين الدولارات وجدت طريقها بالصدفة ! إلى يد ياسر ابن الرئيس، وفق قول مراسل الصحيفة «الإسرائيلية». أفهمتم أحبائي القرّاء؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى