سورية انتخبت… سورية انتصرت!
تعوّدنا أن تتزاحم المراهنات وتصير التكهنات تحدّيات تفتح أبواب الاقتتال والاصطدام عند طرح أيّ قضية تمثّلنا أو تمسّ كياننا ومبادئنا. تعوّدنا أن يتسابق أصحاب القلوب السوداء الشاحبة، وأن نسمع ضجيج حجارتهم وهم يرمونها من حناجرهم الباردة لكسر بقعة الضوء الدافئة الممتدة على شرفات الأمل، وأن ينثروا بقاياها على الزوايا المقتولة الميتة لبهرجتها وتزيينها.
ولكن أبناء سورية فرسان أباة لا يترجّلون عن صهوة جوادهم في المعارك لو صاروا وسط صحراء قفراء لا طير فيها ولا ماء. ذلك الشعب الذي فتّت صخور الألم، ومع كلّ صرخة وجع تعلو صرخة أكبر بحبّ الوطن، والضحكات تصدح خرساء ترنو الأرواح إليها خجولة صماء.شفافة تلك الأرواح ناصعة طاهرة منزهة عن الكدر وضروب الغدر والخذلان.
هنيئاً لشعب جعل من الحبر سلاحاً ومن الورق ساحة ميدان. هنيئاً لشعب تجاهل جميع الاعتبارات، وكافح الإرهاب بالانتخاب، وجعل من صوته رصاصاً يدوي في أذان الأعداء. هنيئاً لشعب حافظ على هويته الوطنية، وقال نحن هنا أحرار رغم كل الحصار. نمثل أرض الوطن بصوتنا، كما مثّلناه بصبرنا وصمودنا، وإن كانت المجالس عمياء عن حالنا، لا تحرك ساكناً من أجل أن ننهض من مأساة الفساد. فتمثيل الوطن أقوى من تمثيل الأشخاص للأشخاص، رسالة مكتوبة بدموع الألم والقهر والحرمان.
رسالة لا ننتظر جواباً، فإن لم تنضج أصواتنا وتثمر بدروب الخلاص، يكفينا فخراً قدسيتها لتمجيدها، محطة تاريخية أهانت الأعداء. فحبّ الوطن لا وزن ولا مقياس له، لا يضمحل مهما تكاثرت العقد وتشابكت خيوط السلبيات.
تضيع الألفاظ وتضيق العبارات، وتسقط الرهانات وتتبعثر الأوهام، تطأطئ المؤامرات خيباتها أمام عظمة هذا الشعب الأبيّ، ومن قدم الدماء والأرواح لم يبخل ببصمة وصوت يترجمان نصراً قادماً لا محال.
وأخيراً، نتمنّى من الذين وصلوا، ونجحوا في الانتخابات ومن كل مسؤول: المحاسبة، بدءاً من الذات. ومجاهدة الأهواء والرغبات والانقياد الأعمى وراء المصالح الشخصية، والتقرب من المواطن وملامسة أوجاعه. فملازمة الناس، وعدم الالتصاق بالكرسي، مشروع لا بدّ منه لإنجاز أي مشروع آخر بنجاح، فإنّ مجرد إطلاق الوعود دمار وخراب.
وإبداء الأولوية في أيّ أمر لذوي الشهداء تقديراً لأرواحهم الطاهرة، ولجرحانا الأوفياء الذين تقطّعت أوصالهم كرمى لأن لا تتقطع أوصال وطن، وجنود جيشنا الأبطال الذين تنحني لهم الهامات وتخشع القلوب لقدسية ما يقدّمونه من أجل أن تحيا سورية حرّة أبية.
وطننا يستحق منّا الكثير ويليق بسورية ثوب العروس. الوطن يستحق، وكلّ واجب علينا اتجاهه حق واستحقاق، وواجب على كل مسؤول أن يولي اهتمامه بالدرجة الأولى لكل ما يستحقه شعب سورية. فبعد كلّ هذه المعاناة يليق به أن يعيش حياة الملوك، ومن قهر العالم كله وأفشل مخططات العدو لن يعجز عن محاسبة الفاسد والظالم، المتواطئ مع ذلك العدو.
سورية انتخبت… سورية انتصرت. شكراً شعب سورية الأبيّ، ننحني لعظمة تضحياتكم!
سناء أسعد