العراق يخرج عن السياق ويخلط الأوراق… وسورية تستعدّ لجولتَيْ حلب وجنيف سلام صافح سلمان بلا لقاء… ومطالبات بقطع علاقة لبنان بالمحكمة إذا اتَّهمت!

كتب المحرّر السياسي

مع خروج الدخان الأبيض من اجتماع وزراء الخارجية للدول الإسلامية بمسودة البيان الختامي الذي حظي بموافقة الملوك والرؤساء، تمهيداً لإعلانه اليوم مع نهاية أعمال القمة التي راهنت عليها السعودية لتكون ذروة التصعيد ضد إيران والحرب على حزب الله، تمهيداً لتفاوض من موقع القوة، بعد إطفاء بؤرة الاستنزاف التي راهنت عليها في اليمن، وسلوك طريق التسوية فيه، والإمساك بأوراق تعطيل المسار السياسي في سورية عبر حقن وفد المعارضة بمنشطات العرقلة والتأجيل، وتعطيل المسار الرئاسي في لبنان بإمساك تيار المستقبل والحكومة من نقطة الوجع المالي لفرض رهن الاستحقاق الرئاسي بالتوقيت السعودي. وقد جاءت المسودة النهائية للبيان الختامي للقمة معاكسة للرغبات التي حملتها السعودية ووردت في المسودة الأولى، حيث خلا البيان من عبارات التصعيد ضد إيران بتهمة دعم الإرهاب وتصعيد التوترات الطائفية والمذهبية في المنطقة، وكذلك من الفقرة المخصصة لاتهام حزب الله بالإرهاب.

المسودة النهائية دعت إيران والدول الإسلامية المجاورة، كما كل البيانات التقليدية للقمم السابقة، لحل الخلافات بالحوار والحفاظ على علاقات الأخوة وحسن الجوار، وفقاً لمبدأ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بعدما شكلت تركيا وباكستان ثنائياً لوساطة بين إيران والسعودية، خلافاً لتوقعات السعودية بضمّهما إلى خط المواجهة الأمامي مع إيران، حيث لعبت المصالح الأمنية الحدودية والمصالح الاقتصادية الإستراتيجية للبلدين دوراً في تكرار مشروع الوساطة للمرة الثانية في الخلاف السعودي الإيراني، بعد أزمة الحجاج الإيرانيين والبعثات الدبلوماسية السعودية في إيران.

استثمرت السعودية مالاً وفيراً لضمان حضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورعاية المصالحة بينه وبين الرئيس التركي رجب أردوغان، وفشل المسعى بمقاطعة الرئيس المصري أعمال القمة أمام موجة غضب شعبية ضد المصالحة، ومزاج سلبي يقابل التعاون مع السعودية، وأزمة ثقة فجّرتها عملية التنازل المصرية عن جزيرتي تيران وصنافير، وما يرتبط بالجسر البري عبرهما من تعاون إسرائيلي سعودي بتحويل حيفا إلى بوابة متوسطية بين الخليج وأوروبا على حساب قناة السويس.

كما استثمرت السعودية مالاً وفيراً مشابهاً لدعم الخزائن الخاوية، لكل من أنقرة وإسلام آباد، لكن المصالح العليا لدولتين مؤسستين لا يملكها الرؤساء، فمواجهة المخاطر الأمنية عبر الحدود تستدعي تعاوناً مع إيران لكلتيهما، والتطلع لأدوار استراتيجية اقتصادية يتطلب من تركيا الرهان على دور جسر الوصل بين أوروبا وإيران ويتطلب من باكستان الحفاظ على أفضل العلاقات بإيران التي تمرر أنابيب النفط والغاز عبر الأراضي الباكستانية إلى الهند والصين.

الفشل السعودي في اسطنبول وتقدّم مساعي التسويات والحرب على الإرهاب، يتوقف في كل من دمشق عند انتظار استحقاقَي معركة حلب ومحادثات جنيف، كما يتوقف في العراق عند محطات الخروج عن السياق التي أوحت أن الأوراق الممسوكة في صراعات المنطقة، بما حملته تطوّرات مجلس النواب من خلط للأوراق التي أشاعت قلقاً من تسرّب الفوضى

وإصابة مساعي الحرب على الإرهاب بالوهن، بينما حملت بشائر معاكسة بما أظهرته من انقسام لا يسير على خطوط طائفية بتبلور معسكرين متقابلين متلوّنين طائفياً، وظهور خلفية عراقية صرفة للحراك الذي انطلق في مجلس النواب.

لبنانياً، توزّع الاهتمام بين فشل مساعي لقاء رئيس الحكومة تمام سلام مع الملك سلمان واقتصر الأمر على مصافحة وقوفاً في رواق على هامش القمة، وبين التسريبات المتصلة بتوجيه المحكمة الدولية الاتهام إلى الأمين العام لحزب الله وسط مطالبات بقطع لبنان علاقته بالمحكمة إذا حدث ذلك.

بين سلمان وسلام مصافحة…

لم يستطع رئيس الحكومة تمام سلام انتزاع أكثر من مصافحة ولقاء جانبي سريع مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في نهاية الجلسة الافتتاحية لأعمال قمة منظمة التعاون الإسلامي التي انعقدت أمس في اسطنبول، حيث اقتصر الحديث على المصافحة والمجاملات، قبل أن يغادر الملك السعودي عائداً إلى الرياض بعد إلقاء كلمته في القمة.

لقاء سلمان – سلام في الشكل والمضمون مؤشر جديد على استمرار تردي العلاقة الخليجية مع لبنان لا سيما السعودية، وإلى عدم وصول مساعي رئيس الحكومة والوسطاء إلى نتيجة في ترميمها، رغم كل ما قدمته الحكومة وحلفاء المملكة في الداخل من تنازلات. وقالت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ«البناء» إن «تصرف الملك سلمان مع رئيس حكومة لبنان في القمة ليس لائقاً بحقه ولا بحق الحكومة ولا بحق لبنان في الوقت الذي يقضي فيه سلمان 5 أيام في مصر ولا يعطي لبنان بشخص رئيس حكومته بضع دقائق». مشيرة إلى أن «هذا التصرف السعودي يأتي استكمالاً لما نشرته صحيفة الشرق الأوسط بأن لبنان كذبة»، كاشفة أن «الوسطاء الذين عملوا على ترتيب لقاء سلام مع سلمان طلبوا فقط مصافحة بين الملك. وهذا يدلّ على العلاقة الفوقية التي يمارسها الخليجيون تجاه لبنان وقبول لبنان بهذه العلاقة». ولفتت إلى أن «تصرف الملك السعودي مع الرئيس سلام قطع الطريق على زيارة رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى السعودية».

.. ومصادر: لا تعليق ولكن!

ورفضت مصادر وزارية مقرّبة من رئيس الحكومة التعليق على لقاء سلام سلمان لعدم اطلاعها على ما دار من حديث بينهما، لكنها رفضت وصفه بالجاف أو غير المنتج على صعيد ترميم العلاقة بين الخليج ولبنان. وأشارت المصادر إلى لقاءات سلام مع رؤساء دول خليجية أخرى لا سيما مع أمير قطر وأمير الكويت التي تصب في خانة ترطيب الأجواء الخليجية – اللبنانية، ولفتت إلى مواقف سفراء دول الخليج الإيجابية تجاه لبنان خلال زيارتهم بكركي أمس.

وعما ورد في بيان السفراء في بكركي بأنه «طالما هناك هجوم من حزب الله وغيره على دول الخليج فالخلاف قائم»، أجابت المصادر: «لدول الخليج الحرية في علاقتها مع حزب الله، والتصعيد ضده، لكن ليس ضد لبنان».

المواجهة مع حزب الله مستمرة

وقالت مصادر دبلوماسية لـ«البناء» إن «الملك السعودي في الفترة الأخيرة أحجم عن إعطاء مقابلات بسبب تردي أوضاعه الصحية»، وتوقعت المصادر «استمرار المواجهة بين الدول الخليجية وحزب الله بأشكال مختلفة ومتعددة».

ضغوط أميركية أوروبية على السعودية

وأشارت المصادر إلى أن «دول الخليج والسعودية تحديداً كانت ستتجه إلى اتخاذ إجراءات تصعيدية ضد لبنان أقسى من تلك التي اتخذتها بعد قمتي القاهرة وجدة، إلا أن ضغوطاً أميركية أوروبية، وأبرزها فرنسية مورست على دول الخليج للفصل في التعامل بين حزب الله وبين لبنان، وألا تؤدي هذه الإجراءات ضد حزب الله إلى الإضرار بالمصالح اللبنانية».

وشدّدت المصادر على «تركيز الولايات المتحدة وفرنسا على المساعدات السعودية للبنان لا سيما السلاح المخصص للأجهزة الأمنية اللبنانية الذي يحتاجه لبنان لمكافحة الإرهاب في إطار الحرب الأميركية الدولية على الإرهاب، ما يتطلّب دعم الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية اللبنانية».

وكشفت المصادر أن المسؤولين الأميركيين والأوروبيين حذروا السعودية من أن «ما تتخذه من إجراءات ضد حزب الله يمكن أن يؤدي إلى إضعاف المؤسسات اللبنانية لا سيما الأمنية، وهذا يتناقض مع الرؤية والسياسة الأميركية – الأوروبية تجاه لبنان لناحية مواجهة الإرهاب المنتشر على حدوده مع سورية».

وقال الرئيس سلام خلال كلمته في القمة: «إنّنا نعلنُ تضامنَنا الكامل مع أشقائنا العرب، في كلّ ما يمَسُّ أمنَهم واستقرارَهم وسيادةَ أوطانهم ووَحدةَ مجتمعاتهم، ونؤكّدُ وقوفَنا الدائمَ إلى جانبِ الإجماعِ العربيّ».

ترقُّب محلّي لقرار المحكمة الدولية…

في غضون ذلك، تترقب الأوساط المحلية بقلق بالغ ما سرّب من معلومات عن قرار سيصدر عن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، يتّهم حزب الله مجدداً بالاغتيال بشخص أمينه العام السيد حسن نصر الله، وبعض الشخصيات في الدولة السورية.

وإذ رفضت مصادر وزارية التعليق على هذه المعلومات، قالت لـ«البناء»: «عندما يصدر القرار نعلّق عليه ولن نستبق صدوره، وهذا يفرض مناقشته في الحكومة التي هي المرجع الصالح لتحديد موقف لبنان من أي قرار من المحكمة».

القرار سيقطع علاقة لبنان بالمحكمة

وقالت مصادر عليمة في 8 آذار لـ«البناء» إن «المعلومات المسرّبة عن قرار المحكمة الدولية هو دس إعلامي وتسريبات خليجية في سياق الحرب الخليجية على حزب الله وتلقفها بعض الإعلام اللبناني المعروف الانتماء والولاء للسعودية، لا سيما أن مصدر تمويل صحيفة روز اليوسف سعودي»، وشددت المصادر على أن «لا أحد يجرؤ لا في لبنان ولا في الخارج على المسّ بقدسية وموقع ومقام ومكانة السيد نصرالله على صعيد لبنان والعالمين العربي والإسلامي».

وحذّرت من أنه «في حال صحّت المعلومات وصدر قرار من هذا القبيل، فإنه سيولد ميتاً ولا تتعدى مفاعيله ذاته فقط، بل سيرتد على المحكمة نفسها وسيقطع علاقتها بلبنان».

على الحكومة والقضاء التزام الصمت

ودعت المصادر الحكومة والقضاء والأطراف السياسية التي تعادي المقاومة التزام الصمت حيال أي قرار ضد حزب الله وعدم تلقفه أو التجاوب معه تحت حجة مفاعيله القانونية، «بل عليهم تغليب مصالح الدولة العليا واعتبارها فوق كل قرار قضائي داخلي كان أم خارجي»، كما حذرت من أن «قراراً كهذا سينهي المحكمة نفسها ولن يأخذ لبنان حينها بعين الاعتبار الاتفاقية بين لبنان والمحكمة»، معتبرة أن «حزب الله جزء من الفريق المنتصر في الإقليم ولا يجرؤ أحد على المسّ به أو استضعافه، كما حصل في مراحل سابقة ولن يسكت عن أي قرار ضده».

هل ضلّلت المحكمة مجدداً؟

ورجّح سفير لبناني سابق في واشنطن لـ«البناء» أن تكون هذه المعلومات مجرد إشاعات إلا في حال توفرت للمحكمة نتيجة التحقيقات بعض المعلومات تتطلب الاستماع لشهود جدد من حزب الله، وأوضح أن «المحاكم الدولية عادة تتسم بالاستقلالية والحيادية، لكن يمكن أن تعمد بعض الجهات السياسية والإعلامية إلى تسييسها»، ورفض «ربط صدور قرار كهذا بالضغط الخليجي على حزب الله، واعتبر أن المحكمة تضم قضاة عديدين لديهم سمعتهم ومعطياتهم ولا يمكن أن يسكتوا جميعاً عن أية اتهامات عشوائية، لكن من الممكن حدوث اختراقات للمحكمة أو محاولات تضليل قضاتها بشهود أو بمعطيات غير صحيحة، كما حصل في محكمة الحريري».

سفراء الخليج في بكركي

العلاقات اللبنانية الخليجية حضرت في بكركي، حيث أعلن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، خلال اجتماعه مع سفراء دول مجلس التعاون الخليجي الذين لبّوا دعوته إلى الصرح، «التأكيد على الصداقة بين لبنان وكل بلد من بلدانكم النبيلة، والإعراب عن أسفنا لغيمة صيف مرّت وعكرت الأجواء مع بعضٍ من أوطانكم».

ومن جهته، جدّد السفير الكويتي عبد العال القناعي، باسم السفراء، الدعوة إلى «انتخاب رئيس جمهورية في أقرب وقت لينتظم عمل الدولة اللبنانية ومؤسساتها»، مؤكداً «تنقية علاقات لبنان مع الدول العربية وإنهاء التوتر والمحافظة على أفضل العلاقات مع دول الخليج». وأعلن أنه «لم يتم ترحيل أي لبناني من دول الخليج اعتباطياً»، مشدداً على أن «جميع الحالات جاءت وفق أمور قانونية ودستورية». وقال رداً على سؤال «طالما هناك هجوم من حزب الله وغيره على دول الخليج، فالخلاف قائم».

صيّاح لـ«البناء»: لمسنا نية لترطيب العلاقة

وقال النائب البطريركي العام المطران بولس الصياح لـ«البناء» إن «أجواء اللقاء كانت إيجابية ولمسنا نية لدى دول الخليج لترطيب الأجواء مع لبنان، وأكدوا لنا ترحيب دولهم باللبنانيين الذين يأتون إلى دول الخليج للعمل بشرط التزامهم القوانين». وشدّد صياح على أن «سفير الكويت طمأن بأن اللبنانيين الذين طلبت السلطات الكويتية منهم مغادرة أراضيها عللت الأسباب، ولم تكن الطلبات عشوائية».

وشدّد صياح على أن «اللبناني الذي يذهب للعمل في دول الخليج لا يستجدي أحداً بل يعمل بكد وجهد ويؤمن مصالحه ويساهم في تنمية وتطوير اقتصادات تلك الدول».

وعن وجود نية لدول الخليج للعودة عن قرارها بالطلب من رعاياها مغادرة لبنان ومنع مواطنيها من السفر إليه لا سيما على أبواب موسم السياحة، قال صياح: «لم نتطرّق إلى تفاصيل هذا الموضوع، لكن هناك حرص من السفراء على الاقتصاد اللبناني وعلى قطاع السياحة».

وعما إذا كان البطريرك الراعي قد أثار التصعيد الخليجي ضد حزب الله خلال اللقاء مع السفراء، قالت مصادر بكركي لـ«البناء» إن «موقف بكركي معروف بأن حزب الله حزب لبناني ومكوّن أساسي في التركيبة اللبنانية وله موقعه ومقامه وموجود في المجلس النيابي وفي الحكومة وفي إطار المقاومة ودوره أساسي وهام في الدفاع عن لبنان، لكن بكركي لا تتدخل في عمل الحكومة التي تسعى وتعمل على ترطيب العلاقات الخليجية مع لبنان، بشكل عام ومعالجة الشوائب».

أما عن الملف الرئاسي، فأضافت المصادر أن السفراء طرحوا هذا الملف، لكن لا جديد لديهم.

«الوفاء للمقاومة»: على الحكومة التصدّي

ودانت كتلة «الوفاء للمقاومة» خلال اجتماعها الدوري «الضغوط التي يمارسها النظام السعودي في الاجتماعات المتصلة بالقمة الإسلامية من أجل الإساءة إلى حزب الله وسمعة مقاومته، وهو ما يوجب على الحكومة اللبنانية الوقوف ضدها بحزم ودون تردّد، باعتبار أن حزب الله المقاوم هو مكوّن أساسي في الحكومة وفي البلاد، وبأن الافتراء عليه بتهمة الإرهاب هو توجّه كيدي وطعن يطالها ويجب الاعتراض عليه والتصدي له».

وأشارت إلى أن «مؤتمر رؤساء البرلمانات العربية قد أقرّ في القاهرة قبل أيام حق المقاومة في تحرير أراضيها من الاحتلال واستعادة حقوقها المشروعة، ولا يجوز للحكومة اللبنانية أن تقبل بإسقاط هذا الحق، عبر السكوت أو مجرد التحفظ على أي إساءة للمقاومة يحاول البعض تمريرها في أي محفل أو مؤتمر من المؤتمرات، خصوصاً تلك التي يكون لبنان مشاركاً فيها».

بري دعا لجلسة انتخاب

رئاسياً، دعا الرئيس بري إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية يوم الاثنين 18 نيسان الحالي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى