بين السعودية ومصر وتركيا التحالف ضد إيران صعب… الاصطفاف ممكن ومحدود

د. عصام نعمان

الحفاوة البالغة التي قوبل بها أخيراً الملك سلمان بن عبد العزيز في مصر وتركيا توحي بأن تحالفاً ثنائياً قد قام بين الرياض وكلٍّ من القاهرة وأنقرة، بل تشي بأن تحالفاً آخر، ثلاثياً، قد قام بين هؤلاء جميعاً.

الواقع أن ظاهر الحال شيء وباطنه شيء آخر. ربما هناك اتفاق بين الرياض والقاهرة رأى النور قبل الزيارة الأخيرة للعاهل السعودي وتعمّق خلالها، لكن ذلك لا يرقى إلى مستوى التحالف. الأمر نفسه ينطبق على علاقة الرياض بأنقرة: اتفاق تحت الطاولة، عميق ووثيق، لكنه لا يرقى إلى مستوى التحالف الفاعل.

لماذا؟

لأن السعودية، وحدها، يمكنها أن تكون صديقاً مشتركاً بين دول عربية وإسلامية بفضل الدين حيناً وبفعل المال دائماً. لكن ليس في مقدورها ولا في مقدور غيرها، ولا سيما مصر وتركيا، أن تكون حليفةً عسكريةً لأيٍّ منهما. فمصر غارقة في أزمة اقتصادية خانقة منعتها من المشاركة في حرب اليمن، كما حالت اعتبارات جيوسياسية واستراتيجية دون خوضها الحرب في سورية وعليها. كذلك تركيا، حالت وتحول أزماتها الداخلية والتزاماتها الخارجية دون الانخراط مع السعودية في تحالفٍ معلن.

إلى الاعتبارات الاقتصادية الكابحة، ثمة أسباب سياسية وأخرى عسكرية تحول دون ارتقاء العلاقات بين السعودية وأصدقائها إلى مستوى التحالف. فمصر عقدت معاهدة صلح مع «إسرائيل»، وتركيا عضو أصيل في حلف شمال الأطلسي «الناتو». صحيح ان السعودية لم تكن في أي وقت في حال حرب مع «إسرائيل»، لكن وضعها كدولة عربية وإسلامية لا يسمح لها بأن تتحالف علناً، سياسياً وعسكرياً، مع دولةٍ مرتبطة بمعاهدة صلحٍ مع دولة أخرى، ما زالت معظم الدول العربية تعتبرها عدواً. ربما لهذا السبب تحديداً ارتأت الرياض التمهيد لتعاون مقبلٍ مع عدو الأمس النظري ضد عدو اليوم الماثل بأن تسترد جزيرتين في فم خليج العقبة، كانت تخلّت عنهما لمصر العام 1950 لعجزها عن حمايتهما. اليوم أضحت العداوة لـ«إسرائيل» أخف وطأة بكثير من العداوة لإيران، فلا بأس من استعادة جزيرتي تيران وصنافير اللتين لا تتطلبان، في الوقت الحاضر، أية حماية من «عدوان» عدو «سابق».

كذلك ستشعر السعودية بحرج شديد إن هي انضوت في تحالف علني مع حكومة مصر التي تشاطر «إسرائيل» عداءها لحركة «حماس» المتهمة بأنها تنظيم «إخواني» وإرهابي.

ثم لماذا تتحالف السعودية علناً مع تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي الذي يرتّب عليها التزامات سياسية وعسكرية لا ترى الرياض أن لها مصلحة وازنة فيها؟

في المقابل، لا تجد تركيا لنفسها مصلحة في الانضواء، عبر السعودية، في تحالف مع مصر لسببين: الأول، لأنها على صلة حميمة مع «حماس» الإسلامية التي توفر العلاقة بها سبيلاً لعقد صلات سياسية طيبة مع تنظيمات فلسطينية أخرى، الأمر الذي يمنحها «شرعية» مرغوبة في عالم العرب والمسلمين. الثاني، لأن القاهرة تعتبر «حماس» الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين بما هم أعداء إرهابيون لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، في حين تعتبرهم تركيا أردوغان حلفاء أيديولوجيين وسياسيين لها في عالم العرب.

إلى ذلك، لا تشاطر القاهرة وأنقرة حكومة الرياض عداءها الشديد لإيران. صحيح أن مصر ترغب في أن تشكّل بذاتها درع حمايةٍ للسعودية وسائر بلدان الخليج، إلاّ أنها غير راغبة في استعداء إيران. كذلك تركيا، فهي وإن يسؤها دعم إيران لحركات المقاومة العربية المعادية لـ«إسرائيل» ولبعض التنظيمات الإسلاموية السلفية المتعاونة معها، إلاّ أنها منخرطة في تعاون اقتصادي متنامٍ مع إيران وتهمها المحافظة عليه وتوسيعه.

يتحصّل من مجمل هذه الواقعات والاعتبارات والمصالح المتضاربة أن قيام تحالف ثلاثي بين السعودية وتركيا ومصر صعب للغاية في هذه الآونة، إن لم يكن مستحيلاً. لكن التخوّف من إيران يدفع القاهرة وأنقرة إلى مجاراة الرياض في سياستها الرامية إلى إقامة اصطفاف إقليمي وإسلامي لقوى وازنة يكون بمثابة جدار عالٍ ضد توسّع نفوذ إيران وأداة فاعلة لاحتوائه. أليس هذا ما حاولت القيام به في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول؟

ما فعالية هذا الاصطفاف؟

الجواب: فعاليته محدودة بالنظر إلى جملة تحديات، أبرزها:

صعود الحركة الكردية المعادية لحكومة أردوغان، الأمر الذي سيحمل هذه الأخيرة، مضطرةً، إلى إيجاد صيغة للتنسيق والتعاون مع إيران لكونها تحتضن مجتمعاً كردياً هو الأكبر عدداً بعد رديفه التركي.

وجود مخطط أميركي «إسرائيلي» لدعم قيام كيان كردي في شمال سورية يكون قادراً على التعاون والاتحاد في قابل الأيام مع الإقليم الكردي في شمال العراق لتشكيل دولة كردية مستقلة يُراد لها أن تُسهم في زعزعة الجمهورية الإسلامية في إيران الحاضنة مجتمعاً كردياً كبيراً. ذلك من شأنه أن يحمل حكومة أردوغان، عاجلاً أو آجلاً، على التعاون مع سورية لتدارك قيام كيان كردي في شمالها الشرقي يشكّل عدوى وقدوة لملايين الكرد في جنوب شرق تركيا.

تعاظم قدرات حركات المقاومة العربية الناشطة ضد «إسرائيل» سيُحرج ويُضعف في آن أي اصطفاف إقليمي أو إسلامي يسعى إلى مواجهة قوى المقاومة، ولا سيما حزب الله اللبناني والجهاد الإسلامي و«حماس» الفلسطينيتين. ولعل ضرورة مواجهة الإرهاب التكفيري في سورية والعراق ستؤدي إلى إفشال مخطط «إسرائيل»، وبعض العرب، الداعي إلى اعتبار إيران هي عدو العرب الأول في المرحلة الراهنة وليس الكيان الصهيوني.

الاصطفاف ضد إيران، إذاً، ممكن… التحالف ضدها يبدو صعباً وغير مجزٍ، وكذلك التحالف ضد حركات المقاومة العربية المعادية لـ«إسرائيل».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى