وَحَّدتهم «النصرة» وبقاؤها من بقائهم…

ناديا شحادة

التكتيك العسكري السوري وانتصاراته ميدانيا فاجآ الأميركي واصاب التركي والسعودي والصهيوني بالجنون، خوفا من التقدّم الذي أحرزه الجيش السوري على معظم الجبهات السورية، وبالذات الجبهة الشمالية بدعم من حلفائه والطيران الروسي في التقدّم نحو مدينة حلب واقتراب الجيش السوري من قطع طريق الإمدادات الأخير الذي يربط بين مواقع الجماعات الإرهابية والحدود التركية.

وعلى الرغم من إعلان اتفاق الهدنة في الميدان السوري الذي صدر ببيان روسي أميركي مشترك في شباط الماضي، مع استثناء تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» من نص الاتفاق، ركز المجهود الحربي السوري وحلفاؤه على مناطق يتمركز فيها تتظيم داعش الارهابي بشكل كامل حتى تم تحرير مدينة تدمر السورية من قبضة التنظيم وبعدها مدينة «القريتين» في ريف حمص الشمالي. لكن الهدنة سرعان ما شهدت العديد من الخروقات، خاصة بعد تحرير الجيش السوري وحلفائه مدينة تدمر الأثرية والهامة إستراتيجياً. ومع اعتماد وزارة الدفاع الروسية إستراتيجية حذف أي مجموعة مسلحة من إطار اتفاق الهدنة فور خرقها، ووضعها في بنك أهداف الغارات الروسية، سجلت وزارة الدفاع الروسية العديد من الخروقات لاتفاق الهدنة من قبل المجموعات المسلحة، وأبرزها «جيش الإسلام»، و«أحرار الشام»، اللذان استهدفا العديد من المدن بقذائف الهاون والمدفعية. من جهة ثانية، نجحت بعض الجماعات والتنظيمات المسلحة الأخرى في استعادة بعض النقاط التي فقدتها قبل الهدنة في الجبهة الشمالية بالتحديد، الأمر الذي هدد التوزيع الديموغرافي العسكري لأطراف الصراع قبل الهدنة، وجعل اتفاق الهدنة قاب قوسين أو أدنى من الإلغاء، خاصة مع حشد الجيش السوري وحلفائه على تخوم حلب تمهيداً لتحريرها بشكل كامل.

الوضع الميداني في الشمال السوري دائماً ما كانت له اليد العليا على مسار تطورات الازمة السورية منذ بدايتها، فالحدود الشمالية مع تركيا كانت الشريان الرئيسي للجماعات الارهابية منذ 2011، وباستيلائهم على مدن الشمال السوري كانت الكفة ترجح لمصلحة الحلف المعادي لسورية ومع انقلاب ميزان القوى لمصلحة الدولة السورية، بفعل التقدّم الميداني على كلّ الجبهات، خاصة بعد تحرير مدينة تدمر في السابع والعشرين من آذار والذي يعتبر أكبر نكسة يتعرّض لها تنظيم داعش منذ العمليات الجوية الروسية في ايلول العام الماضي التي حوّلت مجرى الصراع لمصلحة الحكومة السورية، دخلت كلّ من الرياض وتل ابيب وانقرة في حالة قلق وخوف من إلحاق الهزيمة بـ«جبهة النصرة» التي قادت الحرب بالوكالة عن تل ابيب والرياض وانقرة، فالاخيرة ما زالت تواصل مساعدة مسلحي جبهة النصرة وتزودهم بالاسلحة والمقاتلين، وهذا ما اكد عليه الجنرال سيرغي رودسكوي رئيس ادارة العمليات في هيئة الاركان العامة للقوات الروسية مؤخرا، بالاضافة الى اعتراف خالد الخوجا في 9 ايار 2015 بأن تقدم تنظيم جبهة النصرة المرتبط بتنظيم القاعدة الارهابي وبقية الفصائل الارهابية في بعض المناطق كان نتيجة دعم عسكري سعودي تركي، مضيفا ان الدعم العسكري السعودي والتركي ساهم في التقدم الاخير في مناطق الشمال والجنوب، ويشكل اعتراف الخوجا هذا دليلاً مادياً بحق النظامين التركي والسعودي يثبت تعاملهما مع الارهاب وكونهما يدعمان «جبهة النصرة».

يؤكد الخبراء الاستراتيجيون صحة تحليلاتهم بخصوص التطورات الميدانية السورية وبالذات بعد تحرير تدمر من تنظيم داعش وما يحدث في شمال سورية، وما شهدته حلب قبل ايام من تغييرات في ديموغرافية خريطتها العسكرية، إذ بدأت اشتباكات بين داعش والتنظيمات الاخرى على العديد من البلدات والمناطق السورية، اكتسح فيها داعش هذه التنظيمات وأعاد السيطرة على اغلب النقاط التي كانت التنظيمات قد سيطرت عليها في ريف حلب الشمالي. في المقابل، بدأ الجيش السوري وحلفاؤه أولى الخطوات نحو تحرير حلب بالتمركز في الريف الجنوبي ومن ثم الانطلاق، حيث شن الجيش السوري ووحدات من حزب الله اللبناني هجوماً علي بلدة العيس التي كانت قد سيطرت عليها جبهة النصرة قبل أيام. وطبقاً للعديد من المراقبين، فإن حملة كبرى يجري التجهيز لها خلال الايام المقبلة لتحرير حلب، بعدما نجح الجيش السوري، قبل إعلان الهدنة، في تطويق اغلب محاورها وعزلها في جيوب ضيقة يسهل تطهيرها. من المتوقع ان يكون تحرير حلب خطوة حاسمة في الصراع السوري، لان السيطرة عليها تعني ببساطة قطع اليد التركية من سورية تماماً سياسياً وعسكرياً.

فمعركة حلب تدل على قرب الاشتباك مع «جبهة النصرة»، وبذلك يصبح كلّ شيء معرّضاً للانهيار، وسيكون كإعلان فشل للسياسة الخارجية السعودية والتركية، اللتين اتبعتا سياسة التصعيد خوفاً من ان تلقى «النصرة» مصير «داعش» بتدمر و للمحافظة على ما تبقى من نقاط قوى لكلّ من البلدين في سورية تمكنهم من الحفاظ على ماء الوجه في مفاوضات السلام.

فمصير «جبهة النصرة» في الشمال السوري سيغير المعادلة السورية وسينعكس سلبا على اعداء سورية، الذين زادوا من تصعيدهم، فها هي واشنطن تدعو موسكو الى الضغط على الحكومة السورية لمزيد من الالتزام بالهدنة، حيث قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري في 16 ايار ان هناك حاجة ماسة لان تتوقف حكومة النظام السوري عن انتهاك وقف اطلاق النار في سورية، ودعا روسيا للمساعدة في ذلك.

ما يؤكد عليه الخبراء ان مصير «النصرة» وداعميها بات قاب قوسين من الانهيار وانّ الرهان المتبقي عليها هو لكسب الوقت لتحقيق بعض النقاط في مسار التفاوض الطويل، فالنصرة لن تكون اقوى من «داعش»، ولكن بقاءها في الواجهة الى الآن هو رغبة حلفائها لجعلها معتدلة كما يزعمون وهو ما نُسِف باستثنائها من الهدنة الحالية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى