أوهام «إسرائيلية» على أرض سورية…
سناء أسعد
يبدو أنّ الأشباح المنسية في الكهوف المهجورة.. والأرواح الملقاة على عتبات التاريخ المجهول النسب… ترغب في الخروج إلى الضوء والتحوّل إلى مخلوقات مرئية.
يريدون للاحتلال أن يصير تاريخاً وحضارة، ويريدون هندسة الكيانات المتكومة على أنقاض الدمار والاستعمار، لتتحوّل إلى دول لها حدود ومساحات جغرافية… والتعايش والتأقلم مع عمليات الانتهاك والاغتصاب ضمن قوانين تجعل منهما أمراً مباحاً وشرعياً… شأن ذلك كمن يريد أن يدهن الصدأ ليلمع ويبرق… وكمن يريد أن يزوّر موعد وتاريخ الموت لأحدهم ليجعل من بصمته اعترافاً وشهادة يؤخذ بها.
مسرحية نتنياهو، في الأمس، تماثل في مشاهدها مسرحيات أردوغان وآل سعود… كما تشابه في بعض من مشاهدها الأدوار الهزيلة التي يلعبها الإرهابي السفاح محمد علوش في القفز والنط على حبال جنيف بمسافات يتجاوز بها حدود امكانيته ومكانته وقدرته… وهذا شأن البقية المذكورين سابقا… وكأنّ السيناريوات من إبداع شخص واحد…!
فمن أقنع علوش بأنّ الصعود على المنابر يجعل منه سيد كلمة، يحلّ ويربط ويفرض الآراء ويتأرجح فوقها… هو من أقنع آل سعود بأنّ وهابيتهم ديناً شرعياً… وأنّ أموالهم تشتري دولاً وذمماً وأمماً… وهو من أقنع أردوغان بأنه السلطان الذي لا يقهر… وهو ذاته من أقنع نتنياهو أنّ التقادم ومرور الزمن يجعلان من الجولان «أرضاً اسرائيلية»… وكأنّ التاريخ أوصى بتوزيع الحصص واقتسام الغنائم السورية، بالذات حتى قبل أن تنتهي الحرب.
أمام أيّ حدث يحصل دائماً نسأل لماذا الآن؟ ولماذا هذا التوقيت؟
وما هي الرسائل الموجهة ولمن؟
لا أعتقد أنّ ذلك الاجتماع الفريد من نوعه لما يسمّى بالطاقم الحكومي «الاسرائيلي»… رسالة موجهة الى أميركا وروسيا بالذات، كتحذير سابق لهما على عدم إدخال أرض الجولان ضمن التسويات السورية الحاصلة…
لأنّ العالم كله وبما فيه الكيان «الاسرائيلي» يدرك أنّ أيّ شبر من الأراضي السورية المحتلة والتي حاولوا احتلاها لا يمكن أن تدخل ضمن بنود التسويات التي تربطها في إطار التنازلات… بأيّ شكل من الأشكال… ومهما كان الثمن.
سورية ما خاضت هذه الحرب… وصمدت وجابهت، متحدّية دول العالم كله، حتى تحصل على شهادة فخرية ويصفق لها من جهة… أو لكي ترضخ لشروط تتأرجح على فرضيات متعددة… لا تحجز في أحد أركانها مكاناً للسيادة السورية من جهة ثانية.
نتنياهو أدرك حقيقة النصر الأسطوري الذي تقرع طبوله على الحدود السورية كافة… ويستحيل عليه أن يكون الجولان يوماً تيران وصنافير…!
وأدرك أنّ بشار الأسد لن يكون السيسي ولن يكون إلا ابن أبيه حافظ الأسد… وأنّ الدم العربي الذي يجري في عروقه لا يُباع ولا يُشترى كما غيره بالمال السعودي.
توهّم نتنياهو أنّ تصريحاته واجتماعاته وتهديداته… ستترك أثراً مرعباً في الواقع كما في عالم الصحافة والإعلام… وأنها يمكن أن تكون بذات الوزن والشأن والقيمة لما يتوعّد به السيد حسن نصرالله في خطاباته.
تعيش «إسرائيل» حالة من التوتر والقلق من زحف محور المقاومة وانتصاره وتقدّمه باتجاه ما تعتبره حدودها… فأرادت أن تخفي ما هي عليه بالعنتريات الخيالية والتبجّحات الزمنية والزعاق… والنعيق بأصوات مرتجفة، وباللهاث المتعب.
من المفروض اعتبار ما جرى على أرض الجولان، التي تمتدّ أوصالها متجاوزة ذلك السياج الذي أحاط حدودها… لتعانق أمها سورية وتحتفل بيوم الجلاء… الذي سيتبعه الكثير من الجلاءات… هو أمر طبيعي جدا.. كنتيجة لما استخلصته الرؤيا الاسرائيلية بعد سنوات الترقب والانتظار على أمل السقوط والتفتيت والتقسيم… للجغرافية السورية وللحضارة السورية… تمثل بعملية انقلابية لامتداد حدودها لا تقلصها.
لكن عبيد «إسرائيل» من معارضة حاقدة… وزعماء خونة يقال إنهم عرب… لم يستطيعوا رغم كلّ الجهود المبذولة… أن يقدّموا لـ«اسرائيل» ما تتمناه على طاولتها من وجبات سورية دسمة… حتى انهم لم يكونوا بارعين في ما قدّموه سابقاً، بالرغم من مهارة خلطه بدماء الأبرياء… ومحاولة تمييزه بنكهات الوجع والألم والقهر السورية… لم يستلذّوا بها لأنّ نكهة الصمود والتحدّي كانت أقوى من أيّ نكهة، وكانت تشعرهم بالغصة، ولم يستطع اللسان الاسرائيلي مضغها.
على «اسرائيل» أن تدرك ما أدركته، وأنّ انتصار سورية لن يكون ناجزاً الا عندما تطلق آخر رصاصة في الجولان المحتلّ… وترتوي حبات التراب هناك بالدم السوري الطاهر.
أرادت «اسرائيل» استفزازنا بما اعتبرته اجتماعاً رسمياً على أرض الجولان بعد 49 عاماً من الاحتلال… ولكن يبدو أنّ الدهاء خانها هذه المرة بتقديم تلك الوصلة الغنائية الرخيصة… ولم تضع في حسبانها أنّ الردّ سيكلفها ثمناً غالياً لن تخسر به الجولان فقط… بل جميع ما حاولت تنسيبه لها طيلة سنوات الاحتلال.
فنحن ما خلقنا الا لنكون مشاريع شهادة… والدماء ما جرت في عروقنا الا لتروي كلّ حبة تراب من أراضينا الحرة والسليبة.
وقضيتنا قضية مقاومة حقة… قضية الاسترداد التي لا تعرف طريقاً للاستسلام والخنوع والتسليم… مهما طال الزمن.