هل تكسر محادثات السلام في الكويت الجمودَ في اليمن؟

ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

منذ اندلاع الحرب في آذار الماضي، عانى اليمن من نتائج مميتة ومأسوية، وهو البلد الأفقر في شبه الجزيرة العربية. فقد كلّفت الحرب حركة الحوثيّين المتمرّدة من جهة، وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، من جهة أخرى، والمدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية، أكثر من 6000 قتيل، نصفهم من المدنيين. كما أجبرت أكثر من مليوني يمني على النزوح، ووضعت الجزء الأكبر من سكان البلاد على خط المجاعة. تنصبّ جميع الآمال الحالية على محادثات السلام التي تتوسّط فيها الأمم المتحدة والتي بدأت منذ فترة في الكويت.

في ما يلي، تحليلٌ لكبير الباحثين الاستراتيجيين في «Crisis Group» لشبه الجزيرة، أبريل لونغلي آلي، حول ما يمكن أن تنتج عنه هذه المحادثات.

«Crisis Group» كم تأمل في أن تكسر المحادثات المقبلة الجمود بين الأطراف الرئيسة المتحاربة؟

يؤكد آلي تفاؤله الحذر لناحية إمكانية كسر المحادثات المقبلة للجمود بين الأطراف السياسية المتحاربة، فاليقين ـ من وجهة نظره ـ أنّ هذه الفرصة لليمن هي الأفضل للعودة إلى الحياة السياسية منذ بدء الحرب. حيث تتوفر للخصمين ـ وللمرة الأولى ـ الفرصة لإنهاء العمليات القتالية الرئيسة بين الحوثيين والسعوديين.

وقد ووجه الحوثيّون مرّة أخرى على عدّة جبهات، وواجهوا أيضاً تحدّيات اقتصادية، وضعتهم تحت الضغط الشديد. فمنذ تشرين الأول الماضي، خسروا عدداً من المناطق في الجنوب، وباتوا أكثر استعداداً وجدّيّة لتقبّل مطالب الجانب الآخر.

يخضع السعوديون لضغوط عدّة من قبل وسائل الإعلام، وجماعات حقوق الإنسان، كذلك، من الحلفاء الدوليين الراغبين في وضع حدّ للحرب، نظراً إلى الدمار المروّع والأزمة الإنسانية في البلاد. وعلاوةً على ذلك، يختبر السعوديون ارتفاعاً في منسوب العنف والقتال على حدودهم القريبة. كذلك، فقد كلّفت هذه الحرب الكثير من المال والوقت في دولة بدأت باتباع سياسة التقشّف.

لدى كلّ من الطرفين حوافز قوية للتسوية وقد خلق هذا قيمة ومتسعاً للمحادثات، وكان قد تحدّد سابقاً، أن الطريق إلى تحقيق اتفاق تقاسم السلطة اليمنية هي طريق طويلة، صعبة وشاقة، غير أنها قابلة للحياة.

لكن ماذا عن التحديات الرئيسة؟

يؤكد آلي حتمية مواجهة سلسلة طويلة من الصعوبات. فلنبدأ من دعوة الأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار: وقد دخل هذا الاتفاق حيّز التنفيذ في 11 نيسان، بعدما خُرق مرات عدّة خلال الأيام الخمسة الأولى من إقراره. إن قرار وقف إطلاق النار، يشكل جزءاً مهماً من عملية السلام رغم صعوبة تنفيذه. لا يسيطر أيّ من الجانبين المتقاتلَيْن بشكل فعليّ، فضلاً عن وجود المفسدين من الجانبين. فمن الواضح الآن، بالنسبة إلى الحوثيين، عدم التزام قادتهم بقرار وقف إطلاق النار، أو حتى الالتزام بتقديم تنازلات كبيرة وتنفيذها في المفاوضات السياسية. يحصل ذلك بالتنسيق مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، لكنه يقول أنه يستبعد نفسه من المحادثات بين الحوثيين والمملكة السعودية، المؤدية إلى وقف إطلاق النار، وأنه يتيح الفرصة لاستئناف العملية السياسية. لكن طالما يبقى هو خارج إطار هذه المحادثات، ستزداد احتمالات بقائه المفسد الأول، وربما الأخطر.

أما على صعيد الحكومة، فلن تكون الأمور أفضل. فالرئيس هادي كان قد صرّح الأسبوع الماضي بنيّته الذهاب إلى الكويت لتفعيل مسار محادثات السلام. غير أنه يصرّ ويشترط ضرورة تنفيذ الحوثيين لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، والذي يتضمن نزع سلاحهم وسحب قواتهم من الأراضي المُصادرة، ومن الواضح أن هذا الشرط يبدو غير واقعيّ.

لدى حكومة هادي والمجموعات القتالية المختلفة القليل من الحوافز لإنهاء القتال الذي لطالما دعمت مجهوده الحربيّ المملكة العربية السعودية. كما أن استعداد الحكومة لتقديم تنازلات خلال محادثات الأمم المتحدة في الكويت، يرتبط ارتباطاً مباشراً بمقدار قدرة المملكة العربية السعودية واستعدادها للتوصّل إلى تسوية تفاوضيّة.

ارتفعت وتيرة القتال في الأسابيع القليلة التي سبقت وقف إطلاق النار وذلك على جبهات متعدّدة، وربما كانت هذه محاولة من الجانبين لتعزيز وضع كلّ منهما قبل المحادثات التفاوضية. سببٌ آخر يدعو إلى القلق، وهو التعديل الوزاري الأخير. فقد استبدل هادي رئيس وزرائه ونائب الرئيس خالد بحّاح باللواء على محسن. فبينما فضّل بحّاح التسوية السياسية، نُطر إلى محسن على أنه يمتلك التاريخ الأكثر تشدّداً مع العدوّ صالح فضلاً عن الحوثيين، في الوقت الذي يُفترض باليمنيين أن يجلسوا إلى طاولة المفاوضات لمناقشة إمكانية تشكيل حكومة أكثر شمولية أثناء محادثات الأمم المتحدة.

أما على مستوى المحادثات، فهي صُمّمت لتكون بين حكومة هادي، والجانب الآخر، أي الحوثيين والرئيس اليمني السابق ومسؤول المؤتمر الشعبي العام علي عبد الله صالح. لا يمثّل أيّ فريق المصالح المختلفة التي تهمّ اليمن، لذا، سيكون من الضروريّ توسيع النقاش حول عدد من القضايا، بما في ذلك الترتيبات الأمنية الموقتة من أجل وقف إطلاق النار وحلحلة القضايا السياسية العالقة، كمثل توقيت الانتخابات، انتقال جيّد للعدالة وهيكلة الدولة. لن تكون هذه المحادثات سهلة. ففي سيناريو مثاليّ، يوافق كلا الطرفين على أن التنازلات لا يمكنها بناء الثقة، بل ستقوّي من الإصرار على إدخال قرار وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ وتسمح للحكومة الشاملة بالعودة إلى صنعاء لإعادة إحياء العملية السياسية. لكن هذا يبدو بعيد المنال. فليس من الواضح ما اذا كانت حكومة الرئيس هادي، ستقدّم التنازلات المطلوبة، والمتعلقة بتنفيذ القرار 2216 أو ما إذا كان الحوثيون سيوافقون، على سبيل المثال، تحديد الوقت المناسب لتفكيك مجالسهم الثورية والسماح بعودة الحكومة إلى العاصمة.

وبالنظر إلى النقاط الرئيسة المدرجة على أجندة المحادثات، فقد حدّدت الأمم المتحدة خمس نقاط رئيسة: انسحاب المليشيات والجماعات المسلّحة، تسليم الأسلحة الثقيلة للدولة، الترتيبات الأمنية الموقتة، استعادة مؤسسات الدولة، استئناف الحوار السياسي الشامل، إنشاء لجنة للسجناء والمعتقلين. وتكمن الأولوية الأكثر إلحاحاً في الاتفاق على ترتيبات أمنية موقتة ومقبولة من قبل الطرفين.

تبدو جميع النقاط ـ بطبيعة الحال ـ حاسمة للغاية. غير أن الأولوية التي أراها أكثر إلحاحاً من غيرها هي الاتفاق على ترتيبات أمنية موقتة من قبل الطرفين. وسيكون هذا ضرورياً لتعزيز وقف إطلاق النار، وتأمين بيئة تسهّل إجراءات أخرى مثل عودة الحكومة، ونزع سلاح المجموعات المسلّحة وإجبارهم على الانسحاب. ومن الأهمية بمكان، البدء بتقديم المساعدات الإنسانية والسلع التجارية إلى السكان المحتاجين. وفي نهاية المطاف، وكي تنجح هذه المحادثات، يُفترض أن تتناول جميع القضايا التي أدّت إلى الصراع في المقام الأول، وأصبحت الآن معقدة وملتهبة من جرّاء الحرب: هيكلية بناء الدولة على المستوى الوطني بهدف تقاسم السلطة بين الجيش والحكومة.

لكن، ماذا لو لم تتوفر مثل هذه الفرصة؟ سنواجه حينذاك مأساة حقيقية. فاليمن لا يتمتّع بالوقت الكافي لانتظار بروز فرص أخرى. ويرى آلي في هذه المحادثات بصيص أمل يحتاج إلى أن يُستفاد منه بسرعة ـ لأسباب ليس أقلّها الأجندة السياسية. فعلى سبيل المثال، سيزور الرئيس أوباما المملكة العربية السعودية في 21 نيسان الحالي لحضور قمة دول مجلس التعاون الخليجي، ما سيلقي الضوء بشكل مكثّف على الأزمة اليمنية، لضرورة إدخال وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ قبل زيارة الرئيس الأميركي إلى المنطقة.

يبدو الوقت الحالي مناسباً للغاية لتحقيق تسوية جزئية، إذ إن الولايات المتحدة والسعودية وحلفاءها، الذين ينوؤون هم أيضاً تحت ضغوط متزايدة من قبل جماعات حقوق الإنسان، يطالبون أكثر من غيرهم بالضغط لوقف العمليات القتالية. فإذا لم تُستغلّ هذه الفرصة، نكون قد عدنا إلى الحالة التي نجلس فيها لمراقبة اليمن من على شاشات الرادار، وربما بوتيرة أعلى من المعتاد… وهذا الواقع سيدفع ثمنه المدنيون بالدرجة الأولى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى