مناورة الولايات المتحدة بين «داعش» والأكراد
شارل أبي نادر
«داعش»… هذا التنظيم الإرهابي الذي يشغل حالياً العالم والشرق عسكرياً من خلال سيطرته على أراضٍ شاسعة بين العراق وسورية، تحت اسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وإرهابياً من خلال عملياته الواسعة في المكان والزمان والأسلوب، يشكل مزيجاً من:
ـ مدرسة عقائدية متشدّدة، خلقها الإسلام المتطرّف في بيئته الواسعة في الشرق بين بعض دول الخليج خاصة المملكة العربية السعودية والعراق، وامتدّت إلى دول عدة في المحيط، وأيضاً إلى بعض دول شمال أفريقيا ودول الاتحاد الأوروبي، ولم تكن الولايات المتحدة الأميركية بعيدة عن أسباب هذا التمدّد، وذلك على خلفيات متعدّدة ليس أقلها غزوها غير الشرعي للعراق وأفغانستان وما نجم عن ذلك من فلتان أمني وعسكري واجتماعي.
ـ خبرات عسكرية وأمنية ضباط سابقون في جيش صدام ومقاتلون أجانب قاتلوا الجيش الروسي في أفغانستان والشيشان والقوقاز، وضباط منشقّون عن الجيش السوري اكتسبوا خبرات عسكرية من قتالهم ضدّ «إسرائيل» أو من خلال معارك مختلفة في لبنان.
ـ خبرات إرهابية: خليط من مجموعة عراقية أساسها مدرسة أبو مصعب الزرقاوي الإرهابي، وخليط آخر متشدّد، عربي وخليجي وأجنبي من أصول عربية وأفريقية.
ـ مافيات عالمية تهتمّ بسرقة وبيع الآثار والنفط وتجارة الأسلحة.
لقد عملت الولايات المتحدة الأميركية على تنسيق هذا المزيج العسكري الإرهابي المافيوي ورعايته من خلال إدارة أعماله العسكرية والإرهابية والتجارية بطريقة غير مباشرة، عن طريق غضّ النظر عن انتشاره وتمدّده العسكري في أماكن معينة، أو عن طريق دفعه واستدراجه إلى أعمال عسكرية وإرهابية أحياناً، وذلك من خلال منظومة اسمها «داعش».
في المبدأ، إنّ الولايات المتحدة الأميركية تحارب «داعش» عبر تحالف دولي تقوده، وذلك من خلال مناورة خبيثة تتحكّم بإبقائه حياً، ليقاتل دون أن يسيطر ودون أن ينهزم نهائياً، ويمكن تلخيص أهدافها الأساسية كالتالي:
ـ إبقاء الصراع في الشرق ملتهباً، بحيث تكون «إسرائيل» مرتاحة وبعيدة تقريباً عن أيّ ضغوط عربية وإسلامية مؤثرة، حيث الجميع منشغل بمحاربة الإرهاب المتمثل بـ«داعش» درجة أولى و«القاعدة» ومشتقاتها درجة ثانية.
ـ بيع أسلحة عبر خلق سوق واسع، لذلك من خلال هذه الحروب العنيفة والدموية وذلك لإنعاش الاقتصاد الغربي ورفع نسبة النمو في أغلب الدول المنتجة والمصدّرة للأسلحة والتي هي في أغلبها دول غربية أميركية وأوروبية.
ـ إبقاء أسعار النفط منخفضة لحاجة الدول النفطية لشراء الأسلحة وتغطية نفقات الحرب، إذ تلجأ إلى بيع كميات كبيرة فتنخفض الأسعار.
من ناحية أخرى، تقوم أيضاً استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية على مساعدة الأكراد لخلق توازن للوقوف في وجه داعش عن طريق التحكّم بقوته، حيث لهذه المجموعة قدرة نمت وظهرت على خلفية بعدها عن تأثير سلطة الحكومة المركزية في كلّ من العراق وسورية، وذلك لأسباب اجتماعية وسياسية ومطلبية كانت عبر التاريخ سبباً لصراعاتها المختلفة مع هاتين الحكومتين. وأكملت الولايات المتحدة استراتيجيتها في استعمال الأكراد للأهداف التالية:
ـ في العراق: للبقاء في وجه الحكومة والشيعة وإيران من ورائهم. وأيضاً للوقوف في وجه دول الخليج وابتزازهم من خلال ضغط الأكراد على «داعش» أو على البيئة السنية الحاضنة لـ«داعش».
ـ في وجه تركيا لعدم تركها تتحكّم بمناورة الإسلام المتشدّد لكونها تؤثر عليهم بحكم نظامها وتحت رعاية حكومة أردوغان الأصولي، وأيضاً للضغط على الأتراك لعدم الذهاب بعيداً في دعم «حماس» و«الإخوان» في مصر.
كما ويمكننا القول إنّ استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية تقوم أيضاً على خلق توازن في السيطرة الميدانية بين كلّ من الأكراد والشيعة و«داعش» أو السنة المتشددين ، وذلك للأهداف التالية:
ـ الضغط على إيران مباشرة أو من خلال الضغط الذي تخلقه «داعش» في حربها في سورية على الجيش والدولة، تحت قيادة الرئيس الأسد وعلى حلفائه وعلى رأسهم حزب الله.
ـ الضغط على الاتحاد الأوروبي في موضوع اللاجئين والإرهاب، حيث بدأت هذه الأزمة المزدوجة، والتي وُجدت في أوروبا على خلفية الحرب على العراق وعلى سورية تهدّد بتفكيك الاتحاد الأوروبي تفكيك ذاتي ، لضرورات أمنية وإدارية فرضتها طرق مواجهة الإرهاب الضاغط على تلك المجتمعات، ومنها إجراءات المعابر وإدارة اللاجئين وموضوع منح وتثبيت الجنسية الأوروبية أو منعها عن متشدّدين إسلاميين أوروبيين من أصول عربية أو عربية أفريقية.
ـ الضغط على روسيا لأسباب لها علاقة باستراتيجية الأخيرة في موضوع الإسلام المتشدّد الذي تعاني منه داخل مجتمعها الواسع، وفي موضوع حاجتها إلى مدّ خطوط الغاز الروسي عبر دول الشرق إلى المتوسط أو إلى أوروبا، وأيضاً بموضوع قواعدها العسكرية على المتوسط، البحرية أو الجوية.
وهكذا… فإنّ هذه المروحة الواسعة من المصالح والأهداف التي تؤمّنها هذه الفوضى الإرهابية والعسكرية التي يخلقها «داعش» في المنطقة والعالم لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية، تفرض على الأخيرة أن تلعب مناورة خبيثة تتمحور حول إعطاء «داعش» وجوداً أطول في الزمان وفي المكان، وقدرة وسيطرة مدروستين بشكل تستطيع فيه التأثير على كلّ هذه الميادين، بحيث لا تسيطر بالكامل ولا تنهزم بالكامل.