تقرير

كتب كل من غيورغوس كريستيدس وكاترين كونتز وماكسيميليان بوب في مجلة «دير شبيغل» الألمانية: يشيد الاتحاد الأوروبي بأولى حالات ترحيل اللاجئين في الأسبوع الماضي من اليونان إلى تركيا، باعتبارها اختراقاً في اتفاقية اللاجئين الأخيرة مع أنقرة. لكنها لم تكن أكثر من مجرد عرض. ويعتقد الكثيرون أن الصفقة ستفشل في النجاة أمام التحديات القانونية المتوقعة.

أمضى شام محمد لتوه ليلته الرابعة على التوالي بين شجرتي زيتون وكومة من الحجارة والعشب قرب مخيم موريا للترحيل في جزيرة ليسبوس، في محاولة أخرى منه للتمرّد على إرادة الاتحاد الأوروبي. وهو يرتدي قميصاً صوفياً وسترة نجاة لأحد المتطوّعين. وفي الليل يلفّ قدميه بوشاح. وإذا أصبح الجو بارداً، يؤدي حركات قفز لتدوير الدم في أنحاء جسده ثانية.

ومحمد طالب فنون شاب يبلغ من العمر 21 سنة من باكستان. وهو يعتقد أن ثمة طريقة واحدة بقيت للحؤول دون ترحيله. ويقول: «يجب أن أختفي عن أعين الشرطة، لأنهم قد يقومون بإبعادي أيضاً حتى من من دون مراجعة طلب اللجوء». وثمة العشرات مثل محمد، ممن يختبئون حالياً في البساتين حول موريا.

عندما أعلنت السلطات اليونانية في الأسبوع قبل الماضي أنها غير قادرة على تنفيذ أي حالات إبعاد جماعية إضافية، لأن بعض المهاجرين اختفوا فجأة، فإنها كانت تشير بذلك إلى أشخاص مثل محمد. ومثلما بدأت عمليات الترحيل بسرعة، فإنها توقفت بسرعة بسرعة أيضاً.

في ساعات فجر يوم الاثنين في الأسبوع الماضي، بدأ الاتحاد الأوروبي تطبيق بنود صفقة اللجوء التي كان قد توصل إليها مع تركيا مؤخراً. على الأقل، كانت تلك الطريقة التي بدت عليها الأمور. وفي ذلك اليوم، تم تسفير أكثر من مئتي شخص بقليل من ليسبوس وتشيوس إلى ديكيلي في تركيا. وكان الهدف من هذا التدبير إظهار أن التبادل الرئيس للاجئين قد بدأ. وفي اليوم نفسه وصل لاجئون سوريون إلى ألمانيا بشكل شرعي في رحلات جوية من تركيا. ومع منتصف الأسبوع الماضي، لم يعد أيّ لاجئين يصلون إلى الجزر اليونانية. وبدا كما لو أن الرسالة تمر. ولكن، هل كانت الصفقة تعمل؟ الجواب المختصر هو: لا.

يقول ديميتريس فيتساس، نائب وزير الدفاع اليوناني المسؤول عن معالجة أزمة اللجوء: «ربما يجب علينا أن ننتظر فترة أطول لكي نرى». ويقول إن الطقس ربما لعب دوراً وأنه لا يريد أن يتوصل إلى استنتاجات سابقة لأوانها. ويضيف: «لكن الأعداد تظهر فعلاً أن شيئاً ما يعمل».

ولكن، ما هو؟ هل هو الصفقة المبرمة مع تركيا أم آلة العلاقات العامة التي رافقتها؟ لم تكن عمليات التسفير التي جرت يوم الاثنين منبئة كثيراً في ما يتعلق بما إذا كانت الآلية ستؤتي ثمارها في نهاية المطاف أم لا. وكان الاتحاد الأوروبي قد حدّد يوم 4 نيسان كموعد للتنفيذ، لأنه أراد إظهار أن باستطاعته تحقيق نتائج في نهاية المطاف. وكان للعملية المفرطة في السرعة هدف واحد: إرسال رسالة قوية.

هل الأمر كله مجرد عرض؟

مع ذلك، كان الشيء الذي مرّ من دون أن يلاحظه كثيرون أن الناس الذين أعيدوا إلى تركيا من ليسبوس وتشيوس يوم الاثنين كانوا مهاجرين بشكل حصري، ممن أرادوا مواصلة رحلتهم إلى شمال أوروبا، ولم يكونوا قد تقدّموا بطلبات للجوء في اليونان. لكن اليونان كانت لديها القدرة مُسبقاً على تسفير هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين إلى تركيا منذ عام 2002، في إطار ما يُدعى اتفاقية إعادة القبول التي كان كلا البلدين قد اتفقا عليها. ولذلك، لم تكن الصفقة الجديدة ضرورية حقاً حتى يُجرى التسفير.

تقول أنجيليكي ديميتريادي، الباحثة الزائرة في المجلس الأوروبي حول العلاقات الخارجية في برلين: «لقد كان يوم الاثنين عرضاً مكلفاً، إنما بلا معنى… الآن يبدأ العمل الدقيق حقاً».

من بين أكثر من 3000 مهاجر ما يزالون في ليسبوس، كان الجميع تقريباً قد تقدموا بطلبات لجوء منذئذٍ. وهم يأملون أن تمكنهم خطوتهم تلك من منع تسفيرهم. ويفترض اللاجئون أن التعامل مع طلباتهم سيستغرق أسابيع أو أشهراً. ومع تقديم الطلبات، لن يعود للحكومة اليونانية الحق في ترحيلهم: فالبلد ملزم قانونياً بمراجعة كل طلب. ويمكن تسفير اللاجئين الذين تقدّموا بطلبات في حالة رفض طلب اللجوء فقط. ومكمن القلق الآن أن الآلاف من الأشخاص قد يصبحون عالقين في الجزيرة لأشهر طويلة من دون أيّ يقين.

وسوف تصبح الأمور أكثر صعوبة عندما تبدأ اليونان قريباً رفض اللاجئين السوريين كما هو مخطط، وفي إعادتهم إلى تركيا. وعند تلك النقطة، من المتوقع أن ينشأ جدال قانوني معقد. أولاً، سيبقى موضع شك ما إذا ستكون اليونان قادرة على تنفيذ إجراءات اللجوء خلال مسألة أيام كما هو مخطط. فالبلد يفتقر إلى الأموال والموظفين الضروريين على حدّ سواء. وتتوافر وكالة اللجوء اليونانية حالياً على 295 موظفاً فقط في عموم البلد. وغالباً ما يستغرق الأمر أشهراً ـ إذا لم تكن سنوات ـ قبل التوصل إلى اتخاذ قرارات في شأن اللجوء.

تحدّيات لوجستية هائلة

كانت المفوضية الأوروبية قد أعلنت أنها سترسل 2300 خبير لتقديم الدعم، بما في ذلك الشرطة وضباط اللجوء وقضاة ومترجمون. لكن قلة من الناس يعتقدون أن أوروبا ستنجح في تغيير نظام اللجوء اليوناني بين عشية وضحاها. وإلى الآن، لم ينجح الاتحاد الأوروبي حتى في إرسال ما يكفي من الموظفين. وأكثر من أي شيء آخر، تشكل الصفقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي تحدّياً لوجستياً ضخماً.

كانت الحالة فوضوية جداً في الليلة التي سبقت تنفيذ أول عملية إبعاد، إلى درجة أن أحد كبار المسؤولين في إحدى وكالات الاتحاد الأوروبي المسؤولة اضطر إلى المبيت في سيارة لأنّ كل غرف الفنادق كانت محجوزة. ولم يكن ثمة افتقار إلى التقارير والبلاغات عن المشاكل أيضاً. وأوردت صحيفة «غارديان» البريطانية يوم الثلاثاء الماضي أن 13 لاجئاً أفغانياً وكونغولياً تم إبعادهم لأن الشرطة كانت قد نسيت معالجة طلباتهم للجوء، وفق مدير مكتب أوروبا في المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة. لكن أثينا نفت صحة الاتهام.

كان هيكو فيرنر، 44 سنة، قائد فريق المكتب الفدرالي الألماني لشؤون الهجرة واللاجئين والذي لا يتسامح مع اتهامات الفوضى، يجلس في ردهة أحد الفنادق. وكان فيرنر قد أمضى العقد الماضي عاملاً في مناطق الأزمات، وشاهد أمراً أو أمرين في حياته: مخيمات اللجوء في السودان، والأطفال الذين يعانون من سوء التغذية. وهو رجل قادر على تقييم المهمات ويعرف كيف تنتشر الإشاعات بوتيرة سريعة في مخيمات اللجوء. لكنه يعرف أيضاً كيفية تحويل مجرد مسودة إلى نظام لجوء جوهري. ويقول: «أنا على ثقة بأن الأشياء ستسير سيراً حسناً في اليونان». كما أن فيرنر مغرم بتزيين شروحاته بمصطلحات يستقيها مباشرة من كتاب وصفات الشركة الاستشارية. ويقول إن عملية يوم الاثنين كانت، من حيث المبدأ على الأقل، رمزية وتهدف إلى اختبار النظام الجديد.

وهو يتحدث عن «بداية ناعمة». ويقول إن الخطوة التالية هي ملء هيكل جديد كامل بالموظفين الضروريين، وتقرير ما إذا النظام يعمل، ثمّ المضي قدماً إلى «العيش معه». وسوف يبقى الموظفون المشاركون في الاختبار وسيجري استكمالهم بموظفين مدرّبين إضافيين.

ويقول فيرنر: «لدينا عدد من الناس الذين تجب معالجة طلباتهم، ويجب أن تكون فرقنا قادرة على إنجاز مستوى رفيع من الإنتاجية بشكل سريع». ويشير إلى أنه يجب تغذية هذه العملية الاستكشافية الرائدة بالمزيد من الموظفين الذين سيعملون في خدمة المسؤولين اليونانيين. ويخلص إلى أنه متأكد من أن الصفقة مع تركيا سوف تعمل.

ويضيف فيرنر: «بالنسبة إلينا، فإن السؤال الملحّ هو ماذا سيحدث عندما تنشر الأخبار عن إعادة اللاجئين في المخيمات في تركيا. ويقارن ذلك بالقرار عن إعلان ألبانيا وكوسوفو بلدَي أصل آمنين. ومتى ما تم ذلك، فإن عدد الساعين إلى اللجوء من تلك البلدان انخفض على نحو درامي.

هل تعد تركيا حقاً بلدَ أصل آمناً؟

ولكن، وحتى إذا نجح الاتحاد الأوروبي في امتلاك اليد العليا في الشؤون اللوجستية، فإن من الممكن أن تواجه الصفقة تحدّيات قانونية. فلغاية خفض أعداد اللاجئين على المدى الطويل، لن يكون إرسال باكستانيين ومغاربة فقط إلى تركيا كافياً. وعلى السلطات أن تشرع في إبعاد أعداد كبيرة من السوريين الذين حصلوا على معدل 100 في المئة تقريباً من الحصول على حماية اللجوء في أوروبا السنة الماضية.

تشكل الصفقة إشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي ينظر إلى تركيا كبلد منشأ آمن. ويعني ذلك أن طلبات اللاجئين الذين يسافرون إلى اليونان عبر تركيا قد ترفض. لكن ما يبقى قيد التساؤل هو ما إذا كان هذا الخط من الحجة سيصمد أمام المحكمة. ويحاجج الخبراء من ناحيتهم بأن تركيا تفشل في الوفاء بسلسلة من أدنى المعايير التي يتطلبها قانون اللجوء الأوروبي. وعندما وقعت على معاهدة جنيف حول اللاجئين، احتفظت أنقرة بحدّ جغرافي ينصّ على أن أولئك الذين يهربون نتيجة تطورات في أوروبا فقط يجب أن يمنحوا صفة اللجوء. وصنعت الحكومة استثناءات للسوريين، لكن كل الآخرين أُجبروا على تدبر أمورهم من دون مساعدة الدولة.

تتنبأ لويس أمتسبيرغ، الناطقة بلسان سياسة اللجوء في مجموعة حزب الخضر في البندستاغ، البرلمان الفدرالي الألماني، بأنه لن يُتاح للصفقة أن تصمد أمام محكمة العدل الأوروبية. وكانت أمتسبيرغ قد زارت ليسبوس الأسبوع الماضي. وهناك أعضاء في الحكومة اليونانية نفسها ممّن ينظرون إلى الصفقة بتشكك. وفي هذا الصدد، قال وزير الداخلية اليوناني لـ«دير شبيغل»: «إذا وجدنا أن تركيا لا تفي بالمعيار الذي وضعناه لها لتأمين حقوق اللجوء، فإننا لن نكون قادرين على إعادة أيّ أشخاص آخرين».

وكانت منظمات حقوق الإنسان، مثل «برو أسيل» في ألمانيا قد أعلنت أصلاً عن نيّتها تقديم الدعم للاجئين الذين يريدون إقامة دعاوى في المحاكم الأوروبية. وإذا حكم القضاة بتعليق حالات الإبعاد، فسوف يتهاوى الأثر الرادع للصفقة في الحال وستكون منتهية.

يشرح شام محمد، الباكستاني، أن عائلته وراء في الوطن تتعرض للاضطهاد من جانب عصابة إجرامية. ويقول إن العصابة أطلقت النار على ساق والده وجرحت عمه. وهو يعتقد أنه هو أيضاً معرض للخطر. ويدّعي أنه اختطف بينما كان في الرحلة إلى ليسبوس وعُذّب، حتى أنه يعرض ما يقول إنها ندوب نتجت عن ذلك التعذيب على كوعه.

من أجل مراجعة طلب اللجوء الخاص بمحمد، فإن عليه أن يواجه عدداً كبيراً من الأسئلة التفصيلية. وتقول المحامية الأميركية كافيتا كابور، 30 سنة، والتي سبق أن عملت مع وكالات حكومية إضافة إلى وكالة اللجوء التابعة للأمم المتحدة: من الممكن أن يقضي مسؤول لجوء بخبرة متوسطة المستوى يوماً بكامله في مراجعة حالة كهذه. وتتواجد كابور هنا بسبب خوفها على حقوق اللاجئين.

وكابور هي من المراقبين المستقلين القلة المسموح لهم بالتحرك بحرّية في داخل مخيم موريا. وهي تتحدث الأردية أيضاً لغة التعامل في باكستان. وتقول إن ضباط الشرطة، وهم الوحيدون المخوّلون بأخذ المهاجرين إلى مراكز تسجيل اللجوء، لا يستطيعون حتى فهم الرجال. وتدّعي أن مهاجرين آخرين وقفوا خارج المكتب لأيام ولم يستطيعوا الدخول إليه خلال ساعات العمل.

وتقول كابور: أعتقد أن الحكومة تبذل قصارى جهودها، لكن لدى اليونان دائماً نظام لجوء ضعيف جداً. وتخلص إلى القول: «يجب عدم إبعاد أحد قبل أن يضعوا نظام هجرة مناسباً».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى