نعيم الخطيب يزاوج بين السخرية والمرارة في «حيّا يُسرق»
كتب عوّاد علي: أن تكتب بدم ضحايا الحرب ودموع الأطفال وصراخ المقاومين، أن تكتب تحت القصف وبين مخالب الحصار، أن تكتب الإنسان الفلسطيني في غزة، لا بد من أن تمتلك طاقة فيضان يمزج كل شيء ببعضه ليعيد تشكيل الجغرافيا والمناخ من جديد. هكذا هو القاص نعيم الخطيب القاص والكاتب المسرحي الفلسطيني المولود في رفح عام 1968، والمقيم في غزة، رافعاً قلمه شاهداً على التاريخ، قلمه الذي يكتب سرداً لكنه غير آبه بالأجناس، ومن مؤلفاته مجموعتان قصصيتان، «على الغارب» و«حيّا يُسرق».
يسرد القاص الغزاوي نعيم الخطيب في عدد من نصوصه وقصصه القصيرة جداً التي يضمها كتابه «حيّاً يُسرق»، الصادر لدى «دار فضاءات للنشر»، عمان، بأسلوب يتداخل فيه الواقعي والأسطوري والمجازي، فيصور لنا على نحو عميق بطولة الفلسطيني المقاوم في قطاع غزة، ومعاناة أهل القطاع وصمودهم أمام العدوان «الإسرائيلي» المتكرر، والحصار الظالم الذي يخنق مدنهم وقراهم.
في قصة «أمّا أخته» يحكي الراوي العليم بضمير الغائب لحظة وداع أب وأم لابنهما الأكثر وداعة وذكاء بين إخوته، لكنه يمتشق بندقيةً ويرتدي لباساً أخضر، ذاهباً إلى الحرب دفاعا عن غزة. حين ينفجر قربه صاروخ يطلقه الجيش «الإسرائيلي» على التلة لا تملك أخته التوأم إلاّ أن تصرخ لتُخرِس صوت الانفجار، كتعبير مجازي عن المقاومة. «أمّا أصحابه فقد انتظروه وصاروخ الطائرة فوق تلك التلة ساعة اقتحام الجيش. كانت خطّتهم واضحة المعالم: تبادل الوصايا».
في قصة «استطلاع للرأي» يزاوج الخطيب بين السخرية والمرارة، على طريقة الكوميديا السوداء: يفضح التواطؤ الأميركي مع «إسرائيل»، عبر سرد معاناة فلسطيني يحمل الجنسية الأميركية في غزة، خلال الحرب التي شنها جيش الاحتلال على القاطع. إذ يتعرض الحي الذي يسكن فيه هو وابنته إلى القصف، وحين يستنجد بالقنصل الأميركي في القدس، طالباً منه أن يتدخل لحماية بيته، يأتيه الجواب عبر أكثر من موظف، بعد وقت طويل واستجواب مملّ وتسويف مكشوف، مبيناً له أن أسرته مسجّلة لدى القنصلية «من أجل الإخلاء من البلد»، فيرد الغزاوي ساخراً: «عفواً! أنا كنت قد طلبت فقط الإخلاء من أحد مواقع القصف/ الموت في حينه». ويستمر الحوار بينهما:
«- عذراً! لم أسمعك جيداً، السماعة لزجة بعض الشيء. هل ما زلت راغباً في الإخلاء؟ هناك إجراءات يجب استيفاؤها».
– لا عليك من الإخلاء، يبدو أن جميعكم يلثغ في حرف الراء.
– عفوًا! السّماعة صارت أكثر لزوجة.
– لا عليك.
– عفواً
– لا عليك، هذا مجرّد بصاق».
أما في قصة «ليس في مدينتي جبل» فيظهر السارد المشارك حزيناً لعدم وجود جبل في مدينة غزة، وكبر ليعي أنّ مشكلته هذه واجهتها قبله بجيل دائرة المساحة الملكيّة البريطانيّة، عندما رسمت فلسطين. لكن في النهاية نمت للمدينة عين ثانية يوم غفت عين الحارس، فنما جبلٌ في الخريطة.
ينحو الخطيب في نص «البحر» إلى عالم الطفولة في غزة، إذ يخاطب فيه صبي والده، طالباً منه أن يأخذه إلى البحر يوم الجمعة لأنه يحبه، ويعده بأن يغير طباعه إلى الأفضل في علاقته مع أسرته، وأن يجمع الصَدف ويصنع منها عِقداً لأمّه وأخته ويحافظَ على ألعابه ولا يزعج أحداً. لكن حلم الصبي بالذهاب الى البحر يتحول في النهاية إلى كابوس «أبي، أخافُ البحرَ خذني إليك». فيغدو البحر هنا علامةً أو فضاءً قابلاً لاحتمالات تأويلية شتى «أبي سماء البحر سوداء رمل البحر أسود».
في قصص أخرى تحضر غزة في صور مختلفة، طبقاً لرؤى الشخصيات القصصية والرواة، ففي «دمى، قصاصات، صور» تشكل فضاءً لجأت إليه أسرة الراوية الصبية يارا، ذات الأحد عشر عاماً بعدما خسرت بيتها في مكان آخر من فلسطين خلال الحرب. وفي «الحقيبة» تظهر غزة محاصرة معزولة، لا يشمل فضاءها دليل الإجراءات اليوميّ لشركات الطيران، بينما يشمل معبر «أيرز»، حينما تضيع حقيبة الغزاوي في إحدى الرحلات الجوية. وفي قصة «لا تشبهني» يصوّر بطلها الغزاوي الذي يدرس في جامعة أميركية، رعب فتاة سمراء مؤيدة لـ«إسرائيل» من اسم «غزة»، فتجفل وتتلعثم حين تسمعه اعتقاداً منها، بسبب الدعاية الصهيونية، أنها مدينة «إرهابية»، فيرد عليها الغزاوي رداً بليغاً «بالإضافة إلى الموت، نقوم هناك بأشياءَ أخرى».