بويز: لا انتخابات رئاسية قبل انخفاض حدّة الصراع بين طهران والرياض وحزب الله أمام خيارات عدة
حاورته روزانا رمال ـ تحرير محمد حميّة
أكد وزير الخارجية اللبناني الأسبق فارس بويز أنّ «الولايات المتحدة والغرب اليوم يتخبّطون في التعامل مع الأزمة السورية ولم ينجحوا في خلق معارضة سورية واقعية توازي قوة النظام على الأرض، رغم كلّ الأموال والتدريب اللذين تلقتهما، ما يشكل أكبر فشل للغرب منذ بداية الأحداث في سورية»، موضحاً أنّ سيطرة تنظيمي «داعش» و«النصرة» على مساحات واسعة في سورية وغيابهما عن طاولة الحوار السوري – السوري «يشكل علة هذه المفاوضات لعدم وجود قوة معارضة فاعلة على الأرض قادرة على تنفيذ أي اتفاق مع النظام»، متوقعاً «أن تتعامل أي إدارة أميركية جديدة مع الأزمة السورية وفقاً لموازين القوى الموجودة».
وانتقد السياسة السعودية في المنطقة، تحديداً في لبنان، واصفاً إياها بـ«غير الحكيمة». وتساءل: «إذا كانت السعودية فعلاً صادقة في مواجهة الإرهاب، هل من الحكمة والعقل أن توقف المساعدات المالية للجيش اللبناني في الوقت الذي يخوض فيه مواجهة مع الإرهاب؟ ماذا حلّ بحلفائها في لبنان نتيجة هذه السياسة الجديدة؟ لقد انهار هذا الفريق وانهار معه توازن كان قائماً في لبنان في السابق».
وشدّد بويز على «أنّ لبنان لم يستطع أن يتجاوب مع السعودية في موضوع الاصطفاف ضدّ حزب الله لأنّ الحزب قوة لبنانية مقاومة حرّرت الجنوب ودفعت الشهداء، ووضع لبنان ضدّ حزب الله يدفعه نحو حرب أهلية، وبين المساعدات والسلم والاستقرار يختار لبنان السلم والاستقرار».
وفي الشأن الرئاسي، جزم وزير الخارجية الأسبق بأنه «لا يمكن أن تُحلّ أزمة رئاسة الجمهورية في لبنان ما لم ينخفض حجم الصراع الإيراني – السعودي «، معتبراً أنّ «التحالف بين حزب الله ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون استراتيجي، بينما ترشيح رئيس تيار المردة الوزير سليمان فرنجية جاء في وقت لا يستطيع حزب الله فكّ تحالفه مع عون». ورجّح بويز «أن يبقى حزب الله على تحالفه مع عون لكنه، في الوقت عينه، لن يقف ضدّ وصول فرنجية إذا ما أخذ ضمانات بكيفية تعاطي الرئيس سعد الحريري إنْ أتى رئيساً للحكومة، كما يمكن أن يقبل بفكرة الرئيس الوسطي إذا انخفض حجم الصراع الإقليمي».
وفي ما يلي نص الحوار كاملاً..
ما هي الأسباب التي أدّت إلى كلّ هذه الفوضى والحروب والأزمات في منطقة الشرق الأوسط برأيك؟ هل هو ما يسمّى الربيع العربي؟
زعزعة منطقة الشرق الأوسط بدأت قبل ما يُسمى الربيع العربي، فمنذ العام 2000 وحتى العام 2003 خلال الغزو الأميركي للعراق، تعرّض الرئيس السوري بشار الأسد حينها لعدد من الإنذارات، لا سيما من «إسرائيل» وكان الإنذار الأخير بعد حرب تموز 2006 لقطع علاقاته مع إيران وحزب الله، وحين لم يستجب تقرّرت الحرب على سورية، فحجم الاعتراض الشعبي في الدول العربية التي حدثت فيها «ثورات» لم يكن كذلك لولا دخول الغرب برمته و«إسرائيل» في عملية زعزعة الوضع في المنطقة وإسقاط الأنظمة القومية العربية واستبدالها بحالة التطرف التي تعمِّم الفوضى في المنطقة وتدمِّر الكيانات وهذا ما حصل، وبذلك تنتهي القضية العربية الفلسطينية والحقوق العربية وتصبح «إسرائيل» قادرة على فرض السلام والتطبيع اللذين تريدهما مع عدد من الدول المنطقة، وفي سياق ذلك استُعملت بعض الثورات العربية البريئة وتمّ تضخيم أحجامها أضعافاً عبر عمل مخابراتي «إسرائيلي» بالدرجة الأولى، ودليل على ذلك ما حلّ بالجيش العراقي إسقاط الرئيس السابق صدام حسين في ظلّ وجود الاستخبارات «الاسرائيلية» وبوجود الجيش الأميركي في بغداد؟ هذا يقودنا إلى أنّ ولادة «داعش» كانت من رحم قرار حلّ الجيش العراقي، فهناك قرارٌ «إسرائيلي» منذ العام 2000 بتفكيك الأنظمة العربية المواجهة لـ«إسرائيل» وضرب القومية العربية واستعمل الموضوع الإرهابي السلفي المتطرف وقضية «الثورات» البريئة رغم تفهمنا لأسبابها ضدّ الأنظمة الفاسدة.
إذا كان سبب الحرب على سورية هو حزب الله كما تقول، فهل يستحقّ التخلص من حزب الله كلّ هذه الفوضى التي تعمّ المنطقة؟
إنّ دفع وتأجيج الصراع السني – الشيعي في المنطقة هو قرار «إسرائيلي» ولاحقاً تجاوزت اللعبة اللاعبين فراحوا يتخبّطون وبات من الصعب الخروج من هذا الواقع. وتحت عنوان التحريض الدولي على النفوذ الإيراني في المنطقة وتحت العنوان المذهبي، نجحت «إسرائيل» ومعها بعض حلفائها في بثّ روح الفتنة في المنطقة ذات الطابع الطائفي والمذهبي والسياسي، وفجأة اكتُشف أنّ حزب الله حزب إرهابي رغم أنه موجود منذ العام 1982. وهنا نسأل: إن كان كذلك، لماذا تعاطت معه بعض دول المنطقة كلّ هذه الفترة السابقة؟ السبب الوحيد لوصفه بالإرهاب هو أنه شارك في الحرب السورية، وإلا لماذا هذا الاهتمام المفاجئ بسورية رغم أنّ كل العالم تعاطى معها منذ 35 عاماً؟ «إسرائيل» هي المستفيد الوحيد من الواقع السوري وبقي أمامها حزب الله وصواريخه وكلّ الخلاف «الإسرائيلي» مع الرئيس الأميركي باراك أوباما اليوم هو بسبب تحرير إيران من العقوبات بتوقيع الاتفاق النووي معها من دون أن يُطلب منها تجريد حزب الله من صواريخه؟ «إسرائيل» وقعت في الفخ التي نصبته، هي اخترعت مشكلة نووية غير موجودة مع إيران التي لا قدرة لها خلال العشر سنوات المقبلة على امتلاك السلاح النووي لكنها فاوضت على موضوع لم تمتلكه ولا تريد أن تمتلكه في وقت قريب.
لماذا وقع أوباما الاتفاق مع إيران برأيك؟
أوباما اعتبر أنّ من مصلحة أميركا توقيع الاتفاق مع إيران لحاجة أميركا إلى تفاهم معها حول العراق، كما اكتشفت أميركا أنّ الوحش الإرهابي أصبح وحشاً حقيقياً يهدّد العالم وقرّرت ضربه، وبالتالي هي في حاجة إلى مساعدة إيران في التصدّي للإرهاب الجديد. أوباما يواجه اليوم «إسرائيل» واللوبي الصهيوني في أميركا ورواسب المحافظين الجُدد، وما حصل في سورية هو أنّ الغرب قرّر، بدفع «إسرائيلي»، إسقاط النظام لكنه لم ينجح في خلق معارضة مقبولة، فنشأت معادلة نظام بشار الأسد أو «داعش» و«النصرة» فأُحرج الغرب واضطر إلى تخفيف اللهجة ضدّ نظام الرئيس الأسد لأنه إذا سقط الأخير سيتسلم «داعش» الأرض فلا «معارضة معتدلة» موجودة على الأرض بل فقط في الإعلام. النظام لديه أرض تفاوض و«داعش» و«النصرة» لديهما أرض لكنهما لا يفاوضان وهذه علة مفاوضات جنيف.
هل ترى أنّ توقيع الاتفاق النووي مؤشر لحلّ أزمات المنطقة؟
ـ نجحت إيران، رغم الحصار، في فرض نفسها وبعد توقيع الاتفاق بات متاحاً الحوار والتفاهم معها بملفات أخرى، وأوباما كان يأمل أن ينعكس هذا الاتفاق في العراق وسورية ومع حزب الله لكنّ الاتفاق لم يعط مفاعيله الكاملة بسبب الضغط «الإسرائيلي» الذي مورس على أميركا وثانياً الهجوم الكبير على أوباما الذي أضعف ديناميكيته لتنفيذ الاتفاق وثالثاً المعارضة الموجودة في الكونغرس.
كيف تقرأ التصعيد السعودي ضدّ حزب الله؟ وما هو تفسير أن تضع دولة كالسعودية ثقلها في هذه المواجهة؟
هناك أسباب عدة، أولها أنّ بعض الدول الخليجية وقعت في فخ «الإسرائيلي» الذي حرّض على حزب الله، وثانيها أنّ تلك الدول شعرت بأنّ إيران باتت تهدّد مصالحها في المنطقة، أما السبب الثالث فهو أنّ بعض دول الخليج انجرفت مع سياسة المحافظين الجُدد في أميركا التي تقضي بمواجهة إيران، وعندما انسحبت أميركا من هذه المواجهة وجدت هذه الدول نفسها وحيدة في المواجهة، وباتت تتلقى النصائح الأميركية بالتفاهم مع إيران، وهناك سبب رابع وهو أنّ هناك جيلاً جديداً من العائلة الحاكمة في السعودية ربما لا يشبه الجيل القديم الذي كانت لديه حنكة وحكمة ومعرفة بالوضعين العربي والإسلامي. فهل من الحكمة والعقل من السعودية إذا كانت فعلاً صادقة في مواجهة الإرهاب أن تُوقف المساعدات المالية للجيش اللبناني في الوقت الذي يخوض فيه مواجهة مع الارهاب؟ وماذا حلّ بحلفائها في لبنان نتيجة هذه السياسة الجديدة؟ لقد انهار هذا الفريق وانهار معه توازن كان قائماً في لبنان. السياسة السعودية في لبنان والمنطقة ليست حكيمة، رغم أنّ لبنان لم يتجاوب مع السعودية في موضوع الاصطفاف ضدّ حزب الله ولا يستطيع ذلك لأنّ الحزب قوة لبنانية مقاومة حرّرت الجنوب ودفعت الشهداء، ووضع لبنان في مواجهة حزب الله يدفعه إلى حرب أهلية، وبين المساعدات والسلم والاستقرار يختار لبنان السلم والاستقرار.
كوزير خارجية سابق، كيف ترى ثنائية وزيري الخارجية الأميركي والروسي جون كيري وسيرغي لافروف، لا سيما أنّ إدارة أوباما سترحل بعد أشهر، وهل ستعود المفاوضات في الملفات إلى نقطة الصفر مع إدارة جديدة، لا سيما ملف سورية؟
لا أحد يستطيع التكهُّن من يكون الرئيس الأميركي الجديد أو حول سياسة واشنطن حيال المفاوضات السورية، ولكن أتوقع أنّ أي إدارة أميركية جديدة ستتعاطى مع موزاين القوى الواقعية في سورية. المشكلة اليوم أنّ أميركا والغرب يتخبطان ولم ينجحا في خلق معارضة سورية قوية وواقعية على الأرض رغم الأموال والتدريب. وما يُسمّى «المعارضة المعتدلة» لا تملك على الأرض نفوذاً على مستوى الحالة الشعبية ولا الجغرافيا العسكرية وهذا أكبر فشل للغرب منذ بداية الأحداث في سورية حتى الآن، وهو لا يعرفون كيف سيتعاطى مع «داعش».
هل هناك قرار دولي جدّي بمكافحة الإرهاب؟ ولماذا لا يتمّ القضاء على «داعش» في جميع المناطق في سورية؟ ولماذا قلصت روسيا قواتها؟
– روسيا قسمت سورية إلى قسمين: المدن الكبرى الغربية – الساحلية والمنطقة الشرقية التي معظمها صحارى ومن الصعب عسكرياً السيطرة عليها، واعتبرت أنها حرّرت الجانب الغربي وهي تترك لأميركا القضاء على «داعش» في المنطقة الشرقية المحاذية للعراق الذي يعنيها. التدخل الروسي منذ البداية لم يكن لحماية النظام ولا لحماية قاعدة طرطوس، بل أدركت روسيا أنّ تدهور الوضع في سورية وانتشار وانتصار القوى المتطرفة والإرهابية سيؤدي إلى تمدّدها إلى آسيا الوسطى أي إلى 12 جمهورية ذات طابع إسلامي، فقرّرت ألا تقاتل الإرهاب في موسكو بل في وكره في سورية وهذا فرض حماية النظام.
كيف تقرأ الموقف «الإسرائيلي» في شأن الجولان وهل ستحتاج التسويات إلى عملية عسكرية «إسرائيلية» على حزب الله أو على سورية للدخول في المفاوضات؟
ثبت لـ«إسرائيل» أنه بعد العام 2006 بات من الصعب القضاء على حزب الله عبر الحرب العسكرية لأسباب عدة ولن تذهب إليها من دون نتائج مضمونة بالانتصار، كما أنها لا تمتلك وسائل عسكرية تمكنها من توجيه ضربة قاضية لحزب الله، خصوصاً بعد أن ثبت أنّ الحزب يمتلك عدداً كبيراً من الصواريخ، وقسم كبير منها متوسط وبعيد المدى يطال كلّ المدن في فلسطين المحتلة ويهدّد المرافق الكيميائية والنووية في «إسرائيل» وقد يستعملها حزب الله في حال اندلعت الحرب. أما في شأن الموقف «الإسرائيلي» من الجولان فهو تتمة طبيعية للسياسة «الإسرائيلية» منذ العام 2000 ونتائج ضرب الأمة العربية، وقرار نتانياهو بضمّ الجولان لم يلقَ ضجة عالمية بسبب اهتمام العالم بـ«داعش». العالم كله اليوم يخاف من «داعش» إلا «إسرائيل» و«داعش» يهدّد العالم ولا يخرج منه تصريح واحد ضدّ «إسرائيل»!
هل سيُبصر رئيس الجمهورية اللبناني النور قريباًَ؟ وماذا يعني أن يكون المرشحان من فريق 8 آذار؟
لا يمكن أن تحل أزمة رئاسة الجمهورية، ما لم ينخفض حجم الصراع الإيراني ـ السعودي. لبنان يشهد اصطفافاً مطلقاً لم يشهده من قبل من معظم القوى السياسية بين طهران والرياض. فحزب الله بحاجة إلى تحالف مع قوة مسيحية، لاعتبارات وطنية وطائفية، لذلك تحالف مع العماد عون في ظلّ الصراع السني الشيعي، وهذا التحالف مقدّس واستراتيجي بالنسبة إليه، وإنْ كلف عدم الانتخاب. أما ترشيح الوزير فرنجية فجاء في وقت لا يستطيع حزب الله فكّ تحالفه مع عون، لذلك لن يتنازل حزب الله عن عون ولا يستطيع الإتيان به لأنه لا يحظى بالأكثرية العددية ولا بالميثاقية، أما الرئيس الحريري فقد شعر بأنّ وضعه المادي والسياسي على المحكّ، وأنّ العودة إلى السلطة تتطلب أن يتقاسمها مع 8 آذار ويرشح أحد منها مقابل أن يأتي هو رئيساً للحكومة وأدرك أنّ زمن الإتيان بمرشح من 14 آذار قد ولى، فقام بترشيح فرنجية لأنه يلبّي هذه المعادلة، وإذ بحزب الله لا يستطيع الخروج من تحالفه مع عون في ظلّ الأوضاع الإقليمية. أمام حزب الله خيارات عدة، إما أن يبقى مع عون لكن لا يحارب إعادة تعويم فرنجية، وإما أن يتقبّل فرنجية شرط أن يأخذ ضمانات بكيفية تعاطي الحريري إنْ أتى رئيساً للحكومة، أو لا يحضر حزب الله جلسة انتخاب فرنجية ويتضامن مع عون، أو أن يتقبّل فكرة مرشح وسطي مقابل رئيس حكومة مستقلّ عندما ينخفض الصراع في المنطقة.