تقرير

كتب بلال صعب في مجلة «فورين آفيرز» الأميركية: تستخدم كلمة «حليف» حتى الآن بطريقة عشوائية تماماً في معجم واشنطن الخاص بالشرق الأوسط. وقد حان الوقت للتخلّص من هذه العادة السيئة، لأن الحقيقة، أن لا تحالفات للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، باستثناء تركيا ـ الدولة العضو في الناتو ـ حتى ولو تحالف واحد مع أي بلد شرق أوسطي. وبينما يقترب موعد انعقاد قمة الولايات المتحدة ـ دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، فإن فهم ما يشكل تحالفاً حقاً لا يمكن أن يكون أكثر أهمية مما هو الآن.

لا يعني هذا القول أنه يجب ألا تكون للولايات تحالفات في المنطقة. لكن الواقع الموضوعي أنها لا تصنع مثل هذه التحالفات. وتُلحق إساءة تشخيص واشنطن المتكرّرة لروابطها مع بعض العواصم الشرق أوسطية ضرراً كبيراً بهذه العواصم، وبتوقعاتها من الولايات المتحدة، وبسياسات الولايات المتحدة الشاملة تجاه المنطقة. كما يغضب ذلك من دون داعٍ تلك الدول التي تحتفظ بتحالفات حقيقية مع الولايات المتحدة.

تستخدم كلمتا «الشراكة» و«التحالف» بالتبادل في نقاشات السياسة العامة الأميركية وكأنهما مترادفتان. لكن الفرق بينهما حقيقي. فإذا كان بلدان أو أكثر حلفاء، وبذلك مشتركين في معاهدة للدفاع المشترك، فإن ذلك يعني أن الواحدة تكون ملتزمة قانونياً بأمن الأخرى، والعكس صحيح. وباختصار، سوف تساهم الدولة الداخلة في تحالف بالدفاع عن الأخرى إذا تعرضت إلى هجوم. وتأتي مع مثل هذه المعاهدة بشكل عام مقرات دائمة، وبعثات دبلوماسية، ومجموعة من البنى التحتية والعمليات الداعمة. وفي الولايات المتحدة، تتطلب معاهدات الدفاع المشترك موافقة مجلس الشيوخ ومصادقته. وأبرز مثال على ذلك هو حلف الناتو.

أما إذا اشترك بلدان في شراكة أمنية، فإنهما لا يكونان ملزمين في العادة بدفاع واحدهما عن الآخر إذا تعرض أي منهما للهجوم. وفي معظم الحالات ـ إذا لم يكن كلها ـ لا يوقع الشركاء اتفاقيات دفاع مشترك، ولو أنهم ينخرطون في أشكال مختلفة من التعاون الأمني. ولا تأتي مثل هذه العلاقات مع بنية تحتية كبيرة. ولعل أبرز الأمثلة هنا هي شراكات الولايات المتحدة الأمنية مع دول مجلس التعاون الخليجي.

ولكن، وعلى رغم التمييز الواضح، أشار الرؤساء الأميركيون وكبار مستشاريهم العسكريين والسياسيين خطأ وعلى مدى عقود إلى عدد كبير من دول الشرق الأوسط التي لديها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة على أنها حلفاء. ويوم 5 آب 2015، على سبيل المثال، ألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما خطاباً في الجامعة الأميركية، وقال فيه: «إن ميزانية إيران الدفاعية هي أصغر بثماني مرات من الميزانية المجتمعة لحلفائنا الخليجيين». كما وصف وزير دفاعه، آشتون كارتر، بلدان الخليج العربي بالتحديد أيضاً بأنها حلفاء في ثلاث مناسبات أخيرة منفصلة: في كانون الثاني لهذا العام في ملاحظات على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس وفي 6 تشرين الثاني 2015، في مقال نشره جيفري غولدبيرغ في مجلة «أتلانتك» ثم في طريقه إلى «تل أبيب» يوم 19 تموز 2015 في الحقيقة، قال ذلك أربع مرات خلال ذلك الخطاب نفسه . كما ارتكب وزير الخارجية، جون كيري، الخطأ نفسه يوم 24 كانون الثاني في السفارة الأميركية في الرياض، حين قال: «لدينا… تحالف واضح… مع المملكة العربية السعودية كما كان دائماً».

ولم تكن الإدارات السابقة أفضل حالاً. فقد أخطأ الرؤساء جورج دبليو بوش، وبيل كلينتون، وجورج بوش الأب، ورونالد ريغان، وجيمي كارتر ومسؤولوهم للأمن القومي أيضاً، وفي عدد من المناسبات. وفي الكابيتول هيل، يشير الكونغرس باستمرار إلى دول شرق أوسطية على أنها حلفاء، مع أخذ «إسرائيل» حصة الأسد. وكان الإعلام الأميركي مذنباً أيضاً، حيث ترتكب معظم الصحف الأكثر احتراماً، بما فيها «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» بشكل متكرر أخطاء واقعية عندما يأتي الأمر إلى علاقاتنا مع دول في المنطقة. وبالنسبة إلى تعليقات المتخصّصين البارزين في الشرق الأوسط، من المستحيل تقريباً حساب عدد المرّات التي استخدمت فيها كلمة «حليف» في السياق الشرق أوسطي وأنا فعلت ذلك أيضاً . وبذلك، يتواجد هذا الخطأ في كل مكان.

ثمة سببان على الأقل لهذا الخطأ. أولاً، الارتباك. ربما لا يكون هناك أي شيء خبيث في ذلك. فعدم الدقة التاريخية والواقعية ليست شيئاً جديداً، سواء كان ذلك في الحديث أو الكتابة. وبما أنه ليس هناك في العادة أحد يشير إلى الخطأ، فإن الناس ربما يستمرون في ارتكابه. ثانياً، تخرج واشنطن في بعض الأحيان على سكتها في سبيل طمأنة الدول التي نهتم في شأنها والتي تشكك في التزامنا، من خلال وصفها بأنها حليفة، حتى عندما يكون القيام بذلك خطيراً وخطأ من الناحيتين التقنية والأخلاقية.

على أساس هذين السببين وربما غيرهما، يستطيع المرء إقامة الحجة بأن التمييز بين الشراكة والتحالف غير ذي صلة ومفرط في القانونية. فبعد كل شيء، إذا وقعت «إسرائيل»، الأردن، ومصر أو أيّ دولة خليجية تحت هجوم من إيران، فإن الولايات المتحدة لن تحتاج إلى قطعة ورق لكي تتدخل عسكرياً لتدافع عن أصدقائها. وفي عدد من الحالات، سوف تقوم بعمل في حقيقة الأمر. وكانت حرب 1990-1991 مثالاً على ذلك. لم تكن للكويت معاهدة دفاع مشترك مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، عندما قام عراق صدام بالغزو، تدخلت واشنطن ـ إلى جانب تحالف دولي بنته هي ـ بكل قوة وحزم.

لكن المعاهدة الدفاعية ـ العنصر الأكثر حسماً في التحالف بين الدول ـ ليست مجرد قطعة ورق غير مهمة وفائضة عن الحاجة. إنها آلية جادة، واضحة ومؤثرة ورسمية جداً، والتي تحدد الولايات المتحدة وفقها أولويات علاقاتها مع الدول الأخرى. إنها تمثل رسالة للخصوم، واضحة للغاية وقوية جداً عن الوحدة، وهي توفر أقوى أنواع الطمأنينية الأمنية للحلفاء. وبعد كل شيء، هناك سبب يجعل روسيا تحرص على عدم العبث مع أحد أعضاء حلف الناتو، لكنها تتصرف بثقة عندما يتعلق الأمر بفرض الطاعة على دول أوروبية غير أعضاء في حلف الناتو، مثل أوكرانيا، وجورجيا، والسويد وفنلندا.

من غير المرجح أن تكرر تجربة الكويت نفسها الآن. لم تعد تهديدات اليوم تتمثل في تشكيلات الدبابات التي تعبر الحدود والطغاة المجانين العاكفين على احتلال الأرض. سوف تخاض معارك الحاضر والمستقبل في الظلال وفي منطقة الأفكار، خصوصاً في الشرق الأوسط. وإضافة إلى ذلك، تملك الولايات المتحدة تفوقاً عسكرياً في المنطقة، والتي ستستمر في المساعدة على ردع الحروب التقليدية في ذلك الجزء من العالم. لكن إيران ما بعد رفع العقوبات يمكن أن تتصرف بطرق أكثر جرأة وأقل مسؤولية، والتي يمكن أن تفضي إلى نشوب صراع. وفي حال وقعت أي مواجهة بين إيران وأي شريك للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة ربما تتدخل، تماماً كما فعلت ضد صدام في السابق. لكنها قد لا تفعل أيضاً، ببساطة لأنها ليست ملزمة قانوناً بالقيام بذلك، نظراً إلى عدم وجود معاهدة دفاع مشترك ملزمة للطرفين.

بطبيعة الحال، ليست المعاهدات الدفاعية شيكات على بياض بحيث يمكن صرفها وتحويلها إلى نقد تحت أي ظرف فعلى سبيل المثال: رفضت الولايات المتحدة مساعدة تايوان في جنمين ومازو عام 1955، ولم تذهب لنجدة الفرنسيين في ديان بيان فو عام 1954 . سوف تأخذ الولايات المتحدة، لا بل عليها أن تأخذ مصالحها الخاصة بعين الاعتبار. لكن عدم الالتزام بالمعاهدات الدفاعية قد يأتي بكلف سياسية خطيرة في الوطن، وبمخاطر كبيرة على السمعة في الخارج أيضاً. ولو تراجعت الولايات المتحدة عن الوفاء بالتزاماتها الأمنية تجاه أي حليف في الناتو، كبيراً كان أم صغيراً، فإنها ستهدّد بشكل خطير وحدة التحالف وبقاءه. وينطبق الأمر نفسه على حلفاء الولايات المتحدة في آسيا، وأميركا اللاتينية وباقي الأماكن.

في القمة المرتقبة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، يمكن أن يسدي الرئيس أوباما للرؤساء الأميركيين القادمين، وقادة الخليج، والعلاقة الأميركية ـ الخليجية، معروفاً كبيراً بالافتراق عن الماضي والإحجام عن الإدلاء بتصريحات ـ عامة أو خاصة ـ تشير إلى أيّ دولة خليجية على أنها حليف. فذلك الوصف يديم واقعاً زائفاً عن أمم ليست مرتبطة بمعاهدات دفاع مشترك. وعلى أوباما ونظرائه الخليجيين أن يناقشوا سبلاً وجداول زمنية لرفع مستوى العلاقات الأمنية بينهم. لكن عليهم إدراك أنهم، إلى أن يتم توقيع معاهدة دفاع، ليسوا حلفاء أنهم شركاء فحسب.

نُشر هذا التقرير بتاريخ 12/4/2016، أي قبل زيارة أوباما إلى الرياض.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى