العدوان على غزة والشارع العربي
حميدي العبدالله
لوحظ أنها المرة الأولى التي يقع فيها عدوان واسع ووحشيّ، ويستمرّ أكثر من عشرين يوماً، ويصل عدد الجرحى والشهداء إلى نحو 13 ألف بين شهيد وجريح ولم تخرج تظاهرة أو مسيرة شعبية حاشدة في الدول العربية الكبرى مثل مصر وبعض الدول، مثل المغرب وغيرهما.
في السنوات ما قبل «الربيع العربي» عندما وقع اعتداء «ثعلب الصحراء» على العراق عام 1998 خرجت التظاهرات الحاشدة في معظم العواصم العربية، وعندما وقع أكثر من اعتداء على غزة شهد المغرب ودول أخرى تظاهرات مليونية، وحتى مصر في ظل حسني مبارك حصلت فيها تظاهرات متفرقة واحتجاجات كثيرة فرضت على نظام مبارك رفع الحصار عن قطاع غزة في فترة العدوان، وفتح معبر رفح والسماح لقوافل الإغاثة بدخول القطاع.
إنها المرة الأولى، ورغم أن العدوان كان هو الأطول والأكثر وحشية، لم يحدث ما كان يحدث في السابق من تظاهرات، فلماذا؟
أولاً، الأنظمة التي حلت محل الأنظمة التي كانت حاكمة في فترة الاعتداءات السابقة، ليست أكثر ديكتاتورية وأكثر قدرة على ضبط الشارع، بدليل أن المسيرات تخرج في مصر يوميّاً ضد النظام الجديد، خاصة يوم الجمعة، وتخوض اشتباكات مع الشرطة ويسقط قتلى من جراء هذه الاشتباكات. فالمانع ليس ديكتاتورية الأنظمة ولا استحالة تسيير التظاهرات.
ثانياً، الأسباب الفعلية لرد الفعل الشعبي الضعيف تكمن في سببين أساسيين لا ثالث لهما:
السبب الأول أن ما سمي بـ«الربيع العربي»، كانت الكلمة الفصل فيه للحركات الإسلامية التي استحوذت على الشارع العربي، ما خلق أولويات جديدة ومفاهيم مختلفة عن السابق. فالأولويّات باتت لجماعات واسعة هي العمل ضد الأنظمة، فبالنسبة إلى هذه الحركات لا صوت يعلو على صوت المعركة مع الأنظمة حتى لو كانت المعركة الأخرى مع العدو الصهيوني لنصرة الشعب الفلسطيني العربي المسلم ولنصرة المسجد الأقصى. كما أن المفاهيم التي تسود الآن اصطنعت أعداءً داخل كل بلد عربي، فالصراع في ليبيا بين الجماعات المتحاربة للسيطرة على السلطة أهم من فلسطين، والصراع في تونس بين الدولة والتكفيريين هو الأساس، والصراع في سورية ضد الدولة السورية أو بين الجماعات الإسلامية التي يكفّر بعضها البعض هي المحرك لكل ما يجري هناك. وفي مصر فإن الأولويّة لمؤيدي الحركات الإسلامية إسقاط النظام، والأولويّة لمؤيدي النظام هي القضاء على الجماعات الإسلامية التي تؤيد «الإخوان المسلمين» والمتجمّعة في إطار ما يعرف بتحالف دعم الشرعية.
في ظل هذه الصراعات المتأججة لم تبقَ ثمة مكانة لفلسطين، ولا أي أولوية لمحاربة العدو الصهيوني والتضامن مع الشعب الفلسطيني.
السبب الثاني أن حركة حماس التي تتصدر مواجهة العدوان الصهيوني على قطاع غزة أدخلتها قيادتها في سنوات «الربيع العربي» بصراعات جانبية في مصر وسورية، وهذه الصراعات أثرت على مستوى الاندفاع الشعبي للتضامن مع غزة. صحيح أن القيادة السورية رفضت الوقوع في هذا الشرك، لكن الشرك وفر للقيادة المصرية الدعم الشعبي لاتخاذ موقف غير مسؤول إزاء ما يجري في غزة، وبالتالي كان أداء النظام الجديد أسوأ من أداء نظام مبارك لجهة دعم القضية الفلسطينية والوقوف في وجه العدوان «الإسرائيلي»، وتقديم الدعم إلى قطاع غزة المحاصر.