القامشلي.. مسرح اللامعقول
نظام مارديني
قد تتعدّد الرؤى أو تتناقض في تفسير مشهد ما حدث في القامشلي، غير أننا لا يمكن وصفه إلا بالمأساة والفوضى، ونتيجة طبيعية لغياب الدولة القائم منذ سنوات. حدث ما يحدث من سيناريو خارجي يجري تطبيقه على مسرح اللامعقول في الداخل. طريقة مفبركة، ولعبة خبيثة ستنعكس أولاً على البيادق التي وظفتها الاستخبارات الأميركية عند الجماعات كافة ونشدد عند الجماعات كافة ، ولكن هذا لن يستمر طويلاً!
عندما نشير بإصبع الاتهام إلى قوة مسيطرة أو حزب مسيطر، فهذا شيء طبيعي، لأن مَن يجب أن يتحمل المسؤولية بما يجري في القامشلي، والمسؤولية تقع على مَن يراقب انحراف حزب الاتحاد الديمقراطي عن تياره الأصلي ويبقى ساكتاً عليه، لكي يتطابق مع شعاراته التي ما انفكّ مناصرو الحزب يتغنون بها كمصطلح «الأمة الديمقراطية». يقول مؤسس حزب العمال الكردستاني القائد عبد الله أوجلان «السبيل في التحولِ إلى أمة يتحققُ بتحويلِ المجموعات المتمايزة أو المتشابهةِ في اللغةِ والثقافة إلى مجتمعٍ ديمقراطيٍّ ضمن نطاقِ المجتمعِ الأخلاقيِّ والسياسي، وذلك على أساسِ السياسةِ الديمقراطية. وفي هذا التحولِ إلى أمة، تَحتلُّ جميعُ القبائلِ والعشائر والأقوامِ وحتى العوائل مكانَها كمُكَوِّناتٍ قائمةٍ بذاتها ضمن المجتمعِ الأخلاقيِّ والسياسي، ناقِلةً غِناها في لَهَجاتِها وثقافاتِها إلى الأمة الجديدة. وفي هذه الأمة الجديدة، لا مكانَ بتاتاً لطغيانِ أو هيمنةِ طابعِ مجموعةٍ أثنيةٍ، أو مذهب، أو عقيدة، أو أيديولوجيةٍ ما بمفردِها». هكذا إذاً، ولكن هل هذا ما يحصل وما يقوم به حزب الاتحاد الديمقراطي؟
ما قاله أوجلان يؤكد التالي: ما قيمة القامشلي من دون البحاثة، الراحل تركي علي الربيعو، وابراهيم محمود وصراعهما الفكري؟ ما قيمة القامشلي من دون إبراهيم اليوسف وطه خليل ومردوك الشامي وطقوسهم الشعرية؟ ما قيمة القامشلي من دون محمد نديم وعبد الواحد علوني وأنطوان أبرط وقصصهم عن واقع مجتمعهم وبيئتهم؟ ما قيمة القامشلي من دون سمير ايشوع وأحمد شويش ووليد العمر ومسرحهم في الحياة؟ ما قيمة القامشلي من دون صوت آرام وسعيد يوسف وجان كارات ومحمد شيخو، المعبر عن تراث سورية المتعدّد والغني؟ ما قيمة القامشلي من دون رياض نعوم وفنر حاجو، ومحي الدين تمو، وكيغام مراد، وحارس المرمى غسان دريعي وناديهما الرياضي «الجهاد»، وصوتهما الإعلامي كميل سهدو؟ وما قيمة القامشلي من دون فولكلورها الغني والمتنوع: السرياني، الكردي، الماردلي، البدوي؟
لا تحتمل القامشلي أحادية عرقية أو مذهبية، لأن في ذلك موت صورتها المتنوعة أمام المدن السورية الأخرى؟
ما حصل في القامشلي، يبعث على الحزن والألم مرتين: مرة لما صار إليه هذا المواطن في هذه المدينة من حال صحية على مشارف الموت وحيداً في غربته عن نفسه وأخيه وهويته. ومرة ثانية لحال المبدع ونزوعه نحو العنصرية عموماً في غربته الخارجية أو في داخل وطنه، من دون اهتمام ورعاية مستحقة له ومحاورته.
المعقول هو الذي يقبله العقل وينسجم مع المنطق، واللامعقول هو الذي قد قد يهضمه العقل مع أنه لا ينسجم مع المنطق، أما ما بعد اللامعقول فهو الذي لا يقبله العقل ولا المنطق..
وما حدث ويحدث في المشهد «القامشلاوي».. هو لامعقول اللامعقول نفسه! كفى.