البيت الأبيض «تراجع» عن خيار إسقاط الأسد منذ سنة

روزانا رمّال

بوضوح يؤكد الرئيس الأميركي باراك أوباما نيته في نسف احتمال اللجوء إلى العمليات العسكرية في معرض البحث عن حلول للازمة السورية كتلك التي كان قد اقترحها عليه مستشاروه بداية الأزمة الذين كثفوا الاستشارات الدولية بهذا الإطار واستحصلوا على أكبر قدر ممكن من التأييد الدولي لإجراء عملية عسكرية يسقط على أساسها الرئيس السوري بشار الأسد على غرار تلك التي وقعت عليها واشنطن في ليبيا بالاشتراك مع دول الأطلسي. المتحدث باسم البيت الأبيض وفي مناسبتين منفصلتين يؤكد أنه لم يكن يعلم يوماً أن مسألة شن عملية على سورية لإسقاط الرئيس الأسد هي أولوية أميركية ويضيف أوباما اليوم إلى ما ذكره عن فخره من عدم قياده مثل هذه العملية في ما وثقه في «عقيدة أوباما» انه «سيكون من الخطأ ان ترسل الولايات المتحدة والدول الغربية قوات برية إلى سورية للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد».

هذا الخطأ الذي يتحدّث عنه أوباما ويُصرّ على تكراره لم يكن مطروحاً قبل توقيع الاتفاق النووي مع طهران وحلّ الأزمة النووية ومساعي واشنطن بتقريب وجهات النظر قدر المستطاع بينها وبين القيادة الإيرانية على أكثر من ملف وهي بهذا الإطار تقدّم ضمانات لإيران أو تطمينات عن رفع العقوبات الغربية عنها، وكان هذا محور محادثات وزيري خارجية إيران وأميركا باليومين الماضيين.

قبل توقيع الاتفاق النووي الإيراني كان ممكناً الحديث عن عملية عسكرية تستهدف سورية، لأنّ عرقلة الاتفاق أحد ابرز مؤشرات التصعيد والهيمنة الذي كانت واشنطن تطمح لتعميمه كخيار في حربها على سياسة بأكملها بين امتدادات وتحالفات، لكن لحظة التوقيع التي أتت بتماسك عوامل وتضافرها لمصلحة إيران بينها صمود الرئيس السوري بشار الأسد كحليف بجيش لا يزال قادراً على المواجهة، جعل القرار الأميركي بالانفتاح نحو هذا الخيار أسرع وهو الخيار الذي يأخذ واشنطن نحو الحلول المتتابعة والذي لا يمكن أن يتوقف عند حدود الاتفاق النووي لأسباب أساسية أبرزها:

أولاً: يؤشر توقيع الملف الإيراني أو الاتفاق عليه بين الغرب والإيرانيين على نيات إدخال إيران إلى الشرعية الدولية، أيّ انّ إيران التي كانت بالنسبة إليهم دولة خارجة عن القانون وباتت اليوم دولة تمارس مهامها الدولية ككيان شرعي قادر على التحرك السياسي والاقتصادي، ووفق ما تسمح به حريات الدول.

ثانياً: إن «إدخال» إيران إلى الشرعية الدولية يعني فتح الباب أمام «إدخالها» بالمفاوضات الرسمية الأممية المتعلقة بالشرق الأوسط والتي لا يمكن أن تتمّ من دون إعطائها الشرعية برفع صفة البلد المعزول عنها وتحويلها دولة إقليمية كبرى بمجرد تحرير الملف.

يلفت بهذا الإطار ومنذ لحظة توجه الأميركيين نحو مفاوضات فيينا وإيصال الملف إلى خواتيمه عجز أميركي صريح عن تخطي الأزمة النووية أولاً وتخطي الأزمات المتلاحقة المرتبطة ببعضها بعضاً ثانياً وأبرزها الأزمة السورية.

لم يكن وارداً إمكانية إدخال إيران في ملف المفاوضات رسمياً أمام المجتمع الدولي تحت أي مسمّى يجعل منها دولة قادرة على حل أو ربط نزاع نظراً لوقوعها ضمن هيكلية الدول غير المرغوب فيها دولياً وهي دول خارجة عن الشرعية الدولية، هذا ما تعيشه كوريا الشمالية اليوم وما عاشته إيران سابقاً.

كلّ هذا توقف عنده الأميركيون بشكل جعل إدارة أوباما تتخذ قرار رفع الحظر عن إيران رغم إعلانها «داعمة مجموعات إرهابية» وغض النظر عن مسمّيات دأبت إسرائيل على بثها عند الرأي العام الغربي جعلت بنيامين نتنياهو يتحدّى الرئيس الأميركي في خطابه التحريضي امام الكونغرس على إيران متجاهلاً رغباته.

قرار التوجه نحو الحلول السلمية أو الدبلوماسية في سورية ومعها العراق، أخذ قبل سنة لحظة توقيع الاتفاق النووي مع واشنطن التي أدركت عدم القدرة على تخطي إيران في ملفات العراق وأفغانستان وسورية بشكل أساس عوضاً عن البحرين ولبنان، واليمن لاحقاً، حيث رسم له أن يكون «ساحة إعادة التوازن»، فثبتت للأميركيين نجاعة الاعتراف بالهزيمة أمام التوجه للخيار الدبلوماسي بدلاً من الخيار العسكري أمام إيران وحلفائها بغضّ النظر عن أيّ تكتيك أو تصعيد اتخذته السعودية وتركيا كضرورة لتعزيز الحضور كأطراف مفاوضة تبتغي أكبر قدر ممكن من المكاسب في سورية بوجه الوفد السوري الذي يتوجّه في كلّ مرة نحو المفاوضات بجدية تجعله أكثر إقناعاً لدى الغرب بغياب المفاوض المعارض المتوازن ميدانياً وسياسياً.

قرار حلّ الأزمة السورية بالطرق السلمية أخذ لحظة توقيع الاتفاق النووي مع إيران، وليس العكس، أيّ أنّ توقيع الاتفاق ليس الذي استجلب نيات الحلول وقضى على الخيار العسكري بل هو العكس تماماً، حيث إنّ قرار حلّ الأزمة السورية سلمياً نتيجة العجز عن تثبيت قوى المعارضة وسيطرة الإرهاب جاء كمقدّمة وأساس تكوين القناعة الأميركية بضرورة حلّ الملف النووي الإيراني الذي لا يفسّر التوجّه إلى إيران غربياً من خلاله إلا لإجراء مباحثات حول «المزيد» وإلا لكان من مصلحة الغرب الإبقاء على إيران معزولة ومعاقبة حتى انهيار نظامها تدريجياً فتتحقق بذلك رغبة إسرائيل بالتخلص من مصدر دعم حركات المقاومة في الشرق الأوسط أبرزهم حزب الله.

قرار حلّ الأزمة السورية وضع واشنطن أمام حائط مسدود جعلها تتوجه نحو الدولة المفتاح التي لم يكن وارداً حضورها بالمحافل الدولية دون عودتها للشرعية الأممية رسمياً فتتسهّل بعدها باقي المخارج سياسياً وديبلوماسياً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى