سباق مسارَيْ حلب ونيويورك في حسم «حرب النصرة»… وتصعيد تركي سعودي مهلة بري للأطراف انتهت لحسم التشريع… والقضاء أمام امتحان «يوسف» اليوم
كتب المحرّر السياسي
تتجمّع المعادلات الدولية والإقليمية لتختزن معارك حلب وأريافها كلّ الصراعات والتجاذبات، لتكاد تحتلّ المكان التقليدي الذي احتلّه الملف النووي الإيراني لسنوات، كوعاء تسكب فيه كلّ النزاعات وتنتظر نتائج جولاته، ففي حلب مدينة وريفاً ومن حولها ريف اللاذقية الشمالي وصولاً إلى إدلب، إمارة تقودها «جبهة النصرة» كفرع رسمي لتنظيم «القاعدة»، شكلت أساس الرهان العلني لتركيا على إقامة ما درج المسؤولون الأتراك على تسميته بالمنطقة الآمنة وربطوه بمقايضة أزمة النازحين السوريين إلى أوروبا وإلا دفع الجزية المالية وفي المقابل شكلت هذه الإمارة الركيزة التي بنت عليها السعودية رصيداً وهمياً لفريقها السياسي الذي يستولي بدعم وتمويل سعوديين على يافطة المعارضة السورية، من دون وزن عسكري ولا قدرة شعبية، فيصير إصبع السعودية للعبث في الملف السوري متوقفاً على بقاء «جبهة النصرة» وإمارتها لتضخيم حجم معارضة الرياض، وتشكيل توازن عسكري في وجه الدولة السورية من جهة، والسعي عبر دمج الميليشيات بالجيش والمؤسسات الأمنية وسائر مؤسسات الدولة عبر العملية السياسية لتفخيخ الدولة السورية، وجعلها مشروع حروب متجدّدة تمسك السعودية بمقبضها، وبالنسبة لـ«إسرائيل» فإنّ «النصرة» هي حزامها الأمني كما يقول قادتها، ولذلك قال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في موسكو لماذا تستغربون قرارنا بضمّ الجولان فيما لا تحرّكون ساكناً أمام تقرّب حزب الله من خطوط الانتشار «الإسرائيلي» في الجولان وتسعون لحرمان «إسرائيل» من الحزام الأمني الذي تقيمه لحمايتها «جبهة النصرة»؟
تبدو ساعة «النصرة» تقترب، بعدما تلقى تنظيم «داعش» ضربة قاسية في تدمر، ويبدو الامتحان الأهمّ لمفهوم الهدنة التي تفاهمت عليها موسكو مع واشنطن، وكل شيء يدور تحت عنوان هل المعركة المقبلة مع النصرة أم مع المعارضة؟
تجمّد السعودية مسار التفاوض اليمني عند نقاط حرجة بانتظار تبلور توازنات معركة النصرة، وانعكاساتها على المشهد الإقليمي، مع الحفاظ على مواصلة المفاوضات، وتضع ثقلها لضمان جعل المواجهة في حلب وريفها تتمّ تحت عنوان اتهام الدولة السورية بانتهاك الهدنة، وترفع جماعتها من معارضة الرياض صوتها بهذا الاتجاه، بينما تجهد تركيا لربط المعركة بعنوان توطين اللاجئين السوريين في داخل سورية مستعيدة إلى الواجهة نظريتها عن المنطقة الآمنة، بحضور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي وعدت بدراسة الفكرة مجدداً، لأنّ البديل هو أتاوة وجزية
ستدفعهما أوروبا لتركيا، وقد بلغ الرقم ستة مليارات يورو، ونقلت ميركل لزائرها الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي اضطر لاستلحاق رسالته السابقة بلا واقعية التفكير بخيار عسكري يستهدف الرئيس السوري برسالة متمّمة تقول لا فرص لإقامة منطقة آمنة.
التواصل الروسي الأميركي يدور حول كيفية تطبيق التفاهمات المتصلة بالهدنة والعملية السياسية، وخصوصاً ما يعنيه فرز المعارضة عن النصرة، وهذا يستدعي تثبيت الهدنة في غير أماكن انتشار «النصرة»، وفرز الجماعات المسلحة المعارضة عنها في مناطق التداخل، ويدور الكلام هنا عن جيش الإسلام وأحرار الشام اللذين تتمسك موسكو بتصنيفهما إرهابيين، وعلى واشنطن إثبات استقلالهما عن النصرة، وليس تبني نظرية أنقرة والرياض بشمول مناطق النصرة بأحكام الهدنة بداعي التداخل مع الجماعات الأخرى، ويجري الاستعداد الأميركي الروسي الأممي لدعوة دول مسار فيينا الذين أقرّوا أحكام الهدنة في ميونيخ قبل شهرين للقاء نهاية الشهر الحالي في نيويورك، بينما تحشد تركيا والسعودية مالاً ورجالاً وسلاحاً وعتاداً لمعركة فاصلة تقول قبل نيويورك إن هناك جسماً عسكري متماسكاً شمالاً وجنوباً ووسطاً يرتضي تمثيل جماعة الرياض له في مفاوضات جنيف، تحت سقف الدعوة لهيئة حكم انتقالي وقادر على الالتزام بوقف النار شرط حصر الحرب على الإرهاب بداعش، وتساند فرنسا هذا التوجه، بينما يستعد الجيش السوري وحلفاؤه لجعل الأمر معكوساً، بمواجهة تقول إن زمن التمدد التركي في الجغرافيا السورية قد انتهى، ويبدو هذا بمثابة قرار روسي إيراني سوري مشترك، وعبر هذا المسار حسم مصير النصرة بضربة عسكرية تطال أحد معاقلها الحاسمة في ريف حلب أو داخل المدينة أو جوار إدلب وربما جسر الشغور، وبعدها تخيير الجماعات المسماة معارضة، بين ملاقاة مصير النصرة أو الانضباط بمعايير الهدنة كما وردت أساساً، والعودة إلى مسار جنيف كما ورد أساساً، لحكومة موحدة في ظل الرئاسة السورية وصلاحياتها الدستورية.
لبنانياً كما في المنطقة والعالم، العين على حلب، لكن لا بدّ من التفاصيل اللبنانية، حيث النقاش الرئاسي مستمرّ بمقترح رئاسة مؤقتة، وحيث مرونة غامضة للرئيس سعد الحريري، بقبول مَن ينتخب ويتفق عليه لأنّ الأهمّ إنهاء الفراغ الرئاسي، وحسم واضح للموقف من حزب الله، بإعلان الانفتاح على الحلول لكن ليس تلك التي تحاول الالتفاف على تقديم العماد ميشال عون كمرشح رئاسي أساسي ومستحق ومع أحاديث الرئاسة انتظاران لبنانيان، فاليوم تنتهي المهلة التي حدّدها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لقادة الكتل النيابية لإبلاغه مواقفهم النهائية من صيغة تشريع الضرورة والتعامل مع قانون الانتخابات، واليوم تحسم حلقة هامة في مستوى ملاحقة القضاء لفضيحة الإنترنت غير الشرعي في كيفية التعامل مع مدير عام أوجيرو عبد المنعم يوسف وما إذا كان سيستمع إليه فعلاً، وهل سيحضر كشاهد أم سيتمّ الادّعاء عليه وملاحقته، وهل سيمنح وزير الاتصالات بطرس حرب إذن الملاحقة في حال طلب القضاء ذلك؟
الميثاقية هموم الناس
تنتهي اليوم المهلة التي حدّدها رئيس مجلس النواب نبيه بري في جلسة الحوار الوطني الأربعاء، للحصول على ردّ الأفرقاء السياسيين على دعوته لعقد جلسة تشريعية. وعلمت «البناء» «أن الرئيس بري أكد أمام زواره، أمس، أنه ينتظر أن يحصل اليوم على أجوبة من المكوّنات السياسية على المبادرة التي طرحها ليُبنى على الشيء مقتضاه»، مشيراً إلى «أي خرق لم يحصل في عطلة الأسبوع». وشدّد على أنه «عند رأيه الذي طرحه للخروج من تعطيل التشريع وتفعيل عمل مجلس النواب، لأنه أصبح إقرار المشاريع التي تعود بالفائدة على الدولة والمواطنين أكثر من ضرورة»، لافتاً إلى أنه ما زال على رأيه أن القضايا التي ستطرح هي ضرورية وتهمّ اللبنانيين جميعاً. وتوجّه بري، بحسب زواره، للذين «يغمزون من قناة الميثاقية بالقول إن الميثاقية هي هموم الناس وقضايا الناس».
وشدد وزير المال علي حسن خليل على «أن أي تراجع أو أي عدم التجاوب مع الدعوات لانعقاد المجلس النيابي، معناها أننا نعطل حياة الناس ومصالحها من خلال عدم إقرار القوانين، وأننا نسقط جدوى استمرار العمل الحكومي الذي لا يستقيم إلا مع مجلس نيابي يراقب ويحاسب ويحول الاقتراحات إلى قوانين»، مؤكداً أننا «لا نريد أن نقف أمام مشهد التعطيل الشامل، ولا نريد أن نزيد الأعباء على الناس ولا تعميق المشاكل».
عبد المنعم يوسف يَمثُل اليوم
إلى ذلك، يمثل مدير عام «أوجيرو» عبد المنعم يوسف اليوم أمام مدّعي عام التمييز القاضي سمير حمود في قضية الإنترنت والاتصالات ليتقرر بعدها إذا لزم الأمر رفع الحصانة والادعاء عليه. وأشارت بعض المعلومات إلى انه سيتم اليوم الادعاء على الموقوفين بقضية الإنترنت غير الشرعي وعددهم 6 وبينهم توفيق حيسو.
ولفتت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى «ضغوط يمارسها الرئيس فؤاد السنيورة لعدم رفع الحصانة، وأدّت إلى إصدار وزير الاتصالات بطرس حرب تكليفاً سابقاً لعبد المنعم يوسف الاستجابة لشركة حيسو». وتحدثت المصادر عن محاولات السنيورة لعدم تمرير ما تردّد عن اتفاق بين الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط. ويقضي الاتفاق بملاحقة مدير عام أوجيرو طالما أن هناك ارتكابات ثابتة ومخالفاته لا يمكن غض النظر عنها، وبالتالي فإن ملاحقته لا تشكل اعتداء على بريء، لكن الاكتفاء بملاحقته من شأنه أن يطوي الملف سريعاً لأن الاستمرار على الملف مفتوحاً سيسبب أكثر من مشكلة. ولفتت المصادر إلى أن الرئيس الحريري يتّجه إلى تعيين الرئيس التنفيذي الحالي لجمعية المقاصد عماد كريدية، لا سيما أن العلاقة بين مستشار الرئيس سعد الحريري نادر الحريري وعبد المنعم يوسف تشهد توتراً غير مسبوق، لوقوف الأخير المدعوم من السنيورة في وجه صفقات يريد نادر الحريري تمريرها.
وأشار وزير عدل سابق لـ«البناء» إلى أن «المسار القضائي في هذه القضية لا زال في مراحله الأولى والاستماع إلى مدير عام أوجيرو عبد المنعم يوسف يتمّ بصفته مستمع وشاهد ولم يصدر بحقه بعد أي ادعاء وبعد استكمال التحقيق معه، وإذا ثبت تورطه بناءً على أدلة يصدر النائب العام التمييزي إدعاءً بحقه وبموجبه يطلب الإذن من وزير الاتصالات بملاحقته ورفع الحصانة عنه». وأوضح المصدر أن «قرار رفع الحصانة عن يوسف يعود إلى وزير الاتصالات بناء على طلب النيابة العامة التمييزية»، لافتاً إلى أنه «في حال لم يوافق الوزير على إعطاء الإذن بالملاحقة في فترة محددة وفق القانون يعود إلى مدعي عام التمييز اتخاذ القرار المناسب». وشدّد على أن «المشكلة تكمن في عدم بتّ الوزير بطلب النيابة العامة، هذه الحالة لا يستطيع القضاء اتخاذ القرار بهذا الشأن وهذه ثغرة في القانون لم يلحظها المشرع».
قاسم: لن نقبل بإسقاط طرح العماد عون
وفي الشأن الرئاسي، أوضح نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم «أن هذه الأزمة هي أزمة محلية أولاً وإقليمية ثانيًا، وبالتالي ما زالت الطروحات والمواقف كما هي ولم تتغير، ولا يوجد تعديل إقليمي يستدعي إعادة نظر، ولا توجد قدرة داخلية عند بعض الأطراف لاتخاذ القرارات، لذلك أزمة الرئاسة طويلة». أضاف «كل الأطراف وصلوا إلى مرحلة الطريق المسدود ويفكرون ببعض الحلول التي يمكن أن تفتح ثغرة، لكنهم يريدون الحلول أن تكون في إطار ما يفكرون به، وليس في إطار ما يُعالج أصل المشكلة، وعندما طرح حزب الله دعم ترشيح العماد عون كان ذلك نظرًا لموقعية الجنرال عون في الساحة المسيحية والساحة اللبنانية عموماً والتأييد الواسع الموجود له على المستوى الشعبي وخاصة عند المسيحيين، ما يجعل اختيار العماد عون اختيارًا منطقيًا واختيارًا لشخص يستطيع أن يقوم بالتزامات ويطمئن الأطراف المختلفة على رؤية واضحة، لكن «المستقبل» ومَن معه لا يريدون الجنرال عون»، مؤكداً أن «أي طرح آخر هو في الواقع إسقاط مشروع طرح العماد عون، وهذا لا يمكن أن نقبل به في هذه المرحلة التي يستمرّ فيها العماد عون في الترشح». وعمّا إذا كان يرى إمكانية لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية قبل حلول 24 من أيار المقبل، قال الشيخ قاسم: «لا نعلم متّى تتغير بعض الظروف لمصلحة تغيير بعض المواقف لانتخاب الرئيس، لكن يبدو أننا أمام أزمة مستمرة لفترة من الوقت».
باسيل لم يستثن الشعار؟!
وبرزت أمس الأول الجولة التي قام بها وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في طرابلس، حيث زار الرئيس نجيب ميقاتي ووزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس والنائب محمد الصفدي. وكان لافتاً أنها لم تشمل مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار. وأكد باسيل في محاضرة ألقاها في جامعة الجنان «أن الموجة الإرهابية خطر على المسلمين قبل المسيحيين، وأن المسلمين هم الذين سيُسقطون المشروع التكفيري»، معتبراً «أن المدينة الشمالية بعمقها لم تتغير ربما أصابها الالتباس كما جميعنا». وأشار إلى «أن لبناننا أكبر من طوائفنا ونحن مسيحيون ثانياً ولبنانيون أولاً، ونحن في التيار الوطني الحر محكومون بأن نكون صلة الوصل بين اللبنانيين لأن وعينا السياسي تأسس على فكرة أن لبنان أكبر من أن يُبلع وأصغر من أن يُقسم». وأوضح باسيل أن «نحن عندما دعمنا المقاومة كمسيحيين دعمناها بوجه «إسرائيل»، ولم ولن ندعمها بوجه أي طائفة أخرى، ونحن لم نتخذ يوماً موقفاً مارونياً شيعياً ضد الآخر، بل مع لبنان». ونفى مصدر في التيار الوطني الحر رافق رئيس التيار الوطني الحر في جولته، لـ«البناء» أن يكون الوزير باسيل تقصّد عدم لقاء مفتي طرابلس والشمال، مشيراً إلى أن طابع الزيارة اقتصادي بالدرجة الأولى وتمّ البحث في القضايا السياسية والأكاديمية، لم تشمل رجال الدين المسيحيين والمسلمين».