حسابات أميركا وعجز «إسرائيل»
نور الدين الجمال
أكدت وقائع الحرب على غزة التي شنّها الكيان الصهيوني ثبات التوازنات والمعادلات التي فرضها محور المقاومة في المنطقة منذ عام 2000، وبالتالي فشل جميع الرهانات التي علقها الأميركي و«الإسرائيلي» على ما سمّي بموجة «الربيع العربي»، وخاصة على نتائج الاستنزاف المنظم للدولة الوطنية السورية والمقاومة اللبنانية بواسطة عصابات التكفير والإرهاب.
بعد سنوات ثمان من التدريبات والمناورات المستمرة التي قام بها جيش الاحتلال «الإسرائيلي» والتي وصفت بأنها أدّت إلى ولادة جيش جديد مثلما قال يهودا باراك في حديث عن تعلم الوحدات العسكرية «الإسرائيلية» دروس حرب تموز 2006، وبعد إنفاق مليارات الدولارات على التدريب والتسليح والتخزين وفي ظرف اعتبرته القيادة الصهيونية مثالياً لشن الحرب على غزة، أتت النتائج لتثبت مرة جديدة العكس وأن جميع الثغر التي كشف عنها تقرير «فينوغراد» في رصده أسباب هزيمة «إسرائيل» أمام حزب الله لا تزال هي نفسها، ولتتأكد حقيقة أن «إسرائيل» في حالة عجز تام يوماً فآخر جواً وبحراً وبرّاً إذ تدفع كلفة عالية من القتلى والجرحى في صفوف جيشها، في حين تقود ردود الفعل على المجازر التي ينفذها الجيش «الإسرائيلي» ضد الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين إلى تصاعد الاحتجاج، ما دفع الرئيس الأميركي أوباما إلى إدانة المذبحة التي ارتكبت بقصف إحدى مدارس «الأنروا»، رغم القرار الأميركي الحاسم والمعلن بدعم الكيان الصهيوني في حربه على غزة، وصولاً إلى فتح المستودعات الاستراتيجية الأميركية في صحراء النقب أمام الجيش «الإسرائيلي». وهذه الإشكالية تقود إلى ترسيخ الاعتقاد الأميركي بأفول نجم القوة «الإسرائيلية» في المنطقة وعجزها عن إعادة هيبة الردع التي خسرتها في لبنان عامي 2000 و2006، ويبدو واضحاً أن الولايات المتحدة الأميركية تسعى أمام هذا المأزق إلى لمّ شتات حلفائها، إذ أوعزت إلى كل من تركيا وقطر بالتحرك على خط حركة حماس ومراعاة مركزية الدور المصري في أي اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وهذا الأمر ناتج أصلاً من حالة الفشل التي تعيشها المشاريع الأميركية في المنطقة منذ سنوات، فجميع مراكز الدراسات تؤكد تحوّل ما سمّي بـ«الربيع العربي» إلى حلقة من الحروب التي تخوضها الجماعات التكفيرية والتي تنطوي على أخطار الارتداد صوب الغرب، ما يولّد إرباكاً كبيراً في حسابات الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. وتشير الوقائع التي أوردتها مجموعة من التقارير الدبلوماسية إلى أن الإدارة الأميركية باتت على اقتناع بأمرين أساسيين هما ضرورة التعجيل في إنجاز التفاهم مع الجمهورية الإسلامية في إيران، وعدم الإصغاء إلى الاعتراضات السعودية و«الإسرائيلية» ومباشرة تعديل الموقف الأميركي من مصر انطلاقاً من عدم القدرة على عدم تجاوز دورها في المنطقة، على خلفية الفشل في الحرب العدوانية على سورية واستشعار الأخطار الناتجة من دور الإرهاب التكفيري في كل من سورية والعراق ولبنان.
يقول بعض المراقبين إن الحسابات الأميركية في هذا المجال تواجه عقداً كبيرة تتعلق بضعف حلفاء واشنطن وعجزهم عن تقديم الخدمات، لذا تبدو احتمالات التسويات في جميع محاور الصراع شديدة البعد، نظراً إلى التصادم القائم بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا راهناً والمتجدد بسبب الملف الأوكرانـي وما يستتبعه من خطوات لناحيـة فرض عقوبـات اقتصادية أميركيـة ـ أوروبيـة قـد تكـون سبباً جوهرياً في دفع الصراع إلى نقطة اللاعودة، بالإضافة إلى المأزق «الإسرائيلي» والتركـي والأزمات السياسية التي تمر فيها المملكـة العربيـة السعودية، في حين تظهر فرص جديـة للتفاهـم مـع الجمهورية الإسلامية في إيران بارقة الأمل الوحيدة وسـط بحـر من الأزمـات والتناقضـات والحـروب.