تونس… ثلاثية فلسطين والعروبة والمقاومة
معن بشّور
قال لي صديق تونسي وهو يودّعنا بعد مشاركتنا في ملتقيين أولهما للعروبة وهو المؤتمر القومي العربي في دورته السابعة والعشرين، وثانيهما لفلسطين وهو المنتدى العربي الدولي الثاني من أجل العدالة لفلسطين: «لقد كان أسبوعاً من أجل فلسطين والعروبة والمقاومة وهي أقانيم ثلاثة يُجمع عليها التونسيون الذين حرص ممثلو قواهم الرئيسية أن يشاركوا في إحدى الفعاليتين أو في كلتيهما معاً».
وبالفعل كانت الحماسة التونسية الشعبية للفعاليتين واضحة، رغم أنّ بعض الصعوبات التي برزت خلال التحضير، ورأى فيها كثيرون تعبيراً عن «عشق تونسي دفين لفلسطين والعربة والمقاومة»، كما جاء في كلمة رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل السيد حسين عباسي، في حفل افتتاح المنتدى في فندق افريقيا، وهو الاتحاد الشريك مع المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن في التحضير للمنتدى، كما رأى فيه البعض الآخر رداً شعبياً تونسياً على قرارات النظام الرسمي العربي المشينة بدءاً من محنة العراق إلى الانكفاء عن فلسطين والتطبيع الرسمي، العلني والسري، مع العدو، إلى استدعاء الناتو لتدمير ليبيا، إلى محاولات عزل سورية وفرض الحصار والعقوبات عليها وتمويل الحرب الدائرة على أرضها، وصولاً إلى قرارات معيبة باعتبار حزب الله منظمة إرهابية.
ولقد جاء البيان الصحافي الصادر عن المؤتمر القومي العربي، و«إعلان تونس من أجل العدالة لفلسطين» ليعبّرا عن هذه الروح القومية الأصيلة ليس لدى التونسيين وحدهم، بل لدى نخب ثقافية ونضالية من أقطار الأمة من محيطها إلى خليجها، ومعهم ثلة من أحرار العالم جاؤوا من القارات الخمس…
ومن يلتقي بالتونسيين يفهم بوضوح سبب تصريحات الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي حول المقاومة في لبنان، والموقف الذي أعلنه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذي حرص أن يحضر افتتاح الفعاليتين والتوضيحات السريعة للناطق باسم الحكومة الوزير خالد شوكت العضو القديم في المؤتمر القومي بعد قرارات وزراء الداخلية العرب حول اعتبار حزب الله منظمة إرهابية، معلناً أنّه «موقف لا يحق لأحد اتخاذه إلا رئيس الجمهورية أو الحكومة التونسية»، ناهيك عن مواقف معظم الأحزاب والشخصيات التونسية المعارضة والموالية، ولا سيما القوى القومية والناصرية حركة الشعب والتيار الشعبي والجبهة الشعبية والهيئة الوطنية لمناهضة التطبيع الصهيوني وغيرهم .
ولم يقتصر الأمر على ما جرى في المؤتمر القومي ومنتدى العدالة فحسب، بل تحوّلت العاصمة التونسية نفسها إلى ميدان مفتوح لندوات متواصلة لممثلي حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية مع احتضان مميّز لممثلي المقاومة اللبنانية، وكانت أغلبية التونسيين تريد أن تعلن تمسكها بثلاثية الهوية العربية الإسلامية، وخيار المقاومة للاحتلال، وفلسطين كبوصلة تحدّد الاتجاه وتوحد الجهود، وأن تعلن أيضاً رفضها لكلّ محاولات التحريض الطائفي والمذهبي والعرقي التي تنفق عليها بعض العواصم مليارات من الدولارات لإشعال حريق الفتنة في العديد من الساحات العربية…
كانت حفاوة التونسيين عالية برجال الدين المسلمين والمسيحيين المشاركين في منتدى العدالة، وكان التصفيق حاداً لكلماتهم الداعية إلى الوحدة والتماسك ونبذ الفتن مثل القاضي الشيخ خلدون عريمط ممثلاً سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، ومثل مطران زحلة عصام درويش ممثلاً بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس لحام وغيرهما، وقد أذيعت كلمة مطران القدس في المنفى ايلاريون كبوجي الذي تعذّر حضوره لأسباب صحية .
في المؤتمر القومي العربي كانت أوراق عمل هامة حول الأوضاع العربية، والانتفاضة الفلسطينية، واللغة العربية وعناصر المشروع النهضوي العربي، وكانت نقاشات أغنت الموضوعات وتقرّر أن تعكسها وثيقة تحليلية يُعدّها أمين عام المؤتمر د. زياد حافظ بعد صدور بيان صحافي عن الدورة.
أما في منتدى العدالة لفلسطين فكانت أيضاً أوراق علمية حول آليات المقاضاة الجنائية للجرائم الصهيونية، وقضية الأسرى والمعتقلين، لا سيما الاعتقال الإداري، وقضية التمييز العنصري الصهيوني أعدّها خبراء قانونيون عرب وعقّب عليها خبراء قانونيون أجانب.
الحضور الفلسطيني من الداخل والخارج كان كبيراً ومميّزاً وجامعاً لكلّ الفصائل الفلسطينية، كما كان حضور الشباب بارزاً، رغم أنّ المشارك في المنتدى، كما المؤتمر، يتحمّل نفقات السفر والإقامة كافة.
المنتدى الثالث، سيكون في الجزائر، كما أعلن رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن بعد مشاورات أجراها مع الوفد الجزائري الذي ضمّ ممثلي أحزاب وشخصيات جزائرية بارزة شكل حضورها مع الوفد المغربي الكبير تأكيداً على عمق التزام بلدان المغرب العربي بثلاثية فلسطين، العروبة، المقاومة.
من طرائف الفعاليتين التي تشرح أموراً كثيرة أنّ احد الشخصيات المغربية سليمان المرابط، وهو رئيس مركز محمد بن عبد الكريم الخطابي، تمّ احتجازه لساعتين في المطار، لأنّ هناك بلاغاً بحقه يعود إلى عام 1997 بسبب دعوته الشيخ راشد الغنوشي إلى اسبانيا للمشاركة في ندوة شارك فيها أبرز الشخصيات العربية آنذاك كالرئيس الراحل أحمد بن بله، والمناضل المغربي الكبير الراحل الفقيه محمد البصري وآخرين، ذُهل المرابط وهو يرى ضابط الأمن في المطار يبرز له صورة مع الغنوشي في ذلك المؤتمر كدليل إثبات ضدّه… فهم الكثيرون عنها لماذا حرم البعض من تأشيرات دخول، وان لم يحرم رفاق لهم فكان النصاب كاملاً…
باختصار مثلما كان المؤتمر القومي العربي إطاراً يجسّد وحدة الأمة والتزامها بالمشروع النهضوي العربي، كان منتدى العدالة لفلسطين إطاراً يترجم شعار فلسطين إلى حقيقة ملموسة عابرة للأقطار والتيارات والمشارب الفكرية والسياسية في الوطن والعالم.
الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي