أصوات النشاز في «المستقبل» بإيعاز إقليمي

هتاف دهام

استبعد تيار المستقبل نفسه عن التضامن مع الجيش اللبناني وإن كانت بياناته الرسمية أكدت الوقوف الى جانب المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية. وأكدت كتلة المستقبل أمس «أنّ الاعتداء على الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية مرفوض ومدان تحت أي ذريعة كانت، وليس مسموحاً لأحد أن يرفع سلاحه في مواجهة الجيش اللبناني الوطني لأي فريق انتمى». ولفتت في بيان أصدرته بعد اجتماعها الأسبوعي، الذي بقي في موعده رغم خطورة الأوضاع التي تستدعي دعوة إلى اجتماع استثنائي إلى «أنّ كتلة المستقبل بما تمثل تقف بحزم خلف الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية وقفة رجل واحد، فهو جيشنا ودرعنا».

تزامن ذلك مع تأكيد الرئيس سعد الحريرى أنّ دعم تياره الجيش اللبنانى في معركته ضدّ الإرهاب والزمر المسلحة التي تسلّلت الى بلدة عرسال هو دعم حاسم لا يخضع لأيّ نوع من أنواع التأويل والمزايدات السياسية.

في المقابل، رأى النائب محمد كبارة في المؤتمر الصحافي الذي عقده هو والنائبان خالد الضاهر ومعين المرعبي بالتزامن مع بدء معركة عرسال «أنّ ما يجري في عرسال السنيّة ليس إلا حلقة من المؤامرة السورية – الايرانية»، وحذر من «أيّ قرار يحول جيشنا من مؤسسة وطنية جامعة واجبها حماية كلّ اللبنانيين الى ما يشبه جيش المالكي».

ما يحصل داخل هذا التيار ليس انشقاقاً أو انقلاباً من الثلاثي «الوطني» معين المرعبي، خالد الضاهر ومحمد كبارة على التيار الأزرق. ليست المرة الأولى التي يتمايز بها نواب الشمال، عن بيانات قيادتهم وتصريحات رئيس الكتلة فؤاد السنيورة أو الرئيس الحريري ولن تكون الأخيرة، فلو كان هناك انشقاق لكان تبلور بمهاجمة بعضهم بعضاً.

لم يصدر أي بيان رسمي عن الإدارة المركزية لهذا التيار يدين تصريحات كبارة وزميليه، أو يتنصّل منها، أو يتبرّأ من أصحاب المواقف الإرهابية.

هل يوزع تيار المستقبل الأدوار بين أجنحته الثلاثة الموزعة على أساس التيار الداعشي الذي يضمّ كبارة، الضاهر، ومرعبي، وتيار النائب أحمد فتفت ومنسّق التيار في الشمال مصطفى علوش الذي يتولى مهمة التصويب على حزب الله وربط كلّ مآسي العالم بتدخله في سورية، وتيار الاعتدال الذي يعبّر عنه الحريري والنائب سمير الجسر؟ أم أنّ ما يجري انقسام تتحكم به مصادر التمويل الإقليمية والخط السياسي؟

لا يمكن هذه الأجنحة الثلاثة أن تتحرك من دون غرفة عمليات. غرفة يقودها الرئيس فؤاد السنيورة الذي يحرّك نواب كتلة لبنان أولاً على remote control، كما يدير فريق 14 آذار في المجلس النيابي وفي الحكومة.

بالأمس خفّت حدة النبرة عند النائب كبارة الذي شدّد على دعم الجيش في شكل كامل في معركته ضدّ الإرهاب والزمر المسلحة التي تسللت الى عرسال بناء على أمر من المنسّق العام للتيارات الثلاثة. حضر النائب الضاهر اجتماع كتلة المستقبل، وافق من دون تحفظ على الالتزام ببيان كتلته. رضخ لتمني الكتلة التوقف عن مهاجمة الجيش والابتعاد عن التشدّد في المواقف. إلا انّ المرعبي لم يلتزم بذلك، فأكد لـ«البناء» انه لا يمكن السكوت عن الأخطاء والتجاوزات التي يقوم بها الجيش اللبناني، وأنه لولا توقيف عماد أحمد جمعة لما كانت حصلت أحداث عرسال، ونحن لن نغطي خطأ قائد الجيش العماد جان قهوجي الكبير. يحمّل المرعبي مخابرات الجيش مسؤولية تلفيق الاتهامات، فلو أوقفت العماد جان قهوجي لكانت التحقيقات معه أفضت الى انه ينقلب على البلد. يعلّق المرعبي ساخراً على المحكمة العسكرية إذا كانت فعلاً قادرة على محاكمة الإرهابيين، لمَ لا نوكل إليها التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ويصبح عندنا لاهاي 2».

يوافق كثيرون من نواب المستقبل زميلهم العكاري، يوافقونه لكنهم يلتزمون بموقف الكتلة الزرقاء وفقاً لما هو مرسوم. قلة منهم تغرّد خارج هذا السرب التخويني. النائب خالد زهرمان المعروف بدعمه للجيش اللبناني وعلاقته الجيدة بقائده يلتزم الصمت، لا دور له في هذه المرحلة. النائب باسم الشاب يرى أنّ الوقت ليس سانحاً لمهاجمة حزب الله، وليس من الضرورة تناول هذا الحزب، بغضّ النظر عن الموقف منه، في هذا الظرف الدقيق الذي يتطلب التركيز على دعم الجيش اللبناني وكيفية حماية المدنيين من المسلحين.

ولا تخفي أوساط قريبة من تيار المستقبل الحرب بين التيار وبين العلماء المسلمين، منذ شنّ عضو هيئة العلماء المسلمين، الشيخ سالم الرافعي، حرباً على الرئيس سعد الحريري والأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري. وتعتبر أنّ تراجع المستقبل عن الحدة في الخطاب يعود إلى أنّ العلماء المسلمين خطفوا من التيار الأزرق الدور. فتيار السنيورة لم ينجح في تسويق موقفه عند الجماعات الإرهابية كما كان يبغي، لا سيما ان النائب جمال الجراح كان مفوّضاً إجراء المفاوضات كونه مقبولاً من المسلحين.

كلّ ذلك، وفي داخل فريق 14 آذار من يطالب الحريري بوضع حدّ لبعض النواب والمسؤولين في تياره الذين يهاجمون الجيش ويتآمرون عليه، بعد تأكيده رفض ايّ سلاح موجه ضدّه، ورفع الغطاء عنهم، لكنهم يدركون ان ليس باستطاعته القيام بذلك، فبعص الأصوات النشاز مطلوب استمرارها بتعليمات من خارج الحدود.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى