أميركا في سورية… الهذيان الأخير!
محمد ح. الحاج
يصرّ السيد سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي ومعه المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا على القول إنّ المحادثات في جنيف لن تتوقف، وفي نظرة سريعة على الواقع السوري نجد أنّ الحرائق عادت تلتهب في كلّ الأمكنة وقد أشعلتها كلّ الفصائل دون استثناء بما يؤكد أنّ الهدنة المتفق عليها أميركياً روسياً قد سقطت أو هي انتهت في الواقع وبقيت اليافطة تستظلّها الوفود المختلفة في المدينة السويسرية.
العمليات السورية الروسية المشتركة لم تتوقف في مواجهة «داعش» و«النصرة» ولا يبدو أنها ستتوقف بل ستعود شاملة بسبب سلوك فصائل العصابات المختلفة من الجنوب في درعا إلى الشمال في حلب، ومن الساحل في ريف اللاذقية إلى حدود البادية كاملة، والسؤال أين هي النقطة التي ما زالت الهدنة تظللها وتمنع عنها سفك الدماء حتى في الأماكن المدنية العزلاء، قصف بالهاونات والصواريخ واسطوانات الغاز يطال كلّ أحياء حلب وريفها، وأحياء دمشق والبلدات في ريف حماه، وحمص، ودرعا وبلدات ادلب المحاصرة… إذاً: من يلتزم الهدنة وأين ومتى، وهل لأيّ من المعارضات الخارجية تأثيرها على الفصائل المسلحة في الداخل أو بعضها على الأقل؟
المحادثات في جنيف لا تبشر بأية نتائج إيجابية، ولا يستطيع أيّ من الوسطاء أو الدول الراعية أو حتى المشاركين، أن يبشر بالخير معتمداً على ما دار في الكواليس أو ما قال دي ميستورا أنه تمّ الاتفاق عليه، ما زالت معارضة الرياض تنفخ في قربتها المثقوبة وتردّد نفس اللازمة وشعارها تسلّم السلطة دون أيّ برنامج أو مشروع مستقبلي لسورية، سوى إلحاقها بركب السعودية ووضعها تحت وصايتها، وتالياً الدخول في النفق الصهيو أميركي، وما انتظرت السعودية الوقت الكافي للتعمية والتمويه فها هي تعلن على الملأ موقفها وعلاقاتها مع الصهيونية والتزامها باتفاقية «كامب دايفيد» التي وقعتها مصر بالوكالة والأصالة… «كامب دايفيد» كان «إنجازاً» سعودياً، وقد آن الأوان للكشف عن بعض التفاصيل التي قيل فيها الكثير ومنها أنّ المشروع الصهيو أميركي في المنطقة منذ أيام كيسنجر كانت فيه السعودية حصان طروادة وبعض جوارها رغم تمويه مواقفهم الحقيقية من خروج مصر على «إجماع عربي» ما أفضى إلى نقل الجامعة إلى تونس وتجميد عضوية مصر، ذلك كان لزوم المرحلة لامتصاص فورة الشعوب العربية… والإحباط الشعبي المصري، لهذا كان لا بدّ من تجويع مصر وتركيعها… مصر التي كانت تطعم العالم قمحاً وأرزاً كما سورية…
الخطط الأميركية في مصر حققت نجاحاً مؤكداً، بينما فشلت في سورية والسبب أنّ القضية الفلسطينية هي قضية سورية لا يمكن لمن يحكم سورية أن يعلن تنصّله منها أو تنازله عن حقوق شعبنا فيها، رغم القرار العربي بحصرية تمثيلها من قبل منظمة التحرير الفلسطينية، الأعراب الذين لعبوا دورهم المرسوم في المشروع الغربي وانتقال مصر من ضفة المقاومة ورفض المشروع الصهيوني إلى ضفة اللاعب المنوط به دور التسويق لالتحاق الآخرين به عن طريق الترغيب أو الإقناع وربما استخدام الترهيب أحياناً أخرى، وكان أن استعادت مصر دورها في جامعة الأعراب طبقاً للخطة الأميركية وهي التي لم تغادرها في الحقيقة فقد كان الجميع يتلمّس الأعذار لمصر، أما الحركة التي يسّرت لمصر العودة فهي سقوط السادات بعد أن تخلت عنه الإدارة الأميركية ومهّدت لوصول مبارك، أميركا لم تخلص يوماً لأدواتها في كلّ العالم فهم ليسوا أكثر من بيادق يأتي سقوطهم بعد تحقيق نقلة تمهّد لنجاح عملية متقدّمة أكثر ودائماً البديل جاهز.
فشل المعارضات المرتبطة بحلفاء الولايات المتحدة الأميركية، رغم انخراط بعض هؤلاء الحلفاء مباشرة بالعمليات على الأرض، ربما كان الدافع لدخول أميركا من نافذة الأكراد رغم ضيق هذه النافذة، مع إدراكها أنّ العامل الكردي ذاته ليس متجانساً ولا متوافقاً على موقف موحد وبدا منذ اللحظات الأولى أنّ الغالبية الرافضة للمشروع الذي سوّق له برنار هنري ليفي ستكون صاحبة القول الفصل، وليفي هو العنصر الصهيو فرنسي الناشط في الربيع الأعرابي والذي ظهر في ليبيا يقود ثوارها، ثم في اسطنبول محتضناً المعارضات السورية، وأخيراً على الأرض السورية مع القيادات الكردية صاحبة مشروع الفدرلة.
ركوب الموجة الكردية أميركياً وتعويم فصائلها يواجهه موقف عدائي تركي، واستطراداً لن يكون مرحباً به من قبل السعودية الحليف الأقرب إلى تركيا، كما لن ترحب الدول التي تحارب «داعش» بالاستثمار الأميركي في هذا الوقت ومنها إيران وسورية، الوجود الأميركي بين الأكراد تمثل بعدد قيل إنه لم يتجاوز 200 من الخبراء «المدرّبين»، ويبدو أنّ الاتجاه الجديد للإدارة الأميركية هو مضاعفة العدد تمهيداً لتدخل على نطاق أوسع وليكون للإدارة الأميركية موطئ قدم على الساحة السورية في مواجهة الروس والإيرانيين وبعيداً عن أيّ تنسيق مع الدولة صاحبة العلاقة وهي الحكومة السورية.
اليوم أعلن رئيس الولايات المتحدة الأميركية موافقته على إرسال 250 من القوات الأميركية ليلتحقوا بمن سبقهم إلى الأراضي السورية بذريعة تدريب القوات التي تحارب «داعش»، في الوقت الذي تعتبر الدولة السورية هذا الوجود عدواناً سافراً، إذ لا يندرج في سياق قرار دولي أو اتفاق مع الدولة السورية صاحبة الشأن، وإذ يقتصر هذا الوجود على 500 من الجنود الأميركيين، فهو لن يكون ذا أثر في محاربة «داعش»، بل هو نوع من الهذيان في زمن الحاجة إلى حديث فاعل، متوازن ومعقول، بعيداً عن الخداع والتأرجح بين ولاءات لمشروع مبطن، وعمل مسرحي تمثيلي غرضه الدعاية وإطالة أمد الأزمة التي تستنزف شعوب المنطقة وقدراتها البشرية والاقتصادية خدمة للمشروع الصهيوني.
المصالح الأميركية ومحاولة الحفاظ على علاقات متوازنة مع الجانب الروسي هي من فرض على الإدارة الأميركية إعلان الاتفاق مع الروس لوقف العمليات الحربية والضغط على الحلفاء للدخول في محادثات جنيف، الأغلب أنّ النوايا غير الصادقة في هذا الاتجاه هي من يجعل الموقف الأميركي عصياً على الفهم، إذ لا يتطابق الحديث المعلن عن تأييد الحوار مع إجراءات تناقض الإعلان على أرض الواقع من تسليح المعارضات المسماة معتدلة والدفع بقوات داخل الأرض السورية في الوقت الذي انسحب الروسي مدللاً على رغبة صادقة في الوصول بالحوار إلى نتائج ايجابية توقف سيل المزيد من الدماء والكثير من الخراب والدمار، وبينما تشارك الحكومة السورية هذا التوجه الروسي وتؤيده، يلمس المراقب نفاقاً واضحاً في مواقف الأطراف الأخرى وخاصة الأميركان في حين يعلن الأتراك والسعوديون عدم رضاهم واستمرار دفعهم باتجاه تسعير القتال والعمليات العسكرية.
لا شك أنّ للموقف الأميركي تأثيره الفاعل لو خلصت النوايا، فهو الأقدر على وقف تمويل وتسليح المعارضات والعصابات الغريبة، سواء بمواجهة السعودي أو التركي، وحتى الكيان الصهيوني بذلك فقط يدعم رغبة الروسي بما يحقق طموحات الشعب السوري في استعادة الأمن والسلام ليبدأ عملية إعمار ما خرّبته أدوات تحالف تركيا والسعودية ويهود الداخل.