المحادثات اليمنية في ظلّ انسداد أفق الحرب

إبراهيم ياسين

بعد مرور أكثر من سنة على بدء الحرب العدوانية السعودية على اليمن اتجهت الأنظار، إلى المحادثات بين أنصار الله والمؤتمر الشعبي من جهة، وحكومة عبد ربه منصور هادي والمتحالفين معه والمدعومين من السعودية والتي انطلقت في الكويت، واحتدم فيها النقاش بين الطرفين حول التفاصيل من دون الوصول إلى أية تسوية حتى الآن.

وكان لافتاً أنّ المبعوث الدولي إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ أحمد الذي أكد في بداية المحادثات عن أن تحقيق الحلّ يتطلب تنازلات من قبل الطرفين.

هذا الكلام إنما هو مؤشر واضح على تلمّس حاجة فريقي الصراع إلى إنهاء الحرب ووضع الأمور على سكة الحلّ السياسي على الرغم من حالة التشنّج القائمة لدى طرفي الصراع، والتي أدّت إلى الفشل في التوصل إلى اتفاق على جدول أعمال لمفاوضات السلام، على الرغم من مطالبة أنصار الله بضرورة مناقشة اتفاق سياسي للمرحلة المقبلة قبل الشروع في مناقشة الترتيبات العسكرية التي كانت تطالب بها حكومة هادي والمتحالفون معها وداعموها.

لكن ما هي الأسباب التي تجعل من هذه المحادثات مدخلاً جدياً للحلّ على عكس سابقاتها؟

أولاً: من الواضح أنّ الخيار العسكري الذي انتهجته السعودية للقضاء على أنصار الله والمؤتمر الشعبي وبالتالي إخضاع اليمن، وإعادة تشكيل النظام اليمني من القوى التابعة للسعودية.

غير أنه وبعد مرور أكثر من سنة على إقدام السعودية على شنّ الحرب تبيّن أنّ هذا الخيار لم يحقق أهدافه، ووصل إلى طريق مسدود على أرض الواقع وأصبح الاستمرار فيه لا يقود سوى إلى مزيد من الاستنزاف الإقتصادي والمادي والبشري الذي بات الاستمرار فيه يهدّد بتفجير أزمة داخلية في السعودية على كلّ المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فالحرب حتى الآن كلفت السعودية أكثر من مائة مليار دولار حسب ما هو معلن رسمياً، وهذا الرقم إنما هو متواضع كثيراً أمام حجم الخسائر الأميركية التي كلفت الإدارة الأميركية من جراء احتلال العراق والتي قدّرت 3.5 مليارات دولار، فيما العجز في الموازنة السعودية في نهاية العام 2015 اقترب من مئة مليار دولار، وترافق ذلك مع انخفاض كبير في عائدات السعودية من النفط نتيجة التراجع في الأسعار العالمية من مائة دولار للبرميل إلى ما دون الأربعين دولاراً. وهو ما دفع ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى إحداث تغييرات في السياسة الاقتصادية للسعودية القائمة بالاعتماد على المداخيل النفطية، لأنّ الاستمرار فيها كان سيؤدّي إلى إفلاس السعودية عام 2017.

ثانياً: إنّ قدرة السعودية على تغيير الواقع الميداني وحسم الصراع في اليمن لا يبدو أنه ممكن، لا بل أنّ كلّ المؤشرات تظهر بأنّ الصراع لا نهاية له وأنّ الاستمرار بالحرب لن يقود إلى إحداث تغييرات على الأرض بعد أن رست الأمور في الميدان على ما يشبه المراوحة في السيطرة الميدانية حيث تعجز القوات السعودية وحلفاؤها عن تحقيق المزيد من التقدّم في الميدان نتيجة المقاومة التي تواجهها من قبل أنصار الله والجيش اليمنى.

ثالثاً: في المقابل فإنّ أنصار الله والجيش اليمني أدركوا أيضاً بأنهم غير قادرين على حسم السيطرة على اليمن، وبالتالي فإنّ الحلّ السياسي هو الخيار الأفضل والأقلّ كلفة بعد أن أصبح الاستمرار بالخيار العسكري مكلفاً لليمن، لا سيما أنّ السعودية قد اضطرت إلى التراجع عن رفض التفاوض مع أنصار الله والمؤتمر الشعبي، وبالتالي قبلت بالتفاوض على أساس مخرجات الحوار اليمني وقرارات مجلس الأمن وعلى أساس الشراكة في إعادة بناء اليمن، وهذا هو بالأصل كان مطلب أنصار الله والمؤتمر الشعبي.

إذاً، فإنّ هذه المعطيات المترافقة مع الضغط الأميركي الغربي على السعودية لوقف الحرب والسير في الحلّ السياسي تجعل لهذه المحادثات أفق التوصل إلى حلّ سياسي للأزمة اليمنية على قاعدة الشراكة.

والضغط الأميركي الغربي على السعودية للسير في خيار الحلّ السياسي إنما ينبع من الحرص على استقرار النظام السعودي والقلق من أن يؤدّي الاستمرار في الحرب إلى مضاعفات سلبية تهزّ هذا الاستقرار وهو أمر لا يَصبّ في مصلحة السياسة الأميركية الغربية في منطقة الشّرق الأوسط.

هذه النتيجة تؤكد أنّ السعودية لو دعمت منذ البداية خيار الحلّ السياسي القائم على الشراكة لكانت وفّرت على نفسها وعلى الشعب اليمني كلّ هذه الخسائر البشرية والاقتصادية والمادية، وهذا الشرخ في العلاقات بين البلدين، ولكانت وفرت كلّ هذه الأموال التي أنفقت على هذه الحرب المدمّرة دون طائل في تحقيق التنمية والتقدّم وتعزيز أواصر العلاقات بين الشعبين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى