تنازل في المفاوضات وتحقيقات دولية بجرائمها وتعمق أزمة الثقة مع واشنطن

حسن حردان

بدأت «إسرائيل» تسلك مسار دفع الثمن السياسي لإخفاقها في تحقيق أهداف عدوانها على قطاع غزة وخروج جيشها محطم الهيئة ومثقلاً بخسائر كبيرة وفاقداً المزيد من قدرته الردعية.

فقد انتقل الخلاف إلى داخل الحكومة «الإسرائيلية» بشأن التنازلات التي قرّر الثنائي نتنياهو ـ يعالون تقديمها في المفاوضات الجارية في القاهرة للخروج من مأزق حرب الاستنزاف المكلفة في غزة والتوصل إلى اتفاق تهدئة دائم.

ويتجلى هذا الخلاف بشكل رئيسي، بشأن إشراف السلطة الفلسطينية ممثلة بحكومة الوحدة الفلسطينية، على معابر قطاع غزة في سياق فك الحصار عن القطاع، وتسهيل حركة انتقال الناس ودخول السلع والبضائع ومواد البناء لإعادة إعمار غزة.

ويتصدر المعارضة لاقتراح تسليم الإشراف على المعابر لأجهزة أمن السلطة الفلسطينية، وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان مع بعض الوزراء. غير أن الحكومة «الإسرائيلية» ليس لديها بديل أو خيار غير السلطة الفلسطينية، في ظل عدم استعداد أي جهة دولية للقيام بهذا الدور، ورفض المقاومة الفلسطينية.

على أن العديد من الوزراء «الإسرائيليين» وبعض قادة الأحزاب في كيان العدو بدأوا يزيّنون للرأي العام «الإسرائيلي» التنازلات التي ستقدم عليها الحكومة مجبرة بعد فشل الجيش «الإسرائيلي» في إخضاع المقاومة الفلسطينية، وإخفاقه في تقويض قدراتها العسكرية وبناها التحتية من خلال القول إن «الإحساس بتخفيف الحصار عن قطاع غزة يساهم في تعزيز قوة المعتدلين في السلطة الفلسطينية وأن دخول عناصر من الأجهزة الأمنية التابعة لها إلى غزة يعتبر إنجازاً للرئيس محمود عباس يخلق واقعاً جديداً ضاغطاً على حركة حماس».

هذا المسار الذي تأخذه المفاوضات في القاهرة، هو نتيجة طبيعية لعدم تمكن جيش الاحتلال «الإسرائيلي» من تحقيق الانتصار في حربه ضد المقاومة الفلسطينية، التي يرى معظم «الإسرائيليين» أنها انتهت إلى نتيجة «تعادل» وفق استطلاع للرأي أجراه معهد طيالوغ لمصلحة صحيفة «هآرتس» إذ رأى 51 في المئة من «الإسرائيليين» أن لم يحقق أحد من طرفي الصراع انتصاراً في الحرب التي استمرت 29 يوماً، في حين قال 56 في المئة إن الأهداف التي أعلنتها «إسرائيل» للحرب، وهي تدمير الأنفاق وإضعاف المقاومة قد أنجزت بشكل جزئي». على أن غالبية 53 في المئة أبدت تجديد المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

ويبدو من الواضح أن «إسرائيل» باتت تراهن على التنسيق الأمني مع مصر لمنع تسلح فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ولتشديد الرقابة على دخول المواد التي يمكن أن تستخدم لأغراض عسكرية.

في مقابل هذا المسار التنازلي «الإسرائيلي» على جبهة المفاوضات السياسية، والتي تؤشر كل المعطيات إلى أنها تسير نحو تلبية الجزء الأكبر من المطالب الفلسطينية المتمثلة بفك الحصار وإطلاق الأسرى، ووقف الاعتداءات «الإسرائيلية»، بدأت «إسرائيل» الاستعداد لمواجهة تحقيقات دولية ودعاوى قضائية ضد مسؤوليها السياسيين والعسكريين بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة. فصور الدمار الشامل في غزة والضحايا تحت الأنقاض تضع «إسرائيل» في موقف صعب في الخارج، خصوصاً أن كل الفظاعات والارتكابات «الإسرائيلية» وتدمير لكل مناحي الحياة في قطاع غزة قد جرى تسجيلها من قبل وفد دولي برئاسة رئيس الصليب الأحمر.

ولهذا يبدو أن الحكومة «الإسرائيلية» تتجه نحو رفض التعاون مع لجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على غرار ما فعلت مع لجنة غولدستوف، والذي انتهى تقريره إلى الاختفاء.

أما النتيجة الثالثة التي بدأت تترسخ عن هذه الحرب «الإسرائيلية» الفاشلة، فهي تعمق أزمة الثقة بين الإدارة الأميركية، والحكومة «الإسرائيلية» برئاسة بنيامين نتنياهو، لتجاهل الأخيرة الأخذ بنصائح الرئيس الأميركي باراك أوباما لضرورة وقف سفك الدماء، ما قاده إلى توجيه انتقادات «إسرائيلية» قاسية لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، وقيام نتنياهو بتوبيخ السفير الأميركي في تل أبيب.

على أن فشل الجيش «الإسرائيلي» وانكشاف عجزه عن حسم المعركة في قطاع غزة أضعف موقف نتنياهو تجاه الإدارة الأميركية وجعله مضطراً إلى طلب مساعدتها في المفاوضات الجارية في القاهرة للتوصل إلى اتفاق لوقف النار، وعزز موقف كيري الذي سارع إلى الدعوة إلى إحياء المفاوضات بين السلطة الفلسطينية و»إسرائيل».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى