عيد الشهداء… وأهزوجة المرجة
نظام مارديني
ستبقى أهزوجة المرجة الشعبية التي أُطلقت بعد إعدام شهداء السادس من أيار عام 1916 على يد السفاح جمال باشا مترسخة في وجدان السوريين، أينما وجدوا، كما ستبقى تصدح كتعبير عن حضور ساحة المرجة في الذاكرة السورية يوم تشرّفت أعواد مشانقها بحمل أجساد الشهداء: «زينوا المرجه… والمرجه لينا… شامنا فرجه وهي مزينه… جدايل جدايل… أصايل أصايل… وبلادك جناين».
صحيح أنّ هذه الأهزوجة، لم يُعرف من قائلها، لكنّ المعروف أنها وُجِدت يوم ساق المحتلّ التركي أبناء سورية إلى المشانق، فقيلت لأنّ شهداءنا هم زينة الوطن.
فالسادس من أيار من كلّ عام مناسبة وطنية في سورية ولبنان، نستذكر فيها كلّ عام أحكام الإعدام التي نُفذت بحقّ عدد من الوطنيين السوريين في دمشق وبيروت يوم 6 أيار عام 1916، يوم أصدر السفاح أحكام الإعدام بحقّ واحد وعشرين من القادة الوطنيين من مثقفين وشعراء وصحافيين وسياسيين، بتهمة العمل على الانفصال عن الدولة العثمانية! ولم تكن الأجساد التي عُلقت على أعواد المشانق في ساحة المرجة في دمشق وساحة البرج في بيروت سوى قافلة من قوافل شهدائنا في مسيرة الكفاح من أجل السيادة والكرامة. سبعةُ منهم في دمشق وأربعة عشر في بيروت، ليسطروا بذلك اسم سورية بماء الذهب على صفحات التاريخ المشرقة الخالدة، وليكونوا الأمثولة للأجيال المقبلة.
أخوة في الاستشهاد كنا منذ قرن مضى، شهداء الأرمن وشهداؤنا من السريان. منذ أيام مضى قرن على الإبادة الجماعية التي ارتكبها العثمانيون بحقّ الشعب الأرمني، ومازال أحفاد العثمانيين يرتكبون المجازر تلو المجازر بحقّ شعبنا حتى كتابة هذه السطور.
ها هي سورية اليوم، وبعد مرور قرن على حادثة شهداء أيار، ومنذ أكثر من خمس سنوات، ما زالت تزفُّ أبناءها يومياً في حرب لم تشهد البشرية لها مثيلاً في همجيتها، وما يميّز هذه الحرب وما يُثير الاستغراب والاشمئزاز فيها هو تلك البربرية في القتل من قِبل أولئك القتلة القادمين من جهات الدنيا الأربع لغايات غيبية تحركها أطماع دول كانت وما زالت تلهث وراء مصالحها، في سابقة لم يصل إليها هولاكو ذاته، إضافة إلى الهمجية والوحشية في طرائق القتل وأدواته التي أبى إنسان الكهوف والمغاور اللجوء إليها.
في ذكرى يوم كيوم السادس من أيار، نتوقف متأملين ملياً هذا اليوم الذي يختصر تاريخ شعبنا بأكمله، تاريخ شعب امتلأت لحظات وجوده الطويل على هذه الأرض، بمرارات وعذابات لا حصر لها، غزوات واحتلال، وحب للشهادة حتى الثمالة… تاريخ شعب أبي لا يبتلع ثمرة الظلم، ولا يقبل قيد العبودية أو الاستعمار، ولا يهادنُ محتلاً أو خائناً. لقد كانت هذه الأرض على الدوام مأوى الثوار، ومخزن الأحرار، ويوم السادس من أيار يختزن في رمزيته هذا المخزن الذي يدعى «سوراقيا» الممتدّ من جبال كردستان الأبية وحتى شواطئ فلسطيننا الحبيبة، ولا تزال قوافل الشهداء تذهب في أتون حروب الحقد قافلة إثر قافلة، ولن تتوقف أهزوجة المرجة، إلا بتحقيق الحرية الكاملة لأرضنا من قوى الشرّ الوهّابي.