مأزق واشنطن في سورية
حميدي العبدالله
لا شك أنّ الولايات المتحدة تواجه مأزقاً في سورية. بداية الأزمة سعت وراهنت إدارة أوباما على «سقوط النظام» أو على الأقلّ تنحّي الرئيس بشار الأسد عن الحكم على غرار ما حصل في مصر وتونس. ولكن ذلك لم يحدث. سعت ثانياً إلى إسقاط الدولة السورية للوصول إلى هذه الغاية على غرار ما حصل في ليبيا، ولكن ذلك لم يحصل لأسباب كثيرة، أبرزها تماسك الجيش السوري، ووقوف حلفاء سورية إلى جانبها، وتحديداً حزب الله وإيران، وقلق إدارة أوباما من التورّط في نزاع عسكري جديد على غرار تورّطها في العراق وأفغانستان، لا سيما أنّ نموذج ليبيا لم يحقق أيّ نجاح، بل إنّ أوباما يقدّم هذا النموذج اليوم كحجة لرفض أيّ تدخل عسكري مباشر حتى وإنْ كان هذا التدخل مقتصراً على القوة الجوية، لخلق ما يسمّى بالمنطقة الآمنة، وتقديم الدعم الفعّال للجماعات الساعية لإسقاط الدولة السورية عبر القوة الجوية.
منذ عام 2013 تخلت الولايات المتحدة، أو بالأحرى إدارة أوباما، عن هذه الرهانات، وتبنّت مقاربة جديدة قائمة على دعم المسلحين لإطالة أمد حرب الاستنزاف، وإرغام الدولة السورية وحلفائها على قبول حلّ سياسي يقوم في البداية على تقاسم السلطة بين الموالين للغرب، والحكومة السورية، لكن من الواضح أنّ سورية وحلفاءها رفضوا ذلك، رفضوا ذلك عسكرياً من خلال الإسهام الفعّال من قبل روسيا وإيران وحزب الله في قتال الإرهابيين إلى جانب الجيش السوري، وحققوا نجاحات كبيرة على كافة الجبهات، ورفضوا ذلك سياسياً عندما أصرّوا على ضرورة احترام حق السوريين في تقرير مستقبل بلادهم السياسي عبر صناديق الاقتراع، وتحديد من يكون ومن لا يكون في سدة المسؤولية.
أمام النجاحات العسكرية في الميدان، اضطرت الولايات المتحدة إلى قبول اتفاق «وقف العمليات»، ولكن هذا الاتفاق وفر ظروفاً للجيش السوري مكّنته من تحرير تدمر والقريتين، والاستعداد لتحرير دير الزور والرقة، عند هذه النقطة رأت واشنطن أنّ اتفاق «وقف العمليات» يصبّ في مصلحة الدولة السورية وحلفائها، فأوعزت لحلفائها بالضغط على الجبهات المشمولة بقرار وقف العمليات لمنع الجيش من تركيز قواته على جبهات الرقة ودير الزور. ولكن في المقابل اتفاق وقف العمليات انهار جراء هذه الخروقات، وبدأت تلوح بالأفق إمكانية العودة إلى ما قبل هذا الاتفاق، وبالتالي تحرير المزيد من الأراضي من قبل الجيش السوري وحلفائه، هنا عادت واشنطن من جديد إلى إحياء اتفاق وقف العمليات، ولكن هذه المرة بشروط متشدّدة من سورية وحلفائها، وأصبحت واشنطن أمام خيار من اثنين: مواصلة خرق الهدنة، وبالتالي انهيار اتفاق وقف العمليات واستئناف الجيش لمعارك تحرير المزيد من الأراضي، أو العودة إلى الهدنة، وبالتالي خلق مناخ يسمح للجيش بحشد قوات كافية لتحرير مناطق تحت سيطرة «داعش» في الرقة ودير الزور قبل وصول الولايات المتحدة إلى هذه المناطق، وهنا يكمن المأزق الأميركي.