«داعش» منتصرة: ندخل ونخرج متى نشاء
يوسف المصري «البناء»
السيناريو الذي شهدته عرسال منذ يوم السبت الماضي، كان متوقعاً أو أقله كان متخيلاً من قبل مستويات سياسية وأمنية لبنانية. والواقع أن سيناريو تكرار هجوم الإرهابيين على عرسال أو على مناطق لبنانية أخرى، هو أيضاً متوقع ومتخيل من قبل جهات عليمة. والخوف من وجود سيناريو كهذا هو الذي جعل جهات منخرطة في التفاوض بين هيئة العلماء المسلمين والإرهابيين، تنصح بأن تتضمن «التسوية» مع الأخيرين بنداً يشترط عدم محاولة عودتهم مرة ثانية إلى البلدة أو بلدات لبنانية أخرى. ولكن السؤال الذي واجه هذا الاقتراح هو كيف تستطيع الدولة أو الجيش اللبناني، إيجاد جهة تضمن هذا البند؟ بكلام آخر من هي هذه الجهات ذات الدالة على التكفيريين؟!
ومن نافل القول في هذا المجال إن داعش أو جبهة النصرة أو إخوانهما، ليسوا بالجهات التي يمكن إبرام تسوية ضمانات معها، وفيما لو عقدت الدولة مع داعش والنصرة تسوية ثنائية فإنها ستجد نفسها في موقع
من يعترف بهما. فإذن من يضمن عدم عودة هذه المجموعات الإرهابية إلى عرسال أو غيرها من البلدات اللبنانية في حال تم إخراجها ضمن تسوية معها؟!.
لا يخفي السوريون أمرين حين سؤالهما عن رأيهم بما حدث ويحدث في عرسال الأمر الأول أن الجيش السوري مستعد لمؤازرة شقيقه الجيش اللبناني في هذه المعركة سواء عبر غارات الطيران السوري لإسناد الجنود اللبنانيين في محاور القتال أو حتى عبر أي شكل مطلوب من المساندة. الأمر الثاني يتعلق بسؤال يطرحه السوريون وإن في شكل غير رسمي ومفاده: سمعنا تصريحات لبنانية تقول بإبرام تسوية تؤمن خروج المسلحين من عرسال !! ، والسؤال إلى أين يخرجون؟ هل المطلوب أن يعودوا إلى سورية ليستأنفوا القتال ضد الجيش السوري، أم أن يعودوا إلى جرود عرسال اللبنانية ليعيدوا ترتيب صفوفهم كعادتهم قبل أن يقوموا بشن غزوة ثانية ضد أراض لبنانية؟.
وتوصي هذه الأسئلة بأنه يجدر الحذر من فكرة أن التسوية مع الإرهابيين تقلل الخسائر وتحقق الهدف المنشود وهو تحرير عرسال منهم، ذلك أن تجارب الأمس مع المجموعات التكفيرية في غير مكان من العالم، تظهر أن العلاج الوحيد المتوافر للتعامل مع التكفيريين هو قتالهم أو استسلامهم. فهذه المجموعات حينما تنجح في ابتزاز أي دولة في المرة الأولى تحت مسمى تسوية أو أي مسمى آخر، ستعود لتكرار هذا الابتزاز مرة ثانية وثالثة ورابعة.
لا شك أن الجيش اللبناني يعرف هذه الحقيقة، لذلك رفع شعار لا تفاوض مع الإرهابيين، ولكن هناك مستويات أخرى في البلد تتحدث عن خيارين يمكن للبنان أن «يتذاكى» على أزمته مع الإرهاب من خلال انتهاجهما: الأول البحث عن دولة أوروبية ومعها دولة خليجية تضمن تسوية عرسال وبخاصة البند الذي يقول فيها إن الإرهابيين يتعهدون بعدم العودة إليها ثانية. وهناك معلومات تسربت يوم أول من أمس تفيد أنه تم فعلاً طرح تسمية ألمانيا أو النمسا وقطر لتؤدي دور الضامن.
والأمر الذي لا يمكن فهمه على هذا الصعيد، هو كيف يمكن اتمام صفقة الضمانات بمعنى آخر من هي الجهة التي ستتحدث مع هذه الدول لنيل هذه الضمانات هيئة العلماء المسلمين أم وسطاء غير مرئيين، ثم هل فعلاً يوجد لهذه الدول المقترحة لضمانة عدم عودة الارهابيين دالة على داعش وجبهة النصرة والمجموعات التكفيرية الأخرى؟!
وهناك من يقدم إجابة على هذه الاسئلة ويصفها بأنها صالحة لإزالة الدهشة. تفيد هذه الإجابة أن معظم المعارك السابقة مع جبهة النصرة ومجموعات تكفيرية في القصير والقلمون وأيضاً في حمص وحلب، كانت يتم حسمها نتيجة اتفاقات غير معلنة مع المسلحين تؤمن انسحابهم من ممرات آمنة وتعهدات تضمنها أطراف ثالثة بأنهم لن يعودوا لشن هجمات جديدة. وما هو مطروح اليوم بخصوص إخراج الارهابيين من عرسال هو اتباع نفس الطريقة وعبر تسوية يكون جزء منها معلناً وظاهراً وأجزاء أخرى تبقى خافية وغير مقروءة.
الخيار الثاني الممكن لإنهاء أزمة تواجد الإرهابيين في عرسال يتم من خلال ترك ممر آمن لهم ليعودوا إلى الأراضي السورية. ومثل هذا الحل يمكن القيام به من دون إظهار أنه حصلت تسوية، وبالتالي نعيد الأزمة إلى منشأها الأصلي، أي إلى الداخل السوري. وينسى أصحاب هذا المنطق أمراً خطراً وهو أن المسلحين الذين دخلوا إلى عرسال هربوا من سورية لأن حرب القلمون ٢ لم تتضمن تسويات مع الجيش السوري، فهي انطلقت لاستئصالهم وليس للضغط عليهم عسكرياً من أجل إرغامهم على الانسحاب إلى منطقة أخرى. وعليه فإن هذا القرار في سورية بالتعامل مع مسلحي القلمون وامتدادات السلسلة الشرقية لجهة الداخل السوري سيستمر هو ذاته: «استئصالهم وليس تركهم ينسحبون». ويعني هذا بوضوح أنهم لو تركوا يعودون إلى سورية فإن قرار الجيش السوري باستئصالهم سيجبرهم على العودة إلى لبنان، وما سيشجعهم على ذلك هو أنهم نجحوا في المرة السابقة أي الحالية بابتزاز الدولة اللبنانية.
ويختم هذا التحليل بالقول إن لعبة تبادل كرة الإرهاب عبر الحدود اللبنانية السورية لن ينتج إلا استفحاله عبرها مستغلاً غياب تنسيق الجيشين السوري واللبناني في قتاله لغاية استئصاله.
بقى من المهم الإشارة إلى أن المعلومات السابقة لأحداث عرسال لم تتوقع فقط أن الإرهابيين في سورية سيدخلونها في شكل مفاجئ، بل هي حددت أيضاً منطقتين لبنانيتين مرشحتين لأن تشهدا في أي وقت اقتحام داعش لها انطلاقاً من الأراضي السورية. قصارى القول إنه إذا فوت القرار السياسي في لبنان فرصة سحق «الدواعش» في عرسال لمصلحة تسوية معهم أو من خلال من يعرفهم، فإن هذا يعني أنهم عائدون. وفي المرة التالية قد لا تنفع التسوية وليس الحسم في إخراجهم!