كلام الشيخ سعد عن الإرهاب… هل هو زلّة لسان؟

علي البقاعي

قالها بصراحة ووضوح: «إنّه الإرهاب الذي يهدّد لبنان». لم يكن هذا الكلام زلّة لسان، فمن المؤكد أن البيان الذي تلاه الرئيس الأسبق لمجلس الوزراء اللبناني الشيخ سعد الدين الحريري تمت مراجعة كلماته من قبل كل معنيّ بالشأن اللبناني في المملكة السعودية، ومن مستشاري الرئيس الحريري الكثر، باستثاء النائب عقاب صقر الذي يُعتقد أنه اعتذر لانشغاله بمهمة إنسانية تتعلق بتأمين الحفاضات والبطانيات والحليب لأطفال عرسال، بعدما انتهت مهمته في سورية.

الإرهاب في لبنان والعراق وسورية، أي بوضوح تنظيم «داعش» الذي ابتلع كل ما سبقه من مسمّيات، حتى لو لم يذكره الشيخ سعد في كلمته التي أعلن فيها عن «المكرمة الملياريّة» الثانية دعماً للجيش اللبناني، ومن أرض المملكة، وهي تمثل حتماً الرؤية «الكريمة» لخادم الحرمين الشريفين وأبناء إخوته المعنيين بالشأن اللبناني.

أعداء لبنان يا شيخ سعد هم «الدواعش» الذين فرّخوا وتعلّموا وتدرّبوا وتسلّحوا نتيجة مكرمات كثيرة من أمراء المملكة، التي تتبرع اليوم باسم ملكها بمكرمة المليار دولار دعماً لجيش لبنان ضد الإرهاب! إنهم أتباع أو تلامذة المدرسة الفكرية التي أسسها الشيخ أسامة بن لادن، مؤسس تنظيم «القاعدة» السعودي المولد والعقيدة، وأتباع من ورثه في القيادة بعدما قرر المتعهد الأميركي إنهاء دور الشيخ أسامة قبل أكثر من ثلاث سنوات وتفريخ منظمات بديلة تقوم بالمهمة من دون شروط مسبقة، بحسب ما كشفته السيدة هيلاري رودهام كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هذا الأسبوع في كتاب مذكراتها، إذ أقرت بأن «داعش» هي صنيعة الاستخبارات الأميركية.

الإرهابيون الذين حذرت من خطرهم يا شيخ سعد في مؤتمرك الصحافي هم أنفسهم الذي يحاربهم أبطال الجيش اللبناني «أسد الغاب» جنباً إلى جنب مع أهالي عرسال وفي سهولها وجرودها، وهم أنفسهم الذين يقاتلهم حماة الديار السوريين في غوطة دمشق وسهول حوران وجبال القلمون ووهاد السويداء وسواحل كسب. إنهم أنفسهم الذين يتصدّى لهم نشامى العراق بجميع مكوّناتهم في نينوى وأربيل وبغداد والرمادي وتكريت وقراقوش.

إنهم أنفسهم بسيوفهم المصلتة وشبقهم الجنسي وغريزتهم الحيوانية وحقدهم القاتل وفكرهم الجاهل يقتلون وينحرون ويسرقون ويفجّرون ويذبحون ويسحلون ويعدمون ويستعبدون الناس ويستبيحون الحرمات وينتهكون الأعراض ويسبون ويغتصبون النساء باسم دين الله «الرحمن الرحيم» الذي هو منهم براء، وتحت راية «الله أكبر» التي لا يمكن أن ترفع أو يُهتف بها إلاّ في سبيل السلام والإيمان والمحبة.

الإرهابيون الذين تتحدث عنهم لا يؤمنون إلاّ بدولة أبي بكر البغدادي «خليفة الله» على في الأرض، وستكون أنت ومن يؤمن بمنهجك أول ضحاياهم. هم لا يؤمنون بـ«أربتعش» أو بـ «تماني» ولا يؤمنون بدولة لبنان ولا بتركيبتها ولا بالميثاق الوطني ولا باتفاقات الطائف والدوحة أو بتعددية دينية أو قومية، ولا يؤمنون بتوزيع الرئاسات بين الطوائف وبحكومات ثلاثينية أو عشرينية، وبالطبع لا يؤمنون برئاسة الوزراء للسنة المعتدلين أمثالكم لأنكم لستم من ملّتهم، باستثناء «المُلهم» خالد الضاهر الذي قد يُعيّن والياً على إمارة لبنان نظراً إلى ولائه المميز للفكر «الداعشي» ولأنه كان من «المبُشّرين» بحسب اعترافه قبل أشهر أمام أجهزة التلفزيون.

سعادة الشيخ سعد، بكامل وعيك وإرادتك وقفت تردد أمام العالم أنك ضد الإرهاب «الداعشي» وتحدثت عن خطر يهددنا جميعاً، مسلمين ومسيحيين، أكثريات وأقليات، وعن ضرورة أن نكون جميعاً يداً واحدة ضد هذا الخطر الذي يهدّد مصيرنا ووجودنا. وهذا الكلام عينه يقوله قائد سورية الرئيس بشار الأسد ويردده كل يوم قائد المقاومة السيد حسن نصرالله. فهلاّ أجبتنا كيف يكون الإرهاب «الداعشي» خطراً على لبنان ولا يكون خطراً على سورية؟ وكيف يكون «الدواعش» الذين يقاتلون ضد النظام في سورية مقاتلين في سبيل الحرية والديمقراطية ويصبحون إرهابيين بمجرد أن يجتازوا حدود سايكس بيكو المصطنعة متجهين إلى لبنان؟ وماذا سيكون مصير المسيحيين إذا ما قُدر لـ«الدواعش» أن يضموا لبنان إلى دولة الخلافة؟ وهل سيكون مصيرهم مختلفاً عن مسيحيي سورية والعراق؟ وماذا سيكون موقف ملهمي ثورات «الربيع العربي» وأعني أبطال «ثورة الأرز»؟

في حال لم يتمكن مستشاروك الكثر من الإجابة عن أسئلتي، يمكن الإستعانة بصديق، وأتمنى أن يكون الدكتور سمير جعجع، وإن لم يعرف الجواب فيمكن الاستعانة أو الاستغاثة بالدكتور فارس سعيد أو بالصحافي «المميز» شارل جبور، لعل لدى أحدهم الجواب الشافي… وإن لم يتمكنوا جميعاً فسأكتفي بجواب من الدكتورة مي شدياق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى