وحدة الهدف والمصير فلسطينيّاً
سري القدوة
إنّ إنهاء الاحتلال وإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه، والتزام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بما عليهم من واجبات ومسؤوليات تجاه حماية الشعب الفلسطيني، هما مفتاح الاستقرار والسلام في المنطقة.
إن ما تنفذه حكومة الاحتلال بتنكرها لسائر مبادئ عملية السلام وسعيها الدائم إلى تدمير حل الدولتين، وما تقترفه آلتها العسكرية يومياً من مجازر بشعة ومخالفة للقيم الأخلاقية والإنسانية، وللمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والقانون الدولي واتفاقيات جنيف، وما تقوم به من اعتداءات وتقتيل للأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ، واستهداف للطواقم الطبية وسيارات الإسعاف والمراكز الصحية والمستشفيات، واستهداف الطواقم الإعلامية، وتهديم للبيوت وتدمير شامل في البنية التحتية، وشبكات الكهرباء، والطرق، والمياه والصرف الصحي والأراضي الزراعية، ودور العبادة من مساجد وكنائس، وتشريد مئات آلاف الأسر عن بيوتها، وإبادة عائلات كاملة، وتهجير أحياء كاملة، وتدمير مراكز الإيواء للنازحين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة، هو مخطط لاغتيال الطموحات الوطنية للشعب الفلسطيني وتدمير بناه الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
إن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مطالبان اليوم بضرورة تحمّل مسؤولياتهما إزاء الكارثة الإنسانية في حق أبناء شعبنا في قطاع غزة وفقاً لمبادئ القانون الإنساني الدولي.
إن استمرار حالة الصمت العربي وعدم الاكتراث الدولي أمام هذه المجازر البشعة والممنهجة يخالف المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والأعراف الدولية. حان الوقت لمحاسبة «إسرائيل» ومعاقبة المجرمين أمام المحاكم الدولية، فإلى متى سيسمح للترسانة العسكرية «الإسرائيلية» بالاستفراد بالشعب الفلسطيني؟! والى متى يبقى العالم يُدلّل في «إسرائيل» كأنها فوق القانون؟!
كنا حذرنا المجتمع الدولي من ادعاءات «إسرائيل» الكاذبة لدى شنّها هذا العدوان الدموي المُبيّت والممنهج الذي يستهدف الأرض والشعب الفلسطيني كله، ويستهدف أساساً تقويض حكومة التوافق الوطني وإفشال المصالحة الوطنية وحل الدولتين وتصفية القضية وشطب حقوق الشعب الفلسطيني بالعودة وتقرير المصير والدولة المستقلة بعاصمتها القدس.
إن الجهود التي تبذلها القيادة الفلسطينية لوقف هذا العدوان البربري والتدميري، فضلاً عن الوفد الفلسطيني الموحد في القاهرة، ستنجح بالتأكيد، فالجهود هذه تعبّر عن إرادة الشعب الفلسطيني الذي يحمل مطالب فلسطين التي أجمع عليها الكل الفلسطيني والمتمثلة بوقف العدوان وانسحاب قوات «إسرائيل» كاملاً من غزة، وإنهاء الحصار وفتح المعابر ورفع الطوق عن الصيادين واتساع نطاقه ورفع الطوق عن مزارعي الحدود والتحضير لإعادة الاعمار من خلال تقويم قطاعي تشارك فيه المؤسسات الحكومية المعنية وإطلاق سراح الأسرى دفعة شاليط والدفعة الرابعة من الاسرى القدامى ما قبل أوسلو وتشمل وقف إطلاق النار وإنهاء الحصار وفتح المعابر.
إن المجتمع الدولي مدعو اليوم إلى دعم هذه المطالب والعمل على تحقيقها وإلزام «إسرائيل» بها.
ارتكبت «إسرائيل» المجازر في حق شعبنا الفلسطيني، والأوضاع التي يعيشها أبناء شعبنا في القطاع من جراء العدوان «الإسرائيلي» البربري هي أوضاع كارثية إذ أوقع العدوان إلى الآن نحو 1880 شهيداً ثلثهم من الأطفال 429 و243 امرأة و79 مسناً، وأكثر من 9570 جريحاً بينهم 2877 طفلاً و1853 امرأة و374 مسناً، وما يزيد على تدمير عشرة آلاف بيت ومسجد تدميراً كاملاً ونحو 30000 منزل تدميراً جزئياً.
في ظل هذا الدمار بات أهلنا في القطاع في أمسّ الحاجة إلى ضرورة مشاركة الجميع والعمل في جميع الاتجاهات وعلى نحو عاجل وسريع كي يلمس أبناء شعبنا في غزة عملاً إيجابياً إزاء الواقع الأليم الذي يعيشونه، من خلال المساعدات الإنسانية والإغاثية للمواطنين والأسر المنكوبة، ما يساهم في التخفيف من معاناتهم ويعزّز تماسك النسيج الاجتماعي والصمود.
إن الحفاظ على الوحدة الوطنية التي تجسدت في مواجهة العدوان «الإسرائيلي» الهمجي والصمود في وجهه في الميدان ومن خلال الجهود السياسية المكثفة للقيادة الفلسطينية يأتي في المقام الأول ولا مجال للتشكيك في وحدة الصف الفلسطيني وقدرة شعبنا على استنهاض حالة الاتحاد والوحدة والعمل على إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية والإنسان الفلسطيني القادر على حماية وطنه واستقرار فلسطين .
الأيام القليلة المقبلة ستشهد معركة سياسية مع دولة الاحتلال يجب التصدي لها بمزيد من الوحدة بغية تحقيق أهدافنا الوطنية في إنهاء معاناة أهلنا في قطاع غزة وفك الحصار، وصولاً الى إنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» وإنجاز هدف الحرية والاستقلال.
الهدنة الحالية هي ثمرة صمود شعبنا والجهود السياسة والدبلوماسية التي قادها الرئيس محمود عباس والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والتي عملت منذ بداية العدوان على لجم آلة الحرب «الإسرائيلية» ووقف نهشها أجساد أطفالنا ونسائنا وشيوخنا وتدمير منازلنا ومدارسنا ومستشفياتنا وبنيتنا التحتية.
رغم المؤامرات التي تحاك ضد المشروع الوطني الفلسطيني ومحاولات البعض العمل على مصادرة القرار الوطني الفلسطيني المستقل… وفي هذه الساعات الحاسمة نتوجه بالتحية والتقدير الي دور مصر العظيم فهي ترعى دوماً منظمة التحرير الفلسطينية وتستضيف وفدها، ونأمل في أن تحقق في الساعات المقبلة التهدئة ووقف العدوان. تبقى مصر صمام أمان القضية الفلسطينية والعمق الكفاحي والحاضن التاريخي للثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها، واللقاء التاريخي الأول بين الزعيمين ياسر عرفات وجمال عبد الناصر..
اليوم، في قلب مصر العروبة، نحقق إنجازاً كبيراً للشعب الفلسطيني رغم الألم ومعاناة شعبنا. إن صمود شعبنا ودعم مقاومته لنيل حقوقنا وترسخ معالم دولتنا الفلسطينية والحفاظ علي الهوية الوطنية للشعب العربي الفلسطيني كانت حاضرة بقوة ضمن الضمير الجمعي لوحدة الموقف الفلسطيني بمساندة مصر رئيساً وشعباً.
تلك المنطلقات النضالية لشعب فلسطين حاضرة اليوم. وقف الشعب الفلسطيني صامداً على أرضه بقوة مدافعاً عن حقه في تقرير مصيره. هذا الصمود الرائع ما كان ليتحقق إلاّ بفعل إرادة الإنسان الفلسطيني الوطني الصلب المؤمن بحريته وبدولته وقدرته على تحقيق الصمود أمام أعتى آليات القمع والعدوان التي مارستها حكومة «إسرائيل» ضد شعبنا المناضل العظيم.
من فلسطين، كل فلسطين، تحية احترام وتقدير لهذا الجهد ولمن يعمل بصمت لأجل وحدة الشعب الفلسطيني وحماية المشروع الوطني الفلسطيني.
إن نجاح خطوات الوحدة يعني لجم أكثر من طرف ومحور إقليمي ودولي كان يسعى الى الإمساك بالقرار الفلسطيني واستخدامه كورقة مساومة لتعزيز أدوارهم الإقليمية الوهمية على حساب دماء شعبنا وقضيتنا الوطنية.
إن المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني وقيادته معقدة ومصيرية، فيها الكثير من خلط الأوراق لتصفية القضية الفلسطينية، والواقع العربي والإقليمي والصراعات الطائفية والمذهبية وانهيار الدول الوطنية العربية تساهم في تشجيع العدو «الإسرائيلي» على تنفيذ مخططاته.
إن المحاولات التي تستهدف وحدة شعبنا ستزداد في المرحلة المقبلة، بعدما فشل الاحتلال «الإسرائيلي» والمحاور الإقليمية في تفتيت قرارنا الوطني ومصادرته، والرد على ذلك كله هو بمزيد من الوحدة والتلاحم، فالوحدة الوطنية وحدها قادرة على افشال هذه المخططات والمحاولات، ووحدها تقودنا الى النصر وإنجاز أهدافنا الوطنية.
رئيس تحرير جريدة الصباح فلسطين
http://www.alsbah.net
infoalsbah gmail.com