أردوغان مثل سلمان…!
مصطفى حكمت العراقي
لم يكن إعلان أحمد داوود أوغلو يوم 5 مايو/أيار الحالي عن استقالته من رئاسة الحكومة التركية مفاجئاً لمن يراقب الوضع التركي عن كثب، فهذه الخطوة نتجت عن تداعيات متعدّدة لم تكن بمعزل عن الفشل التركي في سورية إضافة الى تمدّد الإرهاب داخل تركيا وصولاً الى الخلافات بينه وبين رئيس الدولة رجب طيب أردوغان حول عدد من القضايا في السياسة الداخلية والخارجية، لذلك تسرّب أنّ استقالة اوغلو التي أجبره عليها أردوغان هو وجود الخلافات الكبيرة حول ادارة البلاد ومعارضة اوغلو للنظام الرئاسي بدلاً عن البرلماني، وحلم اردوغان بالتزعم منفرداً في تركيا وجعل الجميع توابع لتدخل تركيا الإخوانية فصلاً عن جديد من المتغيّرات الداخلية والخارجية بعد إخراج داود اوغلو من الساحة السياسية، ما قد يجعل تركيا تتجه نحو مزيد من التطرف للتغطية على الفشل الداخلي والخارجي.
وبعيداً عن هذه الأسباب التقليدية، فإنّ هنالك عوامل مهمة يمكنها التأثير مباشرة لجهة نسف العلاقة التاريخية بين الثنائي الذي حوّل تركيا عدواً إلى الجميع بدلاً من صفر مشاكل، فأردوغان ذو الفكر الإخواني العميق تصادم مع اوغلو الذي يوصف بأنه ليبرالي الى حدّ ما قبل ان يكون إخوانياً، كما يُعتبر اوغلو براغماتياً يجيد قواعد اللعب السياسي في الدائرة الاميركية «الاسرائيلية»، اضافة الى وصفه بمهندس سياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا. لذلك حاول اوغلو التوجه نحو اتخاذ دور اقليمي ودولي اوسع من خلال كسب القدرة في التحكم بالساحة السياسية التركية الداخلية لجهة ضرب المعسكر الكردي الداخلي وإخراس المعارضة والتوجه نحو التفرّد بحكم الحزب، والذي حاول تغطيته عبر الاقتراب من الكيان «الاسرائيلي» واللوبيات الصهيونية في اميركا والغرب. واخذ اوغلو على عاتقه هذه المهامّ في الحزب الذي كان يريد كسب رضا الغرب إضافة الى إبعاد العسكريين عن السلطة، خصوصاً بعد رفض الجيش التركي السير خلف اردوغان واوغلو في التوغل براً في سورية، ورغم كلّ ذلك فإنّ كلّ ما رأيناه ويدور في السياسة التركية خلال السنوات الـ5 الماضية، وخصوصاً بعد فوضى «الربيع العربي» كان نتاج أفكار اوغلو، ولكن اردوغان الذي يقبل بوجود العاملين معه ومنهم اوغلو بشرط الا يضرّ وجودهم بزعامته وسطوته أما إن شعر بوجود انقلاب حزبي وسياسي أو حتى صعود نجم شخص آخر فوق نجمه، فإنه يتصدّى لذلك بسرعة. وهذا هو الثابت الوحيد في فترة حكم اردوغان لتركيا، وانّ الفراق بين اردوغان وفتح الله غولن المؤيد للغرب كان من هذا القبيل، كذلك تكرّرت الحادثة الرئيس السابق عبدالله غُل. كما أنّ واشنطن التي ترتب أوراق حلفها بعد الفشل المتراكم في شتى الملفات خسرت داود أوغلو والذي يعتبر حليفاً موثوقاً لها وأكثر اعتدالاً في حكومة انقرة التي تتجه نحو الاستبداد في عهد أردوغان. وبحسب بعض التقارير فإنّ الجنرال الاميركي جون آلن يكرّر أنه «يمكننا أن نعمل بشكل جيد مع رئيس الوزراء»، مضيفاً: «قد يكون خليفته مختلفاً جداً عنه».
وخلال الفترة الماضية وجدت الولايات المتحدة في داود اوغلو منهجاً يتبنّى خطاً أكثر اعتدالاً في التعامل مع الأكراد، ورغم أنه كان رئيس وزراء ضعيفاً ويتمتع بقدر قليل من السلطة أو الاستقلالية، إلا أنه كان حلقة وصل هامة بين واشنطن وانقرة… أما عن البديل المحتمل لأوغلو فقد اختلفت الروايات لجهة تحديد شخصيته التي سيحدّدها حزب العدالة والتنمية الحاكم في اجتماع استثنائي مقبل، إذ سيختار أردوغان خليفة أقلّ معارضة لتغيير الدستور التركي. وهي الخطوة التي من شأنها تعزيز رئاسته وسلطته على حساب البرلمان.
الى ذلك انحصرت الترشيحات لمنصب رئيس الحكومة بوزير النقل بينالي يلدريم ووزير الطاقة بيرات البيرق ونائب رئيس الحكومة نعمان كورتولموش، أما الأقرب بين هؤلاء فهو وزير الطاقة والموارد الطبيعية بيرات البيرق وهو ابن الصحافي والسياسي صادق البيرق والصديق الشخصي لأردوغان، والذي تزوج من إسراء ابنة أردوغان عام 2004، وقد شغل بيرات سابقاً منصب رئيس شركة «جاليك» القابضة، وقبل ذلك كان يشغل منصب رئيس فرعها في الولايات المتحدة ليعيّن وزيرا للطاقة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015 وبعد انتخابات السنة الماضية اصبح البيرق نائباً في البرلمان عن «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، وبعد بضعة أشهر عيّن وزيراً للطاقة والموارد الطبيعية في حكومة داود أوغلو، ويرى خبراء أنّ أردوغان يعدّ صهره لشغل مناصب عالية ولذلك يعدّ البيرق المرشح الأقوى لمنصب رئيس الحكومة الذي يشغل منصباً مرموقاً في الدولة، إضافة الى ارتباطه العائلي بأردوغان ولذا، يُتوقع تكليفه برئاسة الحكومة، ومع ذلك ليس مستبعداً أن يهيّئ أردوغان وحزبه مفاجأة ويكلف شخصاً آخر من غير المذكورين على أن يكون أردوغانياً بالتأكيد…
في المجمل فإنّ تركيا مقبلة على تغييرات مهمة لا محالة، فمن كان العقل المدبّر لكلّ شيء في تركيا سقط اليوم وهنا سيكون الاختبار حتمياً على اردوغان وحزبه لجهة الاختيار بين مسارين احلاهما مرّ، فإما التوجه نحو مزيد من التسلط لأردوغان لجهة إنشاء حكم عائلي يسير نحو المجهول ببلاد الأناضول، أو اعتبار سقوط اوغلو هو قربان التوجه نحو الاعتدال والعودة الى الوراء والتموضع نحو سياسة جديدة للقبول بنتائج الحرب الشاملة التي وقعت في الشرق الاوسط باشتراك تركي رئيسي. لذلك من الواجب عليها التموضع خلفاً، وذلك لن يتمّ بوجود صقر من صقور الحرب كأوغلو، لذلك كان القرار بإسقاطه كما حصل سابقاً مع الحَمَديْن في قطر، وفي الحالتين خسر أردوغان وحزبه.