استراتيجية الغرق والعوم…!

فاديا مطر

في موازاة حرارة جبهات القتال في حلب، والتي لم تخفف من برودتها المشاورات والتعاون العسكري ما بين موسكو وواشنطن، انعقد في باريس لقاء تمثل في اجتماع ضم ممثلي حوالي عشر دول عربية وغربية أول أمس، في دعم ما يسمى بـ «المعارضة السورية»، والذي انتهى بالدعوة لاستئناف المفاوضات في أسرع وقت ممكن.

وفي هذا الصدد جاء تعبير وزير الخارجية الفرنسية «جان مارك إيرلوت» ،عن مطالبته بـ«ضمانات ملموسة للحفاظ على الهدنة» لمضاعفة الجهود لإحياء عملية السلام، التي انهارت في نهاية شهر نيسان الفائت، مشيراً إلى اجتماع للمجموعة الدولية لدعم سورية والذي قد ينعقد الأسبوع المقبل في فيينا.

وكان الاجتماع الباريسي سبقه إعلان صدر عن الخارجية الروسية وواشنطن قبل ساعات، تضمن التعهد بمضاعفة الجهود للتوصل إلى تسوية النزاع في سورية بطرق سياسية، فالموضوع بغلافه الخارجي هو صورة لمحادثات سياسية تحمل أمنيات ومطالبات لحل الأزمة السورية، لكن في باطنه أهداف ومآلات حملت بين سطورها وضوح في النيات الدولية للحفاظ على استقرار لا يسمح باندلاع معركة كبرى، ربما تجر ما تبقى من «مختلطين» مع النصرة إلى حافة الهاوية، وتعديل الجيواستراتيجية العسكرية للمناطق الشمالية التي تحاول باريس عبر اجتماعاتها المحافظة عليها وعلى شرايين دعمها من الحدود التركية التي مازالت تشهد دعماً من المحور «السعو ـ التركي» الساعي للسيطرة على مناطق استراتيجية في الريف الحلبي للضغط على موسكو ودمشق. فاستراتيجية عدم التفريط وإعادة الفك والتركيب للمجموعات الإرهابية المختلطة، هدفه أن يضعها في أسوار آمنة في الهدنة، رغم أن اللعبة السياسية الدولية مازالت تُقيم عليها آمالاً وأوهاماً، وهي محاولة لنقل الأزمة إلى مراحل متقدمة على مستوى التعاطي الدولي والإقليمي معها، وبشكل لا يجعل حلفاء واشنطن على محك معركة كبرى تُغير موازين القوة التي قد تكون حاسمة بالنسبة لحلفاء الرئيس الأسد، وضياع فرص الاستفادة من الهدنة بشكل ربما يتطور إلى حسابات استراتيجية ترقى لمستوى دول كبرى، وهذا ما يجعل السياسة الأميركية تقدم تصوراً لتسوية ممكنة على أساس «مراحل انتقالية» لم تلغِ في مضامينها المواقع المضادة والمتقابلة للحلول العسكرية، فالتحالفات بين محور المقاومة مازالت تسيطر على طعم الميدان العسكري، والعزلة التي تشعر بها تركيا أبدتها كلمات «أردوغان» عن التخلي من حلفائه عن دوره واستبعاده من مصالح الأسرة الأطلسية وهذا ما يجعل الرهانات الخاطئة التركية والسعودية تحمل في رياحها أهدافاً ومخاطر كبيرة إن كانت لجهة الهدنة المحكومة بعيون القاعدة الجوية في اللاذقية، أو لجهة نمو الوضع العسكري إلى تطورات المواجهة العسكرية، التي قد تجعل من القراءة الأميركية ارتكازاً لفكرة القواعد العسكرية المتقابلة، فبين استراتيجيات الغرق والعوم تكمن المحاولات السياسية..؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى