المقاومة حاضرة.. والحريري إلى أين؟

حسين حمّود

أظهرت الانتخابات البلدية في بيروت والبقاع جملة معطيات ذات دلالات سياسية، ولا سيما على صعيد العلاقة بين حزب الله وتيار «المستقبل»، وتحديداً رئيسه سعد الحريري.

فخلافاً لقول الحريري خلال انتخابات بيروت يوم الأحد الماضي، إنّ عدم إشراك حزب الله في لائحة «البيارتة» المدعومة منه ومن عدد من الأحزاب، يشكّل قيمة مضافة للائحة، فإنّ الحزب أبقى على قيمة الحريري السياسية نظراً إلى ضآلة مشاركة الكتلة الشيعية في الاقتراع. فلو أوعز الحزب لجمهوره بالمشاركة اقتراعاً لمصلحة اللائحة المنافسة «بيروت مدينتي» لكان الحريري نفّذ ما نقل عنه بأنه سيعتزل العمل السياسي كلياً في حال خسرت لائحته الانتخابات. وقد أظهرت النتائج الرسمية لانتخابات بيروت أنّ لائحة «بيروت مدينتي» حصدت عشرات الآلاف من الأصوات واقتربت بعض الأرقام إلى عدد لا بأس به من مرشحيها من عدد الأصوات التي نالها قسم من لائحة «البيارتة»، ولو جاء الدعم من حزب الله للائحة الأولى لحققت خرقاً مؤثراً للائحة المنافسة واحتلت نسبة وازنة، ليس أقلّ من عشرة مقاعد من مجموع مقاعد المجلس البلدي للعاصمة المؤلف من 24 عضواً.

وما يؤكد ذلك، بحسب أوساط سياسية، هو تراجع شعبية الحريري في بيروت وفي عدد كبير من المناطق في البقاع والشمال والجبل، لأسباب عدّة أهمها تراجع دعم الحريري المالي لمناصريه، ثم وكما ظهر في الانتخابات، تزعزع ثقة جمهور «المستقبل» وضعف اقتناعه بتوجهاته وهذا ثبت من خلال الأعداد الضئيلة من الوفود الشعبية التي أمّت «بيت الوسط» خلال التحضير للانتخابات، وقلة الحضور الشعبي خلال جولات الحريري البيروتية لحث «البيارتة» على التصويت للائحته.

ولم ينته الأمر عند هذا الحدّ، بل تمّ طعن الحريري من بعض حلفائه المقرّبين جداً منه في قوى 14 آذار الذين اتهمهم بعدم العمل الجدي في حث المناصرين على المشاركة في الانتخابات لإنجاح لائحة «البيارتة» التي كانت حتى ما بعد ظهر الأحد عرضة للخرق من اللائحة المنافسة لها. وتجدر الإشارة إلى أنّ الحريري كان قد صرّح عشرات المرّات بأنه لا يبعده عن حلفائه في 14 آذار سوى الموت. ويبدو أنه الآن في مرحلة «الموت السريري السياسي» بعد أن تجرّع من حلفائه، وليس من خصومه، في الداخل والخارج، كؤوساً سياسية مسمومة عدة، لدرجة أنه لم يجد في بيروت سوى نحو 12 في المئة من المناصرين له من العشرين في المئة الذين شاركوا في الانتخابات المحلية.

وإذا كان هذا هو حال الحريري والحريرية و14 آذار عموماً، فإنّ حزب الله في المقابل حافظ على حضوره القوي بين جمهوره، رغم كلّ الحملات السياسية والمالية والإعلامية الشرسة التي يتعرّض لها في الداخل والخارج، بهدف إبعاد جمهوره عنه. وقد أثبتت انتخابات البقاع أنه حاضر في الوجدان الشعبي لمناصريه، بحيث فازت اللوائح البلدية والاختيارية كلها التي شارك فيها ودعمها مجنّداً لها ماكينة انتخابية مؤلفة من عشرة آلاف شاب وشابة، وتنطلق منها صناديق الاقتراع.

وترى الأوساط السياسية أنّ عدم ارتفاع نسبة المقترعين في بعض البلدات البقاعية لا يدلّ على تراجع شعبية الحزب بقدر ما هو نتيجة لتراخي بعض جمهور المقاومة، من غير المحازبين، عن المشاركة في الانتخابات ليقينه بالفوز المؤكد للوائح حزب الله وحركة أمل والأحزاب والعائلات الحليفة. كما أنّ هذا الأمر يختلف عما حصل في بيروت، حيث عجز تيار المستقبل عن توفير فوز مريح للائحته بعكس حزب الله الذي أمّن الفوز لمئات المجالس البلدية والاختيارية في محافظتين هما البقاع وبعلبك الهرمل، رغم انشغالاته كلها خصوصاً في قتال التكفيريين ومواصلة التحضير لمواجهة أي عدوان «إسرائيلي» على لبنان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى