دخل الله: المُفاوضات ساحة رئيسية من ساحات المعركة وتعكس التقدم الميداني

حاوره: سعدالله الخليل

رأى الوزير والسفير السوري السابق الدكتور مهدي دخل الله «أنّ صوت السياسة، بما يتعلق بالشأن السوري، لا يغيب في الدول الغربية، وإن بدا غائباً في الشكل، كون السياسة تصبح انعكاساً للوضع الميداني وهذا ما تشهده التطورات السياسية عقب محادثات جنيف».

وقال دخل الله في حوار مشترك لصحيفة «البناء» وشبكة «توب نيوز»: «شاهدنا كيف لم تعجب التطورات في جنيف وفد الرياض الذي تكلم باسم السعودية عن نيته التصعيد في الميدان، وهذا ما نراه الآن برعاية أميركية وتركية، لكنّ التصعيد الأساس هو تصعيد سعودي» ،مشيراً إلى «أنّ السياسة في زمن الحرب تكون انعكاساً للميدان، وهو العامل الأول الذي يقرّر التوجهات السياسية، فأيّ اجتماع مُحتمل للأطراف المفاوضة في جنيف سيبدو كقوة تفاوضية تستمدّ مشروعيتها من الميدان، وهو ما يفسّر التصعيد الميداني الحالي بغية تحسين الأوراق التفاوضية على طاولات جنيف».

انعكاس الحوار الروسي ـ الأميركي

ورداً على سؤال حول دور الأمم المتحدة، عبر وسيطها ستيفان دي ميستورا في دفع المسار السياسي السوري، أجاب دخل الله: «ما تقوم به الأمم المتحدة هو انعكاس للحوار الروسي ـ الأميركي، وهو حوار ما زال في مأزق رغم أنه لم ينقطع، فالمأزق جاء من المرحلة المتقدمة التي وصلنا إليها في الحرب على سورية ومما حققه الجيش العربي السوري، بالتعاون مع روسيا، من إنجازات تُحسب له على الأرض وهو ما لم ينل رضى الولايات المتحدة التي تحاول الضغط على روسيا وعبرها على سورية من خلال زيادة الضغط الإعلامي ودعم الإرهابيين ومدّهم بأسلحة نوعية وهذا ما اعترفت به الولايات المتحدة مؤخراً عبر إرسال جنود أميركيين، كمستشارين عسكريين، إلى سورية من دون إذن الدولة السورية وهذا انتهاك صريح وفظّ، ليس للسيادة السورية فحسب بل للقانون الدولي ومبادئه، بالإضافة إلى استعمال تنظيمي داعش والنصرة كورقة ضغط على الأرض لتحسين الأوراق التفاوضية على الطاولات السياسية».

المفاوضات ساحة حرب

وحول جدوى المفاوضات، طالما أنّ الميدان يحدّد مسار السياسة، رأى دخل الله «أنّ التفاوض السياسي للدولة السورية ساحة من ساحات المعركة المتعدّدة بسبب دخول أطراف إقليمية ودولية، إضافة إلى الجيش والشعب السوري في هذه الساحة، فهي جزء وساحة رئيسية من ساحات المعركة التي تعكس التقدم الميداني على ساحة المفاوضات».

أما بالنسبة إلى تعدُّد الوفود المعارضة في حوار جنيف وفاعليتها في المباحثات، فلفت دخل الله إلى «أنّ المعارضة الأساسية المدعومة من أعداء سورية هي معارضة الرياض وتمثل الطرف الكامل المعادي لسورية، فالدولة تفاوض عبرها أطراف إقليمية ودولية عبر هذه المعارضة وليس عبر أشخاص سوريين، أما بقية المعارضات، ومنها الداخلية، فهي تعلم أنّ موقع الحوار الحقيقي بين السوريين ليس جنيف بل دمشق، وهذا ما يجعل المعارضة التي لا تتبع أجندات خارجية تشعر بالضياع في جنيف».

وأكد دخل الله «أنّ الخلاف القائم على طاولات التفاوض في جنيف بين الوفد الحكومي ووفد الرياض حول المسائل الأساسية يُحسم في الميدان، كما حسم الميدان الخلاف بين الحلفاء والنازيين في الحرب العالمية الثانية. فالحرب تؤدي في النهاية إلى مثل هكذا تفاوض، لكنّ المشكلة الأساسية هي أنّ الرياض وأتباعها يعتبرون أنّ على الدولة السورية الاستسلام بهذه الحرب وهذا مغاير للواقع تماماً، فالتطورات المواكبة للمفاوضات نتيجتها تدعم الجانب السوري بشكل كامل وبنيوي على الأرض، ما يجعل المسار التفاوضي طويل والبحث عن حلّ مع الإرهاب يكون في الميدان».

خياران سيئ وأقلّ سوءاً

وعن جدوى وقف العمليات القتالية وما ترتّب عليه من نتائج بدت واضحة في حلب، شدّد دخل الله على أنه «من حيث المبدأ في السياسة والحرب هناك منهجان يجب الاعتراف بهما وهما أنّ الأطراف في السياسة والحرب لا تملك خيارين جيد وسيِّئ، بل خيار سيِّئ وآخر أقلّ سوءاً. والأمر الثاني هو أنّ أيّ خيار كان سيفتح أبواباً واحتمالات كبيرة تتدرج بين الجيدة والسيِّئة، وبحسب مكامن القوة تكون أرجحية الموقف ونتائجه، وبهذا المنهج نحن نتعامل مع وقف الأعمال القتالية في سورية على أنها شرّ لا بدّ منه، لكنه أعطى إيجابيات وسلبيات للجيش السوري. ففترة الوقف أعطت الجانب السوري قدرة التركيز ميدانياً على مناطق معينة تواجد فيها داعش والنصرة وأمنت الارتياح في مناطق قبلت الهدنة، وظهرت النتائج بتحرير تدمر والقريتين والإنجازات في شمال سورية، لكنّ الأمر السيِّئ هو أنّ الإرهابيين أخذوا من وقف الأعمال القتالية فرصة لتجميع قواهم، خصوصاً في شمال اللاذقية».

ولفت إلى «أنّ حلب كانت الخطوة القادمة على أجندة التحرير العسكري، لذلك تصاعد الإرهاب فيها، ولقربها من الحدود التركية التي لا تخفي أطماعها، وهذا ما جعل الاتحاد بين تنظيم النصرة وبعض الفصائل التي دخلت الهدنة مدخلاً أرادت أنقرة التسلل منه، بحيث ترفع النصرة أعلام الفصائل التي لا تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية في مسعى لتبييض صفحتها، مدعومة باعتراف الولايات المتحدة بعدم القدرة على الفصل بين الفصائل الباقية وتنظيم النصرة وهو ما رفضته موسكو والدولة السورية».

وختم دخل الله، في هذا السياق: «حلب هي جبهة مصغّرة عن سورية، قياساً بموازين المعركة. فحلب هي المرحلة الانتقالية المركزية إلى ما بعدها مثل الرقة ودير الزور».

سياسة الحرب

وأشار دخل الله إلى «أنّ الدول الكبرى تحاول، بالموازاة مع الحرب، أن تلعب دوراً سياسياً ربما يحقق إنجازات مُضافة ويوفر عليها احتمالات تضاف إلى ميدان حربها وهذه هي الحالة الآن، فما زال الأميركي يحلم بالحصول على شيء ما بعد الحرب أي في سورية الجديدة، حتى عبر داعش والنصرة، لذلك يرى في انتصار الدولة السورية على الإرهاب فقداناً لأي مكاسب أخرى للولايات المتحدة، وبناء على هذه الرؤية لا تضغط واشنطن على تركيا والسعودية لتطبيق قرارات مجلس الأمن بوقف التسليح ودعم التنظيمات».

وأضاف: «يمكن ردع تركيا والسعودية بأن تقول الولايات المتحدة لهما: كفى، لكنها تعتبرها ورقة ضغط على الموقف الروسي والدولة السورية. أميركا تعلم أنّ الحدود التركية مسرَب لتهريب السلاح والإرهابيين وقد طلبت من تركيا مرات عدة إغلاق الحدود، لكن بطريقة الاستهلاك السياسي، ومن باب الدعاية الانتخابية أمام الرأي الشعبي الأميركي لإظهار الإرادة بوقف مساعي مكافحة الإرهاب، فيما تقرأ روسيا، كدولة عظمى، الإنجازات الميدانية بالتوازي مع المسارات السياسية».

تعنُّت تركي مفيد

وشدّد دخل الله على «أنّ السياسة الروسية العالمية قائمة على الشراكة بين الدول ومبدأ سياسة القانون الدولي، في حين أنّ السياسة الأميركية الخارجية تعتمد على تحقيق قيادة الولايات المتحدة المنفردة للعالم»، لافتاً إلى «أنّ الأسرة الأطلسية ما زالت مستفيدة من التعنُّت التركي بالضغط على الموقف الروسي لتحقيق مصالحها، لكن هناك عاملان أساسيان لم يكونا في الحسبان التركي أولهما الصمود السوري، وثانيهما التطورات التركية الداخلية من صراعات بين أركان الدولة التركية مثل انسحاب أوغلو الذي لا يعني بالمطلق نصراً لأردوغان بل يعبّر عن وجود تيار كبير داخل الحزب الحاكم التركي يقف موقف المعادي لأردوغان، وسنرى في القريب العاجل تبعاته بالإضافة إلى الملف الكردي الشائك، وهو ما حذر منه الرئيس السوري بشار الأسد منذ بداية الحرب على سورية بقوله إنّ الانعكاسات سترتدّ على الدول الإقليمية وساحاتها الأبرز تركيا والسعودية».

الخطر على السعودية قائم

وأكد الديبلوماسي السوري السابق «أنّ الخطر قائم على السعودية رغم أنّ نظامها مدعوم مباشرةً من الولايات المتحدة». وقال: «أحصيتُ عام 2010 أكثر من 35 زيارة لوفود أمنية فنية أميركية إلى المملكة للحماية الداخلية، ورغم توجيه بعض الانتقادات للمملكة حول حقوق الإنسان، فإنّ المصلحة الأميركية تقتضي بقاء النظام السعودي على ما هو عليه».

وأضاف: «من هذا المنطلق تأتي العلاقات السعودية ـ الإسرائيلية والتي ارتقت إلى مرحلة التنسيق والتوافق الاستراتيجي في العمق، أما باقي المواضيع الخلافية الشكلية لا تهمّ، فهو توافق استراتيجي حقيقي حول ملفات المنطقة بعد تقديم الأوراق السعودية لإسرائيل عبر اعتبار حزب الله منظمة إرهابية وهي خطوة لم تقدم عليها أوروبا، وعبر جزيرتي تيران وصنافير اللتين دخلت المملكة منهما إلى نافذة كامب دايفيد، في حين أنّ الاتصالات العلنية بين الرئيس السابق للمخابرات السعودية سفير الرياض لدى واشنطن ولندن سابقاً تركي الفيصل والجنرال الإسرائيلي يعقوب أريدور في واشنطن، فهي دلائل على وجود توجه مشترك أولوي واستراتيجي بين الرياض وتل أبيب».

يُبثّ هذا الحوار عند الخامسة من مساء اليوم على قناة «توب نيوز» على اليوتيوب عبر الرابط:

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى