باسل الحجيري: «أبو عجينة» دفع ثمن سياساته الخاطئة… ونرفض الوجود المسلّح في بلدتنا

محمد حمية

استطاعت الدولة اللبنانية تجاوز «قطوع» المرحلة الأولى من استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية في مناطق اتّسمت بالحساسية والدقّة من النواحي الأمنية والسياسية والطائفية، لا سيما في زحلة وعرسال، التي شكلت التحدّي الأكبر لوزير الداخلية نهاد المشنوق، فدخلتها الدولة اللبنانية من باب إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية بعد غيابها عنها أمنياً في الفترة الأخيرة.

بمعزل عن أن هذه الانتخابات أجريت وفق قانون انتخابات غير عادل، إلا أنها شكّلت فرصة للمواطنين للتعبير عن آرائهم، وممارسة حقهم الديمقراطي الذي حرموا منه بسبب التمديدَين المتتاليين للمجلس النيابي الحالي.

على رغم عدم صدور النتائج الرسمية في بعض المناطق، والبلبلة التي حصلت حول النتائج وبعض أقلام الاقتراع، والحديث عن مخالفات حصلت في أكثر من مركز اقتراع. بيد أن النتائج التي ظهرت حتى الآن، لا سيما في المناطق التي شهدت حماوة انتخابية بين اللوائح، والتي خالفت التوقعات في بعضها، أظهرت عدداً من المؤشرات السياسية، وفضحت أحجام قوى سياسية عدّة وأوزانها، لا سيما في بيروت التي شكّلت فضيحة لتيار المستقبل، وبالتالي ربما سترسم هذه النتائج مشهداً جديداً على صعيد التحالفات في الانتخابات النيابية المقبلة، وربما على صعيد الواقع السياسي.

إلا أن الإيجابية الأبرز لحصول هذا الاستحقاق، أن جميع القوى السياسية باتت أمام امتحان صعب يفرض عليها إجراء الاستحقاق النيابي. الأمر الذي يستوجب تعديل القانون لإجراء الانتخابات النيابية على مراحل كما في البلدية، ما يمكّن الأجهزة الأمنية، وخصوصاً الجيش، من توفير الحماية الأمنية للمراحل كافة على امتداد الجغرافيا اللبنانية.

أما اللافت، فهو السقوط المدوي للائحة المستقبل في عرسال، ما يستدعي الوقوف عند أسباب ذلك وتداعياته السياسية والأمنية في مدينة شكّلت وما زالت بؤرة أمنية متوترة، وقاعدة خلفية للتنظيمات الإرهابية، وواجهة لأحداث أمنية دائمة. وأبرز هذه المؤشرات، تحوّل في المزاج العرسالي وفي نمط الأداء الإنمائي، ورفض واقع سابق عبر انتفاضة ديمقراطية جعلت «المستقبل» يدفع ثمن سياساته الخاطئة في المدينة طوال عقد من الزمن. وبالتالي ستتجه أكثر إلى الاستقرار الأمني والالتفاف حول الدولة والأجهزة الأمنية وإعادة التعايش المشترك مع الجوار الذي تأثر بعد دخول التنظيمات الإرهابية إلى المدينة، وإثارة النعرات المذهبية التي استعملت في الصراع السياسي في لبنان.

هل نجحت وزارة الداخلية في إنجاز المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية؟ وما هو القانون الانتخابي الأمثل الذي يجب اعتماده في الانتخابات المقبلة النيابية والبلدية؟ وما هو حجم تغيّر النتائج فيما لو أجريت الانتخابات الحالية وفق قانون النسبية؟ وهل نجاح السلطة في إجرائها، لا سيما في المناطق الحسّاسة أمنياً كعرسال وطرابلس، سيفرض أمراً واقعاً على الطبقة السياسية وعلى وزير الداخلية خصوصاً في إجراء الانتخابات النيابية المقبلة؟ وما هي أسباب خسارة المستقبل في عرسال؟ وما هي تداعيات ذلك على الوضع الأمني في المدينة وعلى علاقتها مع الجوار؟

إدارة الانتخابات جيدة

يؤكّد وزير الداخلية السابق مروان شربل في حديث إلى «البناء» أن إدارة وزارة ووزير الداخلية للعملية الانتخابية في جولتها الأولى كانت جيدة رغم بعض الأخطاء التي حصلت، والتي اعترف بها الوزير نهاد المشنوق الذي وعد بأنه سيسعى إلى تفاديها في الجولات الأخرى. وهذه الأخطاء تحدث في أيّ انتخابات التي تجرى على الطرقة البدائية، وسط عدم استعمال المكننة لفرز الأصوات، ما يؤخّر صدور النتائج.

ويوضح شربل أنّ الأخطاء التي حصلت في بيروت يمكن تحاشيها، وأخطاء أخرى يجب الاستفادة منها لعدم تكرارها في الجولات المقبلة. لا سيما ما نقل عن بعض الصناديق المشبوهة التي نُقلت إلى لجان القيد من دون حراسة أمنية جيدة من قبل قوى الأمن الداخلي. أما الخطأ الذي حصل في زحلة فيتمثل باستعمال الرشاوى. وفي هذه الحالة سيحال الملف إلى مجلس شورى الدولة للنظر فيه.

لكن شربل يؤكد أن كلّ هذه الأخطاء لا تؤثر في نتائج الانتخابات بشكلٍ كبير.

الإطاحة بصقور العراسلة

ويرى مصدر سياسيّ معنيّ بالملف، أن الدولة اللبنانية اتخذت قراراً بإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في عرسال تحت أيّ ظرف. هذا في المعنى السياسي، أما أمنياً، فإن مصدراً أمنياً رفيعاً أكد لـ«البناء» أن قراراً أمنياً رفيعاً اتخذ بتوافق السياسيين بحق جميع المتورّطين أمنياً في عرسال وفتح ملفاتهم حتى النهاية، تحت سقف القانون. وأن جملة ملفات وقضايا أمنية عالقة سوف تُنهى، كبيرة كانت أم صغيرة.

من هنا يتّضح الأمر في إجراء الاستحقاق البلدي الذي أجري مؤخراً وما تبعه من نتائج انتخابية، وإطاحة بمن اعتُبروا «صقور العراسلة».

«البناء» اتصلت بالخاسرين والرابحين وأصحاب القرار في عرسال.

«أبو عجينة»: تياران للمستقبل!

رئيس بلدية عرسال السابق الخاسر في المعركة البلدية الأخيرة علي الحجيري والمعروف بـ«أبي عجينة»، قسّم وجزّأ تيار المستقبل بين تيار الحريري في بيروت وتيار المستقبل في عرسال. ويلقي باللائمة في خسارته على تيار المستقبل والجماعة الإسلامية في عرسال اللذين أطاحا به وانقلبا على ما اتُفق عليه في بيروت مع رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري.

وقال علي الحجيري لـ«البناء»: اتفقت مع الحريري على خوض الانتخابات البلدية وتأمين الدعم من تيار المستقبل. إلا ان المستقبليين في عرسال انقلبوا علينا واطاحوا بي باتفاق مع الجماعة الإسلامية وحزب الله. واصفاً الانتخابات البلدية بأنها أجريت بشكل غير طبيعي. مشيراً إلى أنه سيتقدّم بطعن مبنيّ على أن 26 قلم اقتراع، منها 20 قلماً، لم يتم توقيعه من رئيس القلم. في اتهام مباشر لرئيس القلم بـ«التزوير». معتبراً أن مؤامرة سيقت ضدّه من مناصري تيار المستقبل في عرسال الذين خالفوا أوامر سعد الحريري وانقلبوا عليه وخانوه وخانوا المستقبل.

علي الحجيري اعترف بقيادته «حكماً ذاتياً» معللاً ذلك بأنه يشكل عاملاً مساعداً للجيش. مشيراً إلى أن كل ما أقدم عليه في السابق كان خارج إرادته وأكبر منه ولم يرتكب أخطاء. من هنا كان يشكل جزءاً من «الصقور» في عرسال «لأنه يقول الحق» بحسب ما قال الحجيري.

العراسلة اقترعوا ضدّ فوضى السلاح

رئيس البلدية المنتخَب الدكتور باسل الحجيري ردّ على كلام علي الحجيري «أبو عجينة». فاعتبر أن أهالي عرسال اقترعوا ضدّ فوضى التسلّح والإرهاب والمسلّحين الذين أمعنوا في عرسال وأهلها قتلاً، وضد الحالة التي كان يجسّدها «أبو عجينة»، وهذا أمر طبيعي، والعكس غير طبيعي، أي إبقاء الحالة السابقة على ما هي عليه. مشيراً إلى «أن الرئيس السابق للبلدية عمل مع تيار المستقبل على جمع لائحته واللائحة الأخرى في مواجهتنا، أما وقد انقلبوا عليه فهذا شأنهم وحصدوا ما زرعوه». ولفت الدكتور باسل الحجيري إلى أن الصراع داخل تيار المستقبل أطاح بعلي الحجيري «أبو عجينة» رغم أنّ هناك صعوبة في فوزه ولائحته ظهرت بسبب رفض العراسلة التصويت له. ونفى الدكتور باسل الحجيري انتماءه إلى تيار المستقبل والجماعة الإسلامية، ولا حتى فريق الثامن من آذار كما يدّعي «أبو عجينة». شاكراً كلّ من دعمه، فخياره عرسال وأهلها رفضاً للواقع الذي كانت عليه في السابق.

وأضاف الدكتور باسل الحجيري أن أهالي عرسال ناقمون على تيار المستقبل وعلى علي الحجيري «أبو عجينة» بسبب الأداء السياسي للمستقبل الذي أزعج العراسلة. وأن الانتخابات البلدية كانت فرصة للتغيير، تغيير الواقع السياسي الذي رزحت تحته عرسال وأهلنا فيها. مؤكداً أن العراسلة يرفضون وجود المسلّحين و«النصرة»، و«أبو عجينة» دفع ثمن أخطائه السياسية والتزاماته مع «النصرة».

وأشار إلى أن عصر العصابات والتجوّل المسلّح ولّى إلى غير رجعة. وخلافات علي الحجيري مع تيار المستقبل الذي طلب منه في بيروت ضمّ لائحة «عرسال أولاً» إلى لائحته لتكون المعركة مباشرة معنا ضماناً لصورته، والخلاف بينهما أبوعجينة + المستقبل انعكس سلباً عليه وانتصاراً لمواقفنا النابعة من موقف عرسال مجتمعة.

المستقبل والواقع المأزوم

واقع مأزوم بين «أبي عجينة» والمستقبل، إلا أنه وفق مصدر قيادي في تيار المستقبل رفض الكشف عن اسمه، أكد في اتصال مع «البناء»، أنه نتيجة السلوكية السلبية التي عمل عليها «أبو عجينة»، عملت قوة انتخابية ضدّه، وكان قرار الحسم ضدّ «أبي عجينة» وتصرّفاته وسياساته الخاطئة إزاء البلدة عرسال وأهلها، خصوصاً أنه يملك قوة سلطوية على أكبر شريحة في عائلته الحجيري ، الأمر الذي حوّله إلى رأس حربة في عرسال مساعدة لـ«النصرة» الإرهابية.

من هنا، يضيف المصدر، كان قرار حاسم من تيار المستقبل في إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في عرسال مهما كلّف الأمر.

عاملان لنجاح الانتخابات

ويتحدّث شربل عن عاملين لنجاح الانتخابات البلدية، الأول القرار السياسي في إجرائها، والثاني توافق أهالي المناطق على إجرائها بمعزل عن التوجّهات السياسية. وبالتالي الأجهزة الأمنية تعمل على تأمين عملية الاقتراع وتنظيمها من الناحية الأمنية، وتمنع أيّ اعتداء أو تدخّل خارجي فيها، وهذا ما حصل في عرسال. فأهالي المدنية كلّهم موافقون على إجراء الانتخابات أولاً وعلى التغيير ثانياً. كما أن الأحزاب السياسية موافقة على إجراء الانتخابات وهذا الذي سهّل على الجيش والقوى الأمنية مهمة الحماية الأمنية للناخبين ولمراكز الاقتراع. ويضيف شربل أنه في ظل توفر هذه العوامل، صار وجود «داعش» و«النصرة» على الحدود اللبنانية ـ السورية وفي عرسال لا يشكّل خطراً على العملية الانتخابية في ظل الإجراءات الأمنية التي اتخذها الجيش والدوريات والحواجز، ما وفّر الأمن والنظام في البلدة.

ويعتبر وزير الداخلية السابق أن تغيير رئيس البلدية في عرسال والمجلس البلدي سيساهم في استقرارها الأمني نظراً إلى الدور الذي كان يقوم به الرئيس السابق علي الحجيري بالتعاون مع التنظيمات الإرهابية ومع الشيخ مصطفى الحجيري في خطف العسكريين والهجوم على المدينة ومراكز الجيش وقوى الأمن الداخلي عام 2013.

ويلفت شربل إلى أنّ الجيش اللبناني يستطيع ضبط الأمن في الانتخابات البلدية أكثر من النيابية التي تجرى في يوم واحد بحسب القانون. بينما البلدية تجرى على مراحل. ما يمكّن الجيش من توفير العديد الكامل لضبط الأمن بسبب الانتشار الذي ينفذه الجيش على كامل الأراضي اللبنانية، لا سيما على الحدود مع سورية وفي الجنوب. وبالتالي لكي يستطيع الجيش توفير الأمن في الانتخابات النيابية، يتوجب على المجلس النيابي تعديل القانون ليصبح إجراؤها على مراحل إما إلى خمس محافظات في خمسة أيام، أو إلى محافظتين في يومين.

ويعود شربل إلى الانتخابات النيابية عام 2009 التي أجريت في يوم واحد ويوضح أنه حينذاك لم تكن الحرب على سورية موجودة، ولا انتشار التنظيمات الإرهابية على الحدود، لذلك استطاع الجيش ضبط الأمن في كل المحافظات في يوم واحد. أما اليوم فلا يستطيع.

ويذكّر شربل بقانون الانتخابات النسبي الذي قدّمه عندما كان وزيراً للداخلية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ويدعو إلى إجراء الانتخابات النيابية المقبلة على أساسه. وتمنّى لو أجريت الانتخابات البلدية الحالية على أساسه في ظل النظام الطائفي الموجود، إذا لا يجوز تهميش 40 في المئة من الأصوات التي نالتها لائحة «بيروت مدينتي»، وألا يمثلوا في المجلس البلدي وكذلك في النيابية. لكنه استبعد إقرار هذا القانون لغياب التفاهم السياسي حوله.

من الديمقراطية إلى الديمقراطية التوافقية

ويبيّن شربل أن ما قبل الطائف غير ما بعده، فقبله كان ينتخب رئيس للجمهورية من بين ثلاثة مرشحين، أما بعده فيتم الاتفاق على مرشح ويتم انتخابه في المجلس النيابي أي الانتقال من الديمقراطية ما قبل الطائف إلى الديمقراطية التوافقية ما بعده.

ويفرّق شربل ما بين الانتخابات البلدية والنيابية من حيث التحالفات والنتائج ولا يجد رابطاً بينهما. ويوضح أن خسارة فريق سياسي معيّن في البلدية في منطقة معينة لا يعني خسارته في الانتخابات النيابية، لأن الاعتبارات العائلية تحكم في البلدية أكثر من السياسية. وهذا ما أثبتته الجولة الأولى.

ويعطي شربل مثالاً على ذلك فيقول: خيار أهالي بريتال كان ولا يزال مع المقاومة، والتصويت كان لصالح تحالف أمل ـ حزب الله في النيابية. أما في البلدية وفي مراحل سابقة، صوّت الأهالي للائحة المنافسة للتحالف. وكذلك في منطقة الحدث، فهناك لائحتان وكل لائحة فيها قوات والتيار الوطني الحرّ وبالتالي الانتخابات البلدية تأخذ الطابع الإنمائي والعائلي والعشائري أكثر من السياسي. أما في النيابية فالخيارات السياسية هي التي تحكم.

عرسال

بلدة لبنانية تقع على الجبال الشرقية في اللبنانية، وتتبع لقضاء بعلبك في محافظة بعلبك ـ الهرمل. تبعد عرسال عن مركز القضاء في بعلبك ما يقارب 40 كيلومتراً، أما عن مركز المحافظة فتبعد حوالى 75 كيلومتراً، في حين تبعد عن العاصمة بيروت حوالى 122 كيلومتراً. تشترك هذه المدينة بحدود تصل إلى 50 كيلومتراً مع سورية، وتقدّر مساحتها الجغرافية بحوالى 317 كيلومتر مربّع. يغلب على عرسال ومنطقتها الطبيعة الصحراوية، أما أصل التسمية فهو يعود إلى أنها تتكون من لفظين أصلهما آرامي: «عرش» و«إيل»، أي عرش الله. وقد سميت بهذا الاسم بسبب موقعها المرتفع، حيث يقدر ارتفاع هذه المدينة عن مستوى سطح البحر ما بين 1000 و2000 متر. يقدّر عدد سكان المدينة بحوالى 43 ألف نسمة تقريباً.

تشتهر عرسال بأنها مركز هام لصناعة الحجارة. أما تقسيم المدينة فهي مقسمة إلى أحياء متعددة، كل حي من هذه الأحياء يكون مخصصاً لعائلة معينة من العائلات التي يتجاوز عددها الإجمالي حوالى 40 عائلة. ومن أبرز العائلات: رايد، كرنبي، الحجيري، أمّون، زعرور، الأطرش، عودة، الفليطي، وبريدي. ومن أبرز الموارد الاقتصادية لأهالي عرسال الزراعة والكسّارات والمقالع والتجارة، وهذه الموارد يعمل بها ما يقارب حوالى 60 في المئة من سكانها. إضافة إلى ذلك، فإن ما يقارب 10 في المئة من السكان يعملون في وظائف متنوّعة، وهناك ما يقارب 8 في المئة من سكانها يعملون كحرفيين ومهنيين، أما البطالة في هذه المدينة فتقدّر بحوالى 20 في المئة.

اتّسمت عرسال بمساندة الجماعات المسلّحة في سورية واتخذ البعض منها قاعدة دعم لتنظيمَي «النصرة» و«داعش» الإرهابيين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى