نصرالله يؤكد قدرة التكفير التدميرية العالية
روزانا رمّال
لا يتعاطى أمين عام حزب الله السيّد نصرالله بشكل رومانسي، لدى حديثه عن المسؤوليات التي يحيط بها الحزب من موقع الدفاع عن لبنان أولاً والحلفاء ثانياً، والتي تخدم بطريقة أو بأخرى الإنسانية في معرض القضاء على «داعش»، فلا يبالي بترغيب قاعدته الشعبية بقتال الشباب الذين من المفترض أن يتمسّكوا بانتمائهم العقائدي للحزب، عبر تعبئة تتراوح بين الديني والإنساني والوطني تتبعثر النسبة فيها على المقاتلين في صفوف الحزب باختلاف طرق التفكير وأولوية الهدف الذي يدفعهم للانضمام إلى مسيرة من هذا النوع.
ورغم أنّ الجزء الأكبر من الحشد الذي يشكل نواة حزب الله يعتمد على وحدة الفكرة والعقيدة الدينية، فإنّ أمين عام الحزب لا يبدو أنه يعطي للمعارك التي تخوضها المقاومة سياسياً وميدانياً أيّ طابع مذهبي يؤدّي إلى ازدياد أعداد المنتسبين الذين يرتضون رسم طريقة وأسلوب حياتهم التي غالباً ما تكون بعيدة عما يعيشه أبناء جيلهم. فبالحدّ الأدنى يُفترض أن يكون الشاب المتقدّم للانتساب إلى جناح الحزب العسكري بعنوان «مجاهد مقاتل» يتمتع بقدرٍ عالٍ من المسؤولية والإلمام السياسي بحدّه المقبول إلى الممتاز الذي يسمح له بمعرفة أهداف وغاية المعركة وتكتيك العدو. فهذا «المجاهد» يحمل على عاتقه مسؤولية الدفاع عن أرواح إخوته في الوطن أو المعركة أو رفاق السلاح والقضية.
في خطاب مخصّص لجرحى المقاومة، يؤكد السيد نصرالله أنّ الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في المنطقة هي حرب لا تقوم على المذهبية بالمعنى المعروف ولا يهمّ واشنطن الممارسة الدينية أو العقائدية للمسلمين الذين تتحالف معهم، بدليل تحالفها مع السعودية التي يمارس قادتها طقوس الإسلام، وترتدي نساؤهم الزيّ الإسلامي بشكل واضح، أيّ أنّ واشنطن والقوى الغربية لا يعانون من مشكلة مع المسلمين لا بل يعرفون الفارق بين الإسلام المتطرف والإسلام الموروث الممارس الذي أطلقت عليه اليوم واشنطن «المعتدل».
وعلى هذا الأساس يُطلع السيد نصرالله عناصر الحزب، ومعهم المتابعون، على خطورة الأوضاع التي يعيشها الصراع مع التكفيريين ويعترف بنجاعة هذا الأسلوب الذي لجأت إليه واشنطن وتل أبيب استعاضة عن الحرب المباشرة، ويقدّم دلائل عن مسؤولين أميركيين تبنّوا خلق داعش وأخواتها منذ الاتحاد السوفياتي وبينهم كلام لهيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية أمام لجنة المخصصات الأميركية في شهر آب عام 2009 لدى قولها: «كنا عالقين في أزمة مع الاتحاد السوفياتي فذهبنا للعمل، وكان الرئيس ريغان بالشراكة مع الكونغرس اتفقوا على تجنيد هؤلاء المجاهدين بالتعاون مع المخابرات السعودية ممّن يحملون الفكر الوهابي أو النسخة الوهابية من الإسلام، ولكن ما زرعناه كان علينا أن نحصده بعد ذلك، تركنا باكستان، أوقفنا التعامل مع الجيش الباكستاني، نحن ندفع الآن ثمن الوقت الضائع…».
ينطلق حزب الله من هذا الطرح الأميركي في معاركه مع «داعش» والإرهاب من دون أن يخصص جزءاً مهماً من الحساب الإقليمي الذي يصبح ضيّقاً أمام المشروع المؤسس لقوى تتحرّك بإمرة غربية وليس إقليمية منفذة ليتبيّن لاحقاً أنّ المؤسسات الاستخبارية الأميركية أنشأت «داعش» خصيصاً لمواجهة حزب الله، هذا ما قدّمه السيّد نصرالله لمحازبيه الجرحى من دون أيّ تجميل.
مئة شهيد في العراق يتبنّى داعش قتلهم بتفجيرات مدينة الصدر، وفي اليمن تفجيرات إرهابية. وفي سورية تستمر التفجيرات المتنقلة ضمن المحافظات التي تشكل أكبر ضغط ممكن على النظام في كلّ مرة يتقدّم فيها. وهذا أيضاً ما هو مفهوم ومعروف عند حزب الله الذي يدرك معناها، فعندما يُهزَم داعش في تدمر يفجّر في دمشق، ويفجّر في لبنان عندما يُهزَم في عرسال.
يرسل السيد نصرالله إشارات حول إمكانية أن تتأزم الأوضاع الأمنية في لبنان. وهذا ما يُعتبر رسالة دقيقة توضع برسم المعنيين والقوى المعارضة لتدخّل حزب الله في سورية. وهنا تبرز أهمية الشرح المفصل لماهية المعركة التي يعمُد حزب الله إلى شرحها، كما هو ملحوظ، وبالأحرى إعادة تذكير قاعدته الشعبية بدقتها. فالسيد نصرالله غير واثق على ما يبدو من اقتراب الحسم، رغم يقينه بالنصر على المشروع بكلّ متفرّعاته.
النموذج التدميري الفعّال لـ«داعش» و«النصرة» وأخواتهما يؤشر إلى تغيّر طبيعة الحرب التي تحتاجها «إسرائيل» لإعادة تجديد قدرتها على بث الإرهاب في المنطقة، لكن هذا الإرهاب بات واحداً من يوميات العالم العربي الذي وفّر على «إسرائيل» رفع مشاعر القدرة على التفوّق فيهم أو استثمار لحظة انتعاش. الحرب «الإسرائيلية» التي تتحدّث عنها تقارير استخبارية أجنبية وعربية قد تكون أبعد بحساب نصرالله أو معرض شرحه عن الإنجاز الذي أحدثه العمل التكفيري الجهادي. وهذه ربما نقطة أساسية ترجّح فكرة الخضة الأمنية في لبنان على حرب شاملة على غرار حرب تموز التي كان الأساس فيها استئصال حزب الله وإحراجه فتتابع القوى المحلية مهمة سحب سلاحه المتبقي.