تركيا والسعودية: هجمات ومجازر في حماة وحلب… لفرض وقائع قبل فيينا نصرالله يرسم قواعد الاشتباك والتحالفات: داعش مُنْتَج أميركي لاستنزافنا
كتب المحرّر السياسي
بينما تكفّلت واشنطن وفرنسا وبريطانيا بتوفير الغطاء القانوني لـ»جيش الإسلام» و»أحرار الشام» وقطع الطريق على تصنيفهما على لوائح الإرهاب، تكفّلت تركيا والسعودية بدمج قواتهما تحت قيادة «جبهة النصرة» لجولة تصعيد دموية برزت طلائعها في هجمات شهدتها أرياف حلب من خان طومان إلى حندرات، ومجازر بحق المدنيين كما حدث في بلدة زارة قرب حماة. والسياق الذي يحكم جولة التصعيد هو وفقاً للمصادر المتابعة للوضعين السياسي والعسكري في سورية السعي لفرض وقائع جديدة تستبق انعقاد لقاء فيينا المرتقب الثلاثاء المقبل، لوزراء خارجية دول مسار فيينا المعنية بالأزمة في سورية، لمناقشة التفاهم الروسي الأميركي حول إحياء الهدنة والمسار السياسي في جنيف، والقائم بصورة رئيسية على الفصل بين مواقع ومناطق سيطرة «جبهة النصرة» كتنظيم إرهابي مستثنى من الهدنة، ومواقع ومناطق سيطرة الجماعات المنضوية ضمن جماعة الرياض المعارضة، وهو ما ترفضه الرياض وأنقرة وتصرّان على التمويه على وضع «النصرة» ودمجها ولو بالالتفاف والتمييع والتعجيز، وكسب الوقت، وتصعيد النيران، والمتاجرة بالملفات الإنسانية. وتتوقع المصادر المتابعة أن يكون الاجتماع حاسماً لجهة أنّ ما بعده إما جولة حرب قاسية وانهيار مسار جنيف، أو تفاهمات تمنح الفرصة لإقلاع المسار السياسي في جنيف من ضمن التفاهم على الحرب ضدّ «داعش» و»النصرة».
في هذه اللحظة السورية الدقيقة التي يشكل حزب الله أحد مكوناتها الرئيسية، أطلّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، ليرسم قواعد الاشتباك التي تعتمدها المقاومة في مواجهة ما تشهده المنطقة، وتشكل المقاومة رأس استهدافاته، ويضع قواعد التحالفات اللبنانية للمقاومة في الانتخابات البلدية بما يخدم الرؤية الأشمل للمقاومة في قلب الحرب المفتوحة التي تخوضها، ومن ضمن سياقاتها الرهان على الفتن والسعي لفكفكة جمهور المقاومة، وبالمقابل شدّ عصب واستنهاض عصبيات شعبية عدائية ضدّها.
قواعد الاشتباك حدّدها السيّد نصرالله، بالصمود بوجه حرب استنزاف يقف الأميركي وراءها مباشرة، وتشكل تنظيمات من نوع «داعش» و»النصرة» أدواتها، وهي حرب مبرمجة منذ زمن لتعويض الخسائر التي مُني بها الأميركي و»الإسرائيلي» من حروبهما المباشرة، والنصر في هذه الحرب يستدعي رسم سقوفها الحقيقية، فهي ليست حرب اجتهادات في الدين، ولا حرب مذاهب، ولا حرب خيارات بين أصحاب مشاريع متنافسة، إنها حرب أميركا و»إسرائيل» بالوكالة، ونقطة تفوّق المقاومة التي لا يجوز جعلها تتدحرج إلى خلف المشهد الراهن هي حقيقة الحرب، واتصالها بمواجهة بين خياري الاحتلال والمقاومة وعنوانها واحد هو فلسطين، ولأنهم يريدون هزيمة المقاومة لتأبيد الاحتلال تبقي المقاومة فلسطين حاضرة على خارطة حربها في السياسة والميدان.
بهذا السلاح تواجه المقاومة الحرب الناعمة وآلياتها، فاستحضار فلسطين إلى الصفحة الأولى من المشهد وحده يعيد ترتيب الأولويات، وينسّق خطوط الحرب ويسقط الادّعاءات ويفضح الأكاذيب، ويجهض الفتنة. ولخدمة هذه المنهجية تتصرّف المقاومة، وفي الداخل اللبناني يترجم حزب الله هذا التصرف انتخابياً وفق معادلة لا تحالفات مع خصوم المقاومة، ولا تجاوب مع مساعيهم لاستخدامها رافعة لاستنهاض جمهورهم للفتنة، ولا خوض في مغامرات انتخابية غير محسوبة يزيّنها الحلفاء أو بعض إغراءات اللوائح المنافسة. ومع الحلفاء المقاومة أصل الوفاء، لكنها ليست بلوكات انتخابية صالحة للتجيير، فكلّ شيء بحساب والحساب دقيق، والأصل كيف سيقرأ أصحاب الحرب الناعمة نتائج حروبهم بعد شهور طويلة من اختبارها، سواء لاستنهاض جبهات تقاتل المقاومة أو لتفتيت وإنهاك وإضعاف جمهور المقاومة؟
لبنانياً، أيضاً تتجه الأنظار انتخابياً نحو جونية وطرابلس، حيث تستعدّ عاصمة كسروان لتوجيه ضربة قاسية إلى تحالف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بعدما نجح التنافس بين اللائحتين الموزعتين على ضفاف الخصومة بين الطرفين باستعادة التوتر الذي زال بينهما بعد إعلان التفاهم والمصالحة، بينما تستعدّ عاصمة الشمال لانتخابات يستنجد فيها تيار المستقبل بالتحالفات التي توّجها لقاء الحريري بالرئيس نجيب ميقاتي على دعوة عشاء من الرئيس تمام سلام.
نصرالله للحلفاء: ملتزمون معكم لا مع حلفائكم
لا تزال تداعيات الانتخابات البلدية في مرحلتها الأولى في بيروت والبقاع تطغى على المشهد الداخلي وسط اتهامات متبادلة بين بعض الأطراف على خلفية عدم الالتزام بتعهداتها في التصويت للّوائح لا سيما بين حزب «القوات» وتيار المستقبل، بينما تستعدّ محافظة جبل لبنان إلى انتخابات الأحد المقبل.
المشهد الانتخابي في بيروت والبقاع استعرضه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في احتفال بمناسبة يوم الجريح المقاوم. و قال: «إلى كل حلفائنا نحن ملتزمون معكم سياسياً وأخلاقياً وأدبياً، لكننا لسنا ملزمين بمن تتحالفون معهم»، وأضاف «نحن حزب الله لسنا متحالفين مع خصم سياسي إنما مع حلفائنا. مع من لم يسئ إلينا أو يعتدِ علينا».
وحول انتخابات بيروت، لفت نصرالله إلى «أننا لم نتحالف مع تيار المستقبل في بيروت رغم مشاركة حلفائنا لأنه خصم سياسي وعزفنا عن بيروت، لأننا لا نريد أن نكون في مواجهة ولا يمكننا أن نجمع بقية اللوائح بلائحة واحدة ولأن فرصة الفوز صعبة»، موضحاً «نحن لا نريد أن نحمل جمهورنا وقواعدنا ما لا يطيقون، جرّبنا سابقا ودفعنا الثمن وهناك قوى دفعت هذا الثمن اليوم». وأعلن عن انتخابات جبل لبنان، «أننا شكلنا في الضاحية لوائح تحالف حزب الله وحركة امل والتيار الوطني الحر وبقية الأحزاب الصديقة بالتفاهم مع العائلات والناس سُمّيت بلوائح الوفاء والتنمية والإصلاح».
وعلى صعيد آخر، أوضح السيد نصرالله أن «داعش جيء به ليقاتل الجمهورية الإسلامية في إيران والتحول في العراق والنظام المقاوم في سورية وليس فقط تدمير حزب الله». وشدّد على أن «المشروع الإرهابي مهزوم ولم يستطع أن يحقق أهدافه ولن يستطيع».
أعاد الأمور إلى نصابها السياسي
وشددت مصادر في 8 آذار لـ«البناء» أن «كلام السيد نصرالله جاء قطعاً لدابر اللغط والعبث الذي رافق الانتخابات البلدية لا سيما في زحلة وأقل نسبة في بيروت، ولأن حزب الله حريص على حلفائه ويتعامل بمعايير أخلاقية مع الحلفاء والخصوم وبناء على القواعد الراسخة التي عمل الحزب على هديها. كان السيد حريصاً على بعث رسالة واضحة لكل الأقلام ومواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الهمس السياسي والتي حاولت أن تحمّل موقف الحزب أكثر مما يحتمل وصولاً إلى حدود التشكيك في معايير العلاقة التحالفية وتجسيداتها، وتحديداً بين الحزب والتيار الوطني الحر. جاء هذا الإيضاح الحاسم والواضح والقاسي من السيد نصرالله بهدف إعادة وضع الأمور في نصابها السياسي تجاه الحلفاء كما تجاه الخصوم».
..ومعركة في جونية
يبدو أن جونية ستشهد معركة حامية بين لائحتين: الأولى برئاسة فؤاد البواري المدعوم من ائتلاف يضم النائبين السابقين منصور غانم البون وفريد هيكل الخازن ورئيس مؤسسة الانتشار الماروني نعمة افرام والوزير السابق فارس بويز، والثانية برئاسة جوان حبيش مدعومة من «التيار الوطني الحر» وحزبي الكتائب والوطنيين الأحرار.
واعتبر حبيش رئيس لائحة «كرامة جونية»، أن «التوافق لم يتم على الرغم من أنه قدّم تنازلاً وانسحب. علماً أن المجموعات الشبابية وعند إعلان نيّات التوافق، رفضته كما رفضت «فرض» لائحة محاصصة غير متجانسة مطالبة بعملية انتخابات ديموقراطية تحاسب فيه مَن لم يقم بواجباته في الخدمة العامة».
.. ولقاء «انتخابي» بين الحريري وميقاتي
أما على صعيد انتخابات الشمال، فبدأت ملامح تحالف انتخابي يلوح في أفق طرابلس بين الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي، حيث عقد لقاء بينهما أمس، في دارة رئيس الحكومة تمام سلام. وتمّ البحث خلاله في آخر التطورات لا سيما ملف الانتخابات البلدية في طرابلس.
تعاميم مصرف لبنان تفاقم الأزمة
ومن جهة ثانية، وفي أول موقف لحزب الله حيال التعاميم التي أصدرها حاكم المصرف المركزي رياض سلامة وفقاً للقانون الأميركي، اعتبرت كتلة الوفاء للمقاومة أن «القانون الأميركي الذي صدر مؤخراً وتلتزم المصارف اللبنانية العمل بموجب أحكامه مرفوض جملة وتفصيلاً، لأنه يؤسس لحرب إلغاء محلية يسهم في تأجيجها المصرف المركزي وعدد من المصارف، فضلاً عن كون الالتزام به مصادرة للسيادة اللبنانية النقدية».
ورأت أن «التعاميم التي أصدرها أخيراً حاكم المصرف المركزي، هو انصياع غير مبرر لسلطات الانتداب الأميركي النقدي على بلادنا، ومن شأنها أن تزيد تفاقم الأزمة النقدية وتدفع البلاد نحو الإفلاس بسبب ما سينتج من قطيعة واسعة بين اللبنانيين والمصارف، الأمر الذي يعرّض البلاد لانهيار نقدي خطير ولفوضى عارمة غير قابلة للاحتواء». ودعت «الكتلة» حاكم المصرف المركزي إلى «إعادة النظر في تعاميمه الأخيرة لتتوافق مع السيادة الوطنية، وطالبت الحكومة باتخاذ الإجراءات المناسبة لتلافي التداعيات الخطرة التي ستنجم عنها».
سلامة شاور المسؤولين مسبقاً
وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن «حاكم مصرف لبنان شاور المسؤولين السياسيين الكبار في الدولة والمعنيين قبل إصداره التعاميم لا سيما وزير المالية علي حسن خليل»، موضحة أن «حاكم المصرف المركزي لا يخطئ التقدير ولا يتسرّع بملفات حساسة ودقيقة كهذا الملف، وبالتالي لا يصدر قرارات فردية من تلقاء نفسه».
.. وخسمة لبنانيين قيد التوقيف
وعلمت «البناء» من مصادر أخرى أن «خمسة رجال أعمال لبنانيين قيد التوقيف في ألمانيا وفرنسا على خلفية القانون الأميركي، لكن لا علاقة لهم بحزب الله بل تم توقيفهم على خلفية انتمائهم الطائفي».
ولفتت المصادر إلى أن «القانون الأميركي وتعاميم المصرف المركزي تندرج في إطار الحرب الناعمة على حزب الله لإحداث مزيد من الشرخ في الجسد اللبناني الداخلي، إذ لا يمكن رسم خيوط بين تضرر وطن ومؤسسات وبين تضرر حزب لبناني كحزب الله».
جلسة حكومية بلا مقررات
حكومياً، عقد مجلس الوزراء جلسة عادية في السراي لم تخرج بأي مقررات وتمّ تأجيل بند العقد الموقع بين الدولة اللبنانية والشركة المتعهّدة معمل دير عمار، بسبب الخلاف حوله بين الوزراء، كما طلب الرئيس سلام إرجاء جميع الملفات الحساسة والتي تثير الخلافات إلى ما بعد انتهاء الانتخابات البلدية، وأبرزها أزمة جهاز أمن الدولة، بينما حضر موضوع التدابير المتخذة من المصارف بناء على تعاميم مصرف لبنان تطبيقاً لقانون العقوبات الأميركي على حزب الله، ودار نقاش بين الوزراء وتم الاتفاق على أن يتابع سلام الأمر مع حاكم مصرف لبنان بالتنسيق مع وزير المال.
حكيم لـ«البناء»: خلاف على جنس الملائكة
وقال وزير الاقتصاد ألان حكيم لـ«البناء» إن «سبب تأجيل موضوع دير عمار هو عدم التوافق في مجلس الوزراء عليه بعد معارضة الوزير خليل»، وأوضح حكيم أن «هذا المشروع مصلحة عليا للدولة وعبارة عن خطة تغذية لبنان بالكهرباء، وهذا أهم من مواضيع أخرى كموضوع ضريبة القيمة المضافة». وأشار إلى أن «أكثر من ثلثي مجلس الوزراء كان موافقاً على هذه الخطة الحيوية، لكن للأسف النقاش تحول خلافاً على جنس الملائكة».
وحذر حكيم من «خسارة لبنان الكثير من الأموال نتيجة عدم تطبيق الخطط الاقتصادية لا سيما تلزيم مصنع دير عمار ما يضع لبنان على لائحة التصنيف العالمية في مستواه الاقتصادي». وتساءل: «هل نريد الذهاب إلى التحكيم الدولي وتكليف الخزينة أموالاً طائلة كما حصل في موضوع الخلوي والذي كلف الخزينة 800 مليون دولار نتيجة التحكيم؟». وشدّد على أن «الموضوع سياسي بامتياز لا مالي أو تقني».
وشدد الوزير خليل على أن موقفنا واضح في مجلس الوزراء من موضوع دير عمار، وهو أننا لن نسمح بمخالفات للقانون ولن نغطي صفقات.
إجماع حكومي على رفض المسّ بأي طائفة
وقالت مصادر وزارية لـ«البناء» إن «حزب الله طرح هواجسه وهمومه ومخاوفه للقرار الأميركي على طاولة مجلس الوزراء، وأعلن رفضه للقرار ولتعاميم المصرف وحذر من تداعياته المالية على لبنان وانتقد طريقة تصرف المصرف المركزي وحاكمه حيال الأمر. وحصل نقاش طويل ليخرج المجلس بإجماع الوزراء على رفض المسّ بأي طائفة من الطوائف من أي جهة كانت، لكن شدد في المقابل على ضرورة احترام لبنان للقوانين الدولية، لينتهي النقاش بالطلب من سلام وخليل متابعة الموضوع مع حاكم مصرف لبنان».
المطلوب موقف حاسم وواضح
وانتقدت مصادر معنية موقف الحكومة حيال هذا الموضوع الهام، معتبرة أنه لم يرق إلى المستوى الخطير الذي تحمله هذه التعاميم والقرار الأميركي قبلها.
وأضافت: «على رغم موقف مجلس الوزراء الرافض للمسّ بأي من الطوائف، لكن هناك مكوّن سياسي لديه وزراء ونواب وأحد أهم الروافع الوطنية أي حزب الله هو المستهدف وليس الطائفة الشيعية. وكان السيد نصرالله قد تحدث سابقاً عن حالة الهلع والخوف والخضوع أمام أميركا، لذلك لا يمكن لمجلس الوزراء أن يضعها في بعدها الطائفي فقط».
وأشارت المصادر إلى أن «التضامن الحقيقي يكون من خلال موقف وطني عام واضح وشفاف يرفض التعرّض لحزب الله، فالحزب لا يطلب أن يخرج لبنان عن القوانين الدولية لكن في الوقت نفسه لا يمكن التنصل من الثوابت الوطنية التي أملت على وزيري الخارجية جبران باسيل والداخلية نهاد المشنوق في اجتماع وزراء الخارجية والداخلية العرب في اتخاذ موقف متمايز عن الإجماع العربي، حرصاً على الوحدة الداخلية وعلى الحكومة أن تستوحي موقفها حيال هذا الأمر من وحي الدقة والحساسية والتوازنات التي أُخذت بعين الاعتبار في موقف لبنان بالجامعة العربية».