هل يُنهي السوريون وحلفاؤهم التذبذب الأميركي ويُنقذون مركبَهم؟

سعدالله الخليل

قبيل ساعات من التئام مجموعة الدعم الدولية حول سورية في فيينا، وبالتزامن مع انتهاء موعد هدنة حلب، والتي اختُرقت عشرات المرات، يزور وزير الخارجية الأميركي جون كيري الرياض لبحث التطورات السورية، قبيل الاجتماع المقرّر يوم غد الثلاثاء، والذي من المفترض أن يعيد قطار العمل السياسي إلى مسار جنيف، واتخاذ العبر المناسبة ودراسة نتائج الهدنة في كلّ من حلب واللاذقية وريف دمشق على الأرض. هذا ما تقوله الجهات الداعية للقاء والتسلسل المنطقي لموجبات انعقاده.

بعيداً عما يُسرّب عن خفايا ما سيدور في اللقاء بين الطرفين الأكبر روسيا والولايات المتحدة، وما يُشاع من باب التهديد والوعيد تارة، وإنذارات الفرص الأخيرة قبل وضع النقاط على الحروف تارة أخرى، وبين الحقيقة مما يُشاع والتضخيم، فإنّ تلك الطروحات لا يمكن أن ينظر إليها السوريون الباحثون عن حلّ جدي لإنهاء مأساة وطنهم، إلا من باب «يا خبر اليوم بفلوس وبكرا ببلاش»، فيما العمل الجدي يتمثل بالبحث عن خطوات جادة تُنهي تلك الحالة الضبابية التي تمرّ بها سورية، والتي بالتأكيد لا تخدم السوريين ولا مستقبلهم بل تزيدهم أرقاً وألماً.

في حسابات الربح والخسارة والمصالح تتعاطى واشنطن مع الشأن السوري من بوابة إدراكها ومَن يدور في فلكها من لاعبين إقليميين ومحليين، ومنذ سنوات، صعوبة إسقاط سورية بالضربة القاضية، وبالتحديد بعد امتصاص سورية لمفاعيل تفجير مبنى الأمن القومي في اجتماع خلية الأزمة في الثامن عشر من تموز 2012، قبل الدخول الروسي على خط المواجهة المباشرة وبالتالي فإنّ الحسابات الأميركية ليست في وارد الوهم بإمكانية إحداث انقلاب دراماتيكي يغيّر مسار الحرب في سورية، وبالتالي تسعى لإطالة الحرب السورية بالحفاظ على بؤر توتر فاعلة قادرة على الاستنزاف السوري، بما يجعل المركب السوري يغرق تدريجياً بدل إغراقه دفعة واحدة، وأفضل الظروف المؤاتية لتلك الاستراتيجية حالة اللاحرب واللاسلم التي تشهدها سورية، من بوابة وقف الأعمال القتالية تارة وهدنة تارة أخرى يتم اختراقهما عشرات المرات، فما الضير من وجهة النظر الأميركية بمجازر ومعارك متنقلة، واعتداء هنا يوقع عشرات الشهداء وخرق هناك يسقط عشرات المدنيين، وبالتالي ترتفع الحصيلة بالتدريج تحت إطار عام ترسمه هدنة واتفاق وقف عمليات قتالية لا يتم احترامهما، يفاقم السخط الشعبي على الدولة بظهورها بموقف العاجزة عن حماية شعبها وتزداد النقمة الاجتماعية بالتزامن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تخنق المواطن السوري، بما يفقد مَن بقي على الأرض السورية الأمل بغد أفضل، فمن لم يُستشهد بات جريحاً أو عاطلاً عن العمل أو غير قادر على تلبية احتياجات أسرته الأساسية. وهو بالمجمل ما يزيد من غرق المركب السوري بمن بقي فيه، وبالتالي فإن الحالة الضبابية مثالية للطرف الأميركي القادر على المضي بتلك الحالة لسنوات عدة بل لعقود، يمرّر انتخابات رئاسية تارة ونصفية تارة أخرى ويسمح لفصيل هنا بخرق وتقدم وهناك بمجزرة، طالما أنّ الدم المهدور سوري والدمار من البنية السورية. وهو بالأصل لا يُموّل فما الذي يمنعه من اللعب بخطة تنهك الخصم ولا تكسبه نقاطاً طالما أنه لا يخسر، وفي ظلّ قناعته بأن المموّل الخليجي حاضر للدفع دون نقاش والذي يقتنع بدوره بالحاجة المتبادلة بين الطرفين للحفاظ على المكاسب المشتركة، وهو ما يمنع الأميركي من السماح بالانهيار الخليجي عامة والسعودي خاصة، وما الحديث عن انهيار الاحتياطي السعودي بعد عامين سوى دراسات نظرية تطبق إلى حد تضييق الخناق على المملكة لا إسقاطها، ما يعني أن المصلحة الأميركية ستوجد المنقذ المناسب في الوقت الذي يناسب واشنطن. وبالتالي تظهر تجليات هذه العلاقة التبادلية في التصريحات السعودية المرتفعة السقوف والمواقف المتشدّدة في الإصرار على مطالبها، فالرياض أيضاً كواشنطن غير مستعجلة الحلّ في سورية، ولا التزامات قطعتها أمام وفدها المعارض بتسليمه السلطة التي لم يعُد أصلاً توّاقاً لها بقدر ما يعنيه المضي في الحفاظ على المكاسب التي يحققها في أماكن تواجده، سواء على الأرض السورية أو في بلدان الرعاية والفنادق ذات النجوم.

لا أحد في عجلة من أمره سوى السوريين، وهو ما يحتم على سورية وحلفائها إنهاء حالة التذبذب الأميركي، والمماطلة في الملفات الخلافية لتوحيد الاتجاهات سواء في الإطار السياسي أو الميداني، فالعودة إلى حالة المواجهة مع التنظيمات أفضل بكثير من هدنة لا تلتزم بها تنظيمات قاعدية الهوى، وإنْ كان المطلوب إقناع واشنطن بميولها الإرهابية، فالمهمة شبه مستحيلة، طالما أنّ تلك التنظيمات تنال الرضى الأميركي، وبالتالي فليُبتّ النظر بهويتها ويُعمل بمقتضياته سواء أكانت معارضة سياسية تلتزم المفاوضات ومحاربة النصرة وداعش، أو إرهابية لا هدنة معها ولا مكان لها في المفاوضات التي لم تقدَّم للسوريين ولا للدولة السورية أي فائدة، منذ جنيف 2 باستثناء الاعتراف بشرعية الدولة السورية طرفاً مفاوضاً، وتعرية عدم جدية الطرف المقابل بالمفاوضات، والآن وقد فرضت الشرعية ولم يعد هناك من مجال للشك بمرامي الطرف المقابل. وبعد فشل الهدنة ووقف العمليات العسكرية بالمضيّ في مسار المفاوضات، فما الفائدة من مفاوضات لا تقدّم ولا تؤخّر طالما أنّ الدم السوري نازف في الهدنة والحرب والدمار قائم؟ فليحسم الميدان، حينها تضطر الأطراف كافة للعودة إلى المفاوضات كل حسب إنجازاته، وحيث يصل صوت مدافعه.

في فيينا على السوريين وحلفائهم وضع النقاط على الحروف وقول كلمة الفصل في المضيّ بحرب دخلت عامها السادس وعمّقت جراحها في الجسد السوري بدلاً من المراوحة في المكان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى