ما بعد التوقعات إلا الحقائق وما بعد الشهادة إلا النصر…

سناء أسعد

مما لا شك فيه أنّ الجميع يترقّبون على تخوم المعارك الجارية كيف ستتمّ إعادة ترتيب مشهد الأحداث التي زادت تعقيداً وتشابكاً، حيث فتحت أبواب التغيّرات على مصراعيها واشتعلت النيران في جبهات متعددة… بعد تلك الهجمة المعاكسة والاستفزازية للحلف المعادي وأذنابه والذي أطلق العنان لبث سمومه الخزينة جراء الانتصارات المتسارعة والمتتالية التي حققها الحلف المقاوم في الميدان السوري…

تلك الهجمة أثارت استهجاناً وسخطاً كبيرين في الشارع السوري، فاكتظت التساؤلات على مفارق الطرق، منتظرين أن يكون الجواب بعملية نوعية تُحدث هزة عنيفة أو انقلاباً كبيراً بقدر وأهمية ما جرى و يجري أو يفوقه بدرجات… ولا سيما بعد أن كانت الحرب على مقربة من أن يكون فصلها الأخير ناجزاً… وعلى وشك الاقتراب الحتمي من بوابة النصر… لولا شبح الهدنة الذي خيّم سواده في قلوب السوريين… وكانت بمثابة غرفة إنعاش لإحياء شيطنة السفاحين القتلى من جديد، وازدياد تحركاتهم بعد أن كان قد تمّ كسر شوكتهم في مطارح عديدة…

فصورة الحمل الوديع للمعارضة المسلحة، والتي حاول العدو دائماً تعليقها في صدر المتحف الحربي… صارت مشوّهة بأيادي من رسموها ومن دمجوا ألوانها… ومن صمّموا بروازها… فقد تحوّل الفنانون والمبدعون في رسم اللوحات وعرضها إلى ثيران هائجة وكلاب مسعورة ينهشون في كلّ مكان بحملة تصعيد ضخمة يُراد بها العودة بنا إلى نقطة البداية… ولفّ حبل المشنقة حول عنق مسار التقدّم لخنق وقطع أنفاسه فيُصاب قادته بالرعب والذعر، ثمّ بالعجز والشلل، وبالتالي حصر المعركة في بوتقة الصراع اللامتناهي الحدود بأفق مسدود أو ربطها بعجلة معطلة، غير قادرة على التحرك ولا خطوة واحدة إلى الأمام…

هذه كلها أهداف واضحة في قائمة الأوهام التي أدرجها الحلف الشيطاني ضمن مخططاته ويسعى جاهداً لأن تصير قيد التحقيق… لقلب الموازين وتغيير قوانين اللعبة… فيكونون هم أصحاب القرار وهم المخططون والمنفذون وما علينا نحن بعد كلّ ما حصل إلا أن نطيعهم وننصاع لكلّ ما يشترطوه وما يطلبوه، بناء على اعتقادهم بأنهم هم الفريق الفائز ونحن الخاسر… وآن الأوان لرفع راية الاستسلام لهم… والاعتراف أنهم الأقدر ونحن الضعفاء الذين لا حول ولا قوة لنا.. وإن كان لدينا القليل مما ندّعي… وإذا كنا نشكل قوة ردع كافية، وحلف لا يهزم مع حزب الله وايران وروسيا.. لماذا لم نستطع منع مآسي وفظائع حلب؟ ومجزرة الزارة المروعة؟ ولماذا يتمّ اغتيال كبار القادة من حزب الله داخل الأراضي السورية ولا نحرك ساكناً؟

إشارات الاستفهام تتزاحم وتتكاثف بوابل من الأسئلة في فضاء المتفائلين أكثر مما هي عليه في فضاء المتشائمين… هي ذاتها تدور في مطابخ العدو ولكن بطريقة مختلفة.. كيف سيكون الردّ؟ وما الإجراءات والتدابير والخطط الأنجع التي سينهض بها الحلف المقاوم إزاء التطوّرات الأخيرة؟

تحاول السعودية وتركيا بتوجيهات أميركية فرض الوجود الإسرائيلي في المشهد العربي بجرأة كبيرة ونقله من حيّز الخفاء إلى فضاء العلن بفجور عربي لم يشهد له مثيل من قبل… كشريك أساسي في هذه الحرب الكونية ضدّ سورية بأبعاد كثيرة لا يمكن أن تكون إحداها بمحض الصدفة.. بل هي إحدى الخطط البديلة التي رسمت في غرفهم السوداء… وتحويل حزب الله وإيران ليكونا عدو العرب الأول بدلاً من «اسرائيل»… فلا أحد يخفى عليه الهجوم المفتوح الذي تشنّه أميركا وأذنابها من العرب ضدّ حزب الله وإيران. تقوم بالدرجة الأولى بزرع الفتن الطائفية ووهم الخطر الإقليمي الذي تشكله ايران على السنة في المنطقة.. وبطريقة معاكسة بزرع المخاوف في المصير المجهول للطائفية الشيعية والذي يتحمّل مسؤوليته حزب الله كحليف أساسي في مواجهة أتون الحرب داخل الأراضي السورية..

فالهدف واحد… هو إحباط مشروع المقاومة ضدّ «إسرائيل» لضمان أمنها وإبعاد الخطر عن حدودها… فتصير الحرب ضدّ سورية وضدّ ايران وضدّ حزب الله… فالمجازر وحدها غير كافية… واللعب على الحبال السياسية والنفاق والخداع في تزييف الحقائق، ليس بالسلاح الكافي لطرح الأوراق التي لا تقبل إلا إذا كانت مكتوبة بالحبر العبري وبالشروط الاميركية… ويسيل منها زندقة آل سعود والنتانة الأردوغانية… كما أنّ بحر الدماء الذي أغرقوا به حلب لا تهيج أمواجه إلا إذا توجّع حزب الله في الصميم.. فكان اغتيال القيادي مصطفى بدر الدين داخل الأراضي السورية..

لتقول «إسرائيل» إنها حاضرة… وأنها لن تكتفي بحصار حزب الله إعلامياً ومادياً ولن تكتفي بحجب قنواته وبتوصيفه عبر ألسنة العرب الغادرة بأنه منظمة إرهابية… وأنّ تهديدات الأمونيا التي أطلقها سيد المقاومة حسن نصرالله في خطاباته لن تخيفهم. بل هي الحرب ولتكن بأوسع أبوابها وكافة أسلحتها واحتمالاتها… جاء اغتيال القائد الشهيد بدر الدين، ومجزرة الزارة المروّعة، وفاجعة حلب، لتقول السعودية وتركيا أنهما قادة الإرهابيين المرتزقة وأنهم أذناب للغرب و»إسرائيل»… وإنّ المعركة لن تنتهي بنصر الحلف المقاوم وإن لم تكن بنصرهم هم فإنّ المعركة ستستمرّ وأنّ الخطط تملأ رفوف مطابخهم الصهيونية، والمرحلة الآن هي مرحلة استنزاف مستمرّة، ولتكن الخسائر بالأرواح البشرية تعادل الانتصارات الميدانية السابقة… وما خفي لأعظم…

نعم إنّ الخفي لأعظم… ولكن ما يخفيه الحلف المقاوم وليس ما يخفيه أهل الإجرام والفتنة والقتل… فكلّ ما لديهم قدموه وطرحوه بأقبح الطرق والأساليب… وأكثرها حقداً وجشعاً وافلاساً… أما نحن فما زال لدينا الكثير.. منه ما هو متوقع ومنه ما لا يمكن أن يدخل في عداد الحسابات والتكهنات.. وتلك الاستفزازات المتتالية لن تجعل من الحكماء حمقى. والحقد الذي يغلي في قلوبهم لن ينطفئ في وعاء الثلج الذي يتوقعوه. والنصر الذي نسعى إليه ولتحقيقه لن نرسمه بطريقتهم، ولن ندع الدماء التي تسيل في قلوبنا تسيل من إرادتنا، والحفر التي تحفر بماكينات غدرهم ستعجز عن إسقاط قلعة عزيمتنا وصمودنا. ومهما كان هديرها عالياً لن يخفي زئير نصرنا الذي أقلقهم وأرعبهم فأخرجهم عن طورهم وكشف تكتلاتهم.. فصارت خفافيش الليل تظهر وضح النهار متحدية نسور الحق…

ولكن هيهات… هيهات منا الذلة… هيهات منا الهزيمة… هذا هو شعارنا، شعار النصر وليس بأمل واهم ولا مستحيل…

حزب الله لن يكون إلا قوة رادعة ساحقة في وجه «إسرائيل»… وروسيا لن تكون إلا ميزان القوة الكاسرة في المنطقة… وايران ستبقى حاضرة سيف حق يقضّ مضجع السعودية حتى يدفن آخر فكر وهابي سلفي، وكما ستبقى المهين الأكبر للتمرّد والجموح الأميركي…

وستبقى سورية مقبرة للمشاريع الصهيونية والاستعمارية…

دماء شهدائنا في حلب والزارة وكافة الأراضي السورية وبمن فيهم إخوتنا من قادة المقاومة وايران لن تكون إلا تربة خصبة تورق و تزهر نصراً من الله مبين….

سيدفع العدو ثمن تهوره وجنونه وتطاوله والتفافه وتجاوزه الخطوط الحمر غالياً….

وما بعد القول إلا الفعل.. وما بعد التوقعات إلا الحقائق.. وما بعد الشهادة إلا النصر..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى