«إسرائيل» تروي هزيمتها من عام 2006 حتى 2014: تفاصيل محاكاة إسرائيلية لحرب مع حزب الله
يوسف المصري
قصة «إسرائيل» مع وقائع إقرارها بأنها لن تربح أية حرب بعد الآن وذلك بعد تقوض قدرة الردع لديها خلال حرب عام 2006. والآن تستعاد تفاصيل هذه الوقائع اتصالاً بهزيمتها غير المفاجئة لها في حرب غزة. إضافة إلى تفاصيل سيناريو الحرب الذي وضعته عام 2009 للرد على حرب يشنها عليها حزب الله ولا يزال ساري المفعول.
أظهرت نتائج حرب غزة المستمرة، ومن خلال تقويم فصلها الأول، أن الأزمة الاستراتيجية الامنية لإسرائيل التي دخلت فيها بعد حرب عام 2006، غير قابلة للتصحيح، وأنها باتت ازمة امنية بنيوية ولن تنفع معها كل العلاجات الكلاسيكية او الابتداعية. جوهر هذا المشكلة تكشفت داخل «إسرائيل» طوال الأعوام الممتدة منذ حرب تموز 2006. وفي ما يلي وقائعها: بعد أشهر من تلك الحرب اضطر أولمرت لإجراء تعديل في حكومته على منصب وزير الدفاع شغله ايهود باراك. وتم النظر إلى انضمام باراك لحكومة أولمرت المهزوم على نحو يذكر بإلحاق موشي ديان كوزير للدفاع عشية حرب العام 1967 بحكومة ليفي اشكول، وبعد حرب الأيام السنة خرج دايان من الحكومة كتعبير عن أن ضمه لصفوف وزارة اشكول الرجل الضعيف حينها بمواجهة خلافه مع بن غوريون، كان له وظيفة قيادة «إسرائيل» في الظل لكسب حرب عام 1967. نفس الأمر كان متوقعاً أن يلعبه باراك كوزير للدفاع في ما تبقى من عمر حكومة أولمرت الضعيف. ولكن ظهر أنه مطلوب مزيداً من الوقت لتصحيح خلل حرب 2006 وشن حرباً تعيد المبادرة العسكرية لـ «إسرائيل»، لذلك التحق باراك أيضاً كوزير للدفاع بحكومة نتنياهو التي شكلت عام 2010.
وحرص نتنياهو على أن يشكل حكومة الاستعداد لحرب تعيد لـ «إسرائيل» تفوقها العسكري الذي خسرته في لبنان، ولذلك ضم الى بارك للدفاع اشكنازي لرئاسة أركان الجيش «الإسرائيلي». وبدا أن هذا الثنائي الفولاذي هو الذي يقود عملية إعادة هيكلة الجيش ليجتاز ثغرات تموز الـ2006 وسيأخذ «إسرائيل» إلى حرب منتصرة على واحدة من الجبهات الثلاثة الآنفة. وأوحى انتقاء اشكنازي بوصفه خبيراً في الحرب مع حزب الله، بأن نتنياهو يعطي أولوية لإعادة الاعتبار للتفوق «الإسرائيلي» انطلاقاً من شن عدوان واسع على لبنان.
فور تسلم باراك منصبه كوزير للدفاع بعد أشهر من حرب تموز بداية ضمن حكومة أولمرت ثم استتباعاً في حكومة بيبي اسم الدلع لنتنياهو عام 2009، بدأ مع اشكنازي ورشة إعادة هيكلة القدرات العسكرية «الإسرائيلية» بالاستناد إلى خطة شاملة تصحح ثغرات ظهرت في تموز 2006. وحصيلة هذا الجهد وصل لذروته العملية يوم السابع من نيسان عام 2009، الذي شهد بدء المناورة «الإسرائيلية» الأكبر في تاريخها، وخضع لتطبيقاتها ليس فقط عمال الإطفاء وقيادة وعناصر نجمة داود وطواقم المستشفيات والأجهزة والقطاعات الأمنية والعسكرية، بل أيضاً رئيس الوزراء ايهود اولمرت وجميع أفراد حكومته: الجميع في «إسرائيل» بحاجة لإعادة تأهيل . هذا هو العنوان الحقيقي للمناورة، والدرس المستفاد من عبر حرب 2006 التي تجري المناورة في إطار تصحيح أخطائها.
وكانت مناورة «نقطة تحول 2»، تتويجاً لمجموعة مناورات بدأت عام 2007 تحت عنوان إعادة تأهيل كل شيء، وإعادة بناء النظرية العسكرية «الإسرائيلية» من ألفها إلى يائها. في البداية جرت المناورات على مستوى إعادة تأهيل السرايا المقاتلة في الجيش «الإسرائيلي» التي كشفت وجود ثغرات جسيمة.
ولكن في دراسة نتائج هذه المناورة ظهرت مشكلة نجد له صدى الآن في التحليل «الإسرائيلي» لنتائج حرب غزة الجارية، وهو ليس مضموناً أن تتصرف القيادتين الأمنية والسياسية خلال الحرب المقبلة في شكل مقبول.
والواقع الذي فرضت عليه الرقابة «الإسرائيلية» تعتيماً منذ 2006 حتى الآن، هو أن سلسلة المناورات التي أجريت تحت مسمّى «نقطة تحول» وصولاً لـ «تحول 2»، لم تستطع تقديم إجابة شافية على ثلاث إشكاليات: 1- سوء تصرف القيادة الأمنية والسياسية أخطاء في الاستعلام الاستخباراتي، تردد القيادة السياسية أثناء الحرب لفقدانها اليقين بالنصر، تعثر أداء الجيش لترهل في معنوياته . 2- عدم الوصول الى حل عملي لـ «تحرير الرأي العام «الإسرائيلي» من إحساس نفسي ضاغط استمر يجتاحه كنتيجة لآثار حرب تموز 2006 عليه». وضمن هذا الأمر توجد اشكالية ثالثة وهي أن الجبهة الداخلية باتت ترى أنها تسلم مقاليد زمام مصيرها لقيادة تجريبية وغير خبيرة. ويعبر الشارع «الإسرائيلي» عن ذلك بالقول الشائع: إن عصر القيادة التاريخية في «إسرائيل»، انتهى!
باراك الملك
وحده ايهود باراك، حاول الإيحاء بين نهايات عام 2007 و2012، انه امتداد نادر للقيادة التاريخية، وانه وريث السلالة العسكرية الحديدية التي ينتمي إليها موشي دايان وارييل شارون الذي كان يقبع في تلك الفترة داخل مستشفى هداسا في موت سريري. وتقول مقالة متخصصة بالحالة النفسية العامة للجمهور «الإسرائيلي» أصدرها مركز جامعة تل أبيب: أن إبقاء شارون على قيد الحياة على رغم موته السريري، ليس فقط عملاً أخلاقياً، بل هو تجنب إعلان موته، لأنه سيعني عملياً أن الشعب سيسير لدفن ليس فقط شارون، بل آخر رموز القيادة التاريخية.
وعشية المناورة الأكبر يوم 7 نيسان 2009، ألغى ايهود باراك، زيارة كانت مقررة لألمانيا، علماً أن تقنية تنفيذ المناورة لا تستلزم بقاءه، إذ أنه حسب تراتبية تطبيقاتها، تخضع إمرة قيادتها حينها للعميد احتياط زئيف تسوك- رام رئيس شبكة الطوارئ الوطني ، الذي يتلقى أوامره من نائب وزير الدفاع ميتان فلنائي بوصفه مسؤولاً عن الجبهة الداخلية من قبل المؤسسة الأمنية. ومع ذلك فإن باراك فضل البقاء لاعتقاده بأن وجوده يمنح الرأي العام «الإسرائيلي» ثقة بأهمية المناورة، خاصة أن المناورة جرت وسط كلام صحافي مكثف عن أنها قد تترافق مع رد من قبل حزب الله على اغتيال عماد مغنية.
بدائل بعد فشل باراك
ما الذي جرى داخل كواليس «إسرائيل» بعد خروج ايهود باراك من حكومة نتنياهو واتضاح أن علاجاته لن تقدم حلولاً؟!
ساد في العمق الانطباع بأن «إسرائيل» لم تبلغ مرحلة القدرة على شن حرب أو حتى شن معركة كبيرة، خاصة بمواجهة حزب الله. وعمدت للبدائل التالية: – بذل جهود كبيرة لعزل سورية عن حزب الله بوسائل غير مباشرة الربيع العربي ربما كان الحل فرض الحصار على غزة بالتعاون مع مصر على نحو يصبح من غير الممكن إدخال سلاح إليها. – في حالة الحرب مع غزة يجب حصارها من الخارج وبنار القوة الفائقة وتكبد أهلها خسائر توجه رسالة للجبهات الأخرى بأن أي حرب مع «إسرائيل» ستنتهي بآلاف القتلى المدنيين. وهذه الاستراتيجية بشقيها أرادت تحقيق «الهدوء من دون دفع ثمن سياسي»، ريثما يمكن اكتشاف علاجات للخلل البنيوي العسكري «الإسرائيلي» العالق بها منذ حرب عام 2006 – ثمة أيضاً إضافة أخرى لهذه الاستراتيجية جرت عبرت مناورة «كوبرا» المشتركة الأخيرة بين الجيشين «الإسرائيلي» والأميركي عنها. والرسالة الأساسية منها هو أن أي معركة وليس فقط حرباً ستخوضها «إسرائيل» في المستقبل يجب أن يكون قرار شنها أميركياً، وميدانياً يجب أن يشارك الجيش الأميركي بها. باختصار «إسرائيل» لم تعد قادرة على تقدير قرار شن الحرب أو شنها وحدها.
ولكن ضمن هذه المعطيات القاتمة تم طرح سؤال لا يزال سارياً منذ حكومة أولمرت التي دخلها باراك عام 2007، وهو هو ماذا لو قرر حزب الله شن الحرب انتقاما لمقتل عماد مغنية، وماذا لو جرت هذه الحرب بغياب باراك؟! تجدر الاشارة هنا إلى أن إيراد اسم باراك هو ترميز لثلاثة أمور أولها الاعتراف بندرة وجود قيادة عسكرية تاريخية يمكن الاعتماد عليها. ثانياً غياب باراك يتم إدراجه من قبيل أنه تجري حرب يبدأها حزب الله بقتل رأس الهرم العسكري «الإسرائيلي» مما سيربك الجيش وأيضاً لجبهة الداخلية وكذلك توازنات الوضع السياسي. ثالثاً ذكر باراك يتم على اعتبار أنه سؤال يصح أيضاً كمثل على حصول حرب تجري باغتيال يعلون أو غيره ممن هم في سدة القرار العسكري. وعليه فان السيناريو الذي تورده السطور التالية يحاول استدراك حصول حرب بظروف «إسرائيلية» عسكرية وسياسية لا تملك هوامش واسعة.
سيناريو الحرب: خطة أفق 2
ومن المهم في هذا السياق الاطلاع على سيناريو متخيل وضعته القيادة العسكرية «الإسرائيلية» تتصور فيه اضطرارها لشن حرب من دون رأس الهرم العسكري ويتم ذكر اسم باراك هنا كتعبير عن اللحظة السياسية التي كانت في «إسرائيل» أثناء وضع هذا السيناريو، علماً أنه لا يزال قائماً ولو تغيرت أسماء المسؤولين الإسرائيليين.
ماذا جاء في محاكاة «إسرائيل» الذي وضع في نهايات عهد حكومة أولمرت وتتخيل حرب ضد حزب الله بمبادرة من الأخير ومن دون باراك: كيف سيكون الوضع؟
من جملة الافتراضات والمعطيات التي تطرحها هذه ويتم تعريف هذه المحاكاة بأنها تجسيد معطيات حرب على الورق، وخوضها في ظل ظرف سياسي وعسكري معين وحرج. وهي تفترض السيناريو التالي:
فجأة يصل الخبر الذي طالما توجس منه المستوى السياسي والأمني في «إسرائيل»: حزب الله نفذ فعلاً تهديده. عشرات القتلى والجرحى في انفجار في القدس استهدف موكب سيارة ايهود باراك وزير الدفاع «الإسرائيلي» في خلال توجهه إلى مكتب رئيس الحكومة ايهود أولمرت أو أي رئيس حكومة آخر، لكن هنا أولمرت وأركانه مثلاً . لا تزال المعلومات أولية عن مصير باراك. لكن المؤشرات الأولى تتحدث عن إصابته بجروح بالغة. كما أصيب أو قتل العشرات ممن تواجدوا قرب سيارته لحظة استهدافها بانفجار وصف بأنه ضخم.
في وزارة الدفاع في تل أبيب:
رئيس الوزراء ايهود أولمرت على الخط. يقدم أحد كبار الضباط في وزارة الدفاع سماعة الهاتف إلى نائب وزير الدفاع اللواء احتياط ميتان فلنائي المسؤول من جانب المؤسسة الأمنية عن شؤون الجبهة الداخلية والذي يخضع لأمرته العميد احتياط زئيف تسوك رام رئيس شبكة الطوارئ التي أنشئت بعد حرب تموز عام 2006 والتي أشرفت لوجستياً على تنفيذ مناورة 7 نيسان الكبرى الخاصة بكيفية تصرف الجبهة الداخلية والمستويين الأمني والسياسي والمدني، في حال حدوث حرب شاملة مع حزب الله أو مع إيران أو معهما دفعة واحدة.
يقول أولمرت بصوت قلق: ما أخبار باراك؟
يجيب ميتان: الموساد يقول إنه في حالة «كوما» كاملة.
أولمرت: بعد ساعة أدعوكم لاجتماع في مكتبي… يبدو أننا سنباشر تنفيذ خطة الحرب: «نقطة تحول». يقفل أولمرت الخط. وفي وزارة الدفاع يرتسم سؤال أساسي: من يحل مكان باراك في إدارة الحرب، وفي منصب وزير الدفاع؟.
يهرول ميتان إلى ركن قصي في مكتبه، ويخرج من أحد أدراج خزنة حديدية ملفاً كتب عليه خطة «نقطة تحول 2» ليحملها معه إلى اجتماعه مع أولمرت.
في هذه الأثناء يصل إلى مكتب ميتان العميد احتياط زئيف تسوك رام، رئيس شبكة الطوارئ. ويقول هل تأمر ببدء إعلان الاستنفار في حالة شبكة الطوارئ.
يجيب ميتان. نعم… بالتأكيد… منذ هذه اللحظة كل «إسرائيل» ضمن فعاليات شبكة الطوارئ. مناورة 7 نيسان بخصوص الجبهة الداخلية، ستوضع منذ هذه الساعة موضع التنفيذ الفعلي. ولكن انتظر حصولي على الإشارة السياسية، ربما بعد نحو ثلاث ساعات.
يتوجه ميتان إلى مكتب أولمرت في القدس، وبحسب خطة «نقطة تحول 2» التي رسمت سيناريو مسبقاً لكيفية التصرف في حال قام حزب الله برد قوي على اغتيال مغنية، يصل أيضاً إلى مبنى رئاسة الحكومة كل من رئيس ونائب رئيس هيئة أركان الجيش «الإسرائيلي»، الجنرال أشكنازي والجنرال دان هارئيل ورؤساء أجهزة الموساد والشاباك وأمان، ووزير الأمن الداخلي ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني، وتعقد مشاورات غير رسمية ريثما يدعو أولمرت لاجتماع لمجلس الوزراء لمناقشة كيفية التصرف.
رئيس الموساد يقدم تقديراً أولياً للموقف: حزب الله تقصد أن يكون الهدف باراك، نظراً للاعتبارات التالية: الرد على اغتيال رأس الهرم العسكري في حزب الله برأس الهرم العسكري في «إسرائيل». الانتقام من باراك بالتحديد لكون حزب الله يحمله المسؤولية عن اتخاذ قرار اغتيال مغنية، والإيحاء بأن قتل المسؤولين في الحزب سيواجه بقتل المسؤولين عن اتخاذ هذه القرارات في «إسرائيل». أخيراً، الحزب يتوقع أن يسود الإرباك على المستوى الأمني في «إسرائيل»، نتيجة اغتيال باراك، بحيث يصبح قرار الرد العسكري مربكاً، كما أن خوض «إسرائيل» الحرب من دون باراك سيضعف معنويات الشعب «الإسرائيلي» جراء اعتقاده أنه ضمانة الفوز بهذه الحرب.
ويختم رئيس الموساد تقدير الموقف بتوصية مهمة، وهي ضرورة أن يتم تعيين خلف لباراك بخلال نهاية هذا اليوم حتى لا نترك إشارة ضعف لحزب الله.
يقترح «الموساد» تعيين ميتان، ويقترح الأمن العسكري تعيين اشكنازي، أما الشاباك فيقترح استشارة حزب العمل باسم وريث باراك.
نقاط القوة في سيرة ميتان الشخصية، تفيد، بحسب تقدير الموقف الذي يقدمه الموساد، بأنه مطلع على التفكير الأمني لباراك وعلى خططه بخصوص كيفية مواجهة الحرب الجديدة في لبنان وضد سورية وإيران. واللافت في سيرته هو قيادته لعملية قرية السموع الفلسطينية – قضاء الخليل في 13 تشرين الثاني من عام 1966، حيث هدم القرية وقتل من أبنائها 18 شخصاً وجرح 134. ويعبر هذا الأمر عن إرادة الرد القاسي لدى ميتان.
رئيس الموساد يعتقد أن تعيين ميتان سيرسل لحزب الله وللبنانيين رسالة عن إرادة الرد القاسي في حال ذهب حزب الله بعيداً في استهداف العمق «الإسرائيلي» بالصواريخ.
سيرة اشكنازي تظهره أنه متخصص بأوضاع حزب الله وبالوضع في لبنان.
أولمرت يطور رأي الشاباك، فيقترح تعيين ميتان بالوكالة، ليصار لاحقاً إلى استمزاج رأي حزب العمل بمن يريد وزيراً للدفاع بدلاً من رئيسه باراك. وبرأي أولمرت يجب مراعاة التوازنات السياسية داخل الحكومة عند الحديث عن تعيين بديل لباراك الذي هو إضافة لكونه وزيراً للدفاع وقائداً عسكرياً ومشرفاً على المؤسسة العسكرية فهو أيضاً رئيس لحزب العمل الشريك الأكبر في الائتلاف الحكومي.
رئيس أمان: الوقت ضيق ونحن في حالة طوارئ وعليه فإن تعيين بديل لباراك يجب أن يخضع لخصوصية اللحظة الأمنية الاستثنائية. وقد يكون من المفيد عدم انتظار توافق حزب العمل على بديل لباراك، بل يمكن استمزاج رأي شمعون بيريس في انتقاء شخصية من الحزب ليكون وزيراً للدفاع.
ثم يصار إلى نقاش خيارات الرد:
أولمرت هل نقوم برد قوي لكنه محدود، أم ندخل حرباً شاملة مع حزب الله، أم نقوم بحرب مع الحزب وسورية في آن معاً.
تسيبي ليفني: يجب التشاور مع واشنطن. خلال زيارة باراك الأخيرة إلى واشنطن نصحه البنتاغون بعدم الدخول في حرب شاملة مع حزب الله في هذه المرحلة. فالحزب لديه صواريخ بعيدة المدى التقطتها الأقمار الاصطناعية الأميركية. و «إسرائيل» لن تنته من بناء القبة الحديدية قبل عام 2010 المقصود: انتاج صواريخ مضادة لصواريخ أرض أرض قصيرة ومتوسطة المدى .
أولمرت: لكن الرد القوي المحدود سيتبعه رد من حزب الله على شكل دفعات من الصواريخ تستهدف كل مستوطنات الشمال وربما أبعد من ذلك. وقد يتواكب ذلك مع إطلاق صواريخ من قطاع غزة تقوم بها حماس أو بأضعف تقدير حركة الجهاد الإسلامي.
رئيس شبكة الطوارئ: نحن نستطيع إخلاء سكان الشمال في غضون ساعات تنفيذاً لمناورة 7 نيسان، ونستطيع إنزال سكان حيفا إلى الملاجئ في غضون سبع ساعات. والسؤال هو عن مدة الحرب؟ الجبهة الداخلية لا تستطيع تحمل حرب تتجاوز الأربعة أسابيع على أبعد تقدير.
ليفني: أميركا تستطيع التحذير بشكل علني من أنها ستكون معنية بالدفاع عن الجبهة الداخلية «الإسرائيلية». وهذا يوفر لـ «إسرائيل» أن ترد بضربة قوية ومحدودة من دون أن يقوم حزب الله برد شامل بل برد رمزي. وهنا نكتفي بإخلاء مستوطنات الشمال لبضعة أيام أو على أبعد تقدير أسبوعين.
أشكنازي: بخصوص سيناريو حرب شاملة ضد حزب الله تتوافر لدى هيئة الاركان خطة جاهزة، مفادها: اجتياح بري سريع من منطقة راشيا بعمق 27 كيلومتراً في منطقة البقاع الغربي، وبذلك تصبح دمشق في مرمى نيران القوات «الإسرائيلية»، ويمكن تحقيق هذا التقدم بظرف خمس ساعات. المنطقة مختلفة عن منطقة القطاع الأوسط الصعبة المسالك. القطاع الغربي مثالي لزحف سريع للدبابات. هذه العملية ستؤمن هدف قطع طريق بيروت دمشق، مما يجعل حزب الله يخسر عمقه التسليحي الاستراتيجي.الهدف هو البقاء في هذه المنطقة، واستصدار قرار من مجلس الأمن بنشر قوات دولية فيها. هكذا نعزل الحزب تسليحياً عن سورية، ونجعل موقف لبنان أقوى في أية محادثات مع سورية حول تصحيح علاقاتهما. وإذا دخلت سورية الحرب، فلدينا بنك أهداف لقصفه، وسنشل سورية وسترغم على وقف إطلاق النار، ونحن لن ندخل الأراضي السورية بل سنقف على أبواب دمشق داخل الأراضي اللبنانية. ونفاوض على انتشار جديد لقوات «اليونيفيل» في تلك المنطقة وعلى الحدود اللبنانية السورية.
ميتان فلنائي: أن تنفيذ سيناريو أشكنازي يفترض تأمين المستلزمات التالية:
أولاً: تحييد حماس لأن الجيش والجبهة الداخلية سيكونان بوضع صعب إذا قاتلنا على الجبهة الشمالية والجنوبية في وقت واحد. فالمشكلة ليست فقط في الصواريخ المنطلقة من حماس والجهاد انطلاقاً من غزة باتجاه عسقلان والعمق «الإسرائيلي»، بل أيضاً بأن الرد «الإسرائيلي» على غزة سيسفر عن تكرار محاولات حماس لدفع سكان القطاع لاقتحام الجدار على الحدود بين مصر والقطاع. وهنا سنواجه الشارع المصري الذي سيدخل على جهد تجييش الشارع العربي في هذه المعركة. واشنطن عندها، ستقول لنا كفى خوفاً على الوضع المصري الداخلي.
وهنا يقترح ميتان الاتصال بالسفير النرويجي في تل أبيب لحث بلاده على تذكير حماس بالاتفاق الذي رعته النرويج والذي حصل بشكل سري بينه وبين ممثلين عن حماس في وزارة الدفاع في تل أبيب وقوامه مبادلة وقف إطلاق الصواريخ بالغذاء لغزة وبوقف «إسرائيل» لعملياتها هناك ضد قادة حماس. تفاصيل هذا الاتفاق كشفه أمين عام رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية لجريدة «الصباح» في غزة الطيب عبد الرحمان .
ثانياً: يجب القيام بعملية استباقية تستهدف شبكة صواريخ أرض جو الروسية التي نشرتها سورية على طول شواطئها بمساعدة وإدارة خبراء روس. هذه الصواريخ تستطيع اعتراض الطائرات «الإسرائيلية» حتى قبل أن تصل إلى أجواء سورية. بعد تنفيذ هذه العملية يتم الاتصال بالأتراك لإبلاغ سورية بأن الضربة هي دفاعية، وليس لدى «إسرائيل» نية بدخول الأراضي السورية. وهي مستعدة بعد إنجاز عملية اقتحام منطقة البقاع الغربي أن تستأنف اتصالاتها السرية مع دمشق حول سلام في الجولان.
وهنا توجد نقطة قوة في صالح خطة اشكنازي، وهي أن سورية لن تصل مرحلة «النضج العملياتي»، إلا في عام 2009، حيث تنجز استكمال صفقات السلاح الكبرى مع روسيا. وعلى هذا هناك مجال للتكهن بأن سورية لن ترد على قصف «سرائيل» لشبكة صواريخها للدفاع الجوي.
ثالثاً: يجب تنفيذ الهجوم البري بسرعة فائقة، ثلاثة أيام أو أسبوع على أوسع تقدير، حتى تبدأ خطوة عقد جلسة لمجلس الأمن لنشر قوات دولية في المنطقة التي تجتاحها «إسرائيل».
يحاول أولمرت أن يجمل النقاش: تعيين بديل لباراك يجب أن يتم خلال ساعات لتلافي إشارات الضعف. ميتان وزيراً بالوكالة.
خيار ضربة قوية ولكن محدودة لحزب الله، تضمن واشنطن عدم تحولها لحرب مفتوحة ضد العمق «الإسرائيلي» من قبل حزب الله، عبر إصدار الإدارة بياناً يحذر فيه من ضرب المدن «الإسرائيلية» بالصواريخ.
خيار اشكنازي بالسيطرة على منطقة البقاع الغربي وقطع طريق دمشق بيروت، ونشر قوات دولية في تلك المنطقة وعلى الحدود اللبنانية – السورية.
إلى هنا، انتهى سيناريو محاكاة كيفية التصرف في حال مواجهة حرب من دون باراك أو حتى معه. ولكن السؤال الذي يطرحه أكثر من معلق عسكري في «إسرائيل»، هو: من الذي سيقرر اعتماد هذا الخيار أو ذاك؟.
الجواب واحد وهو واشنطن. وذلك لعدة أسباب:
حتى عام 2010 فإن حماية الجبهة الداخلية هي مسؤولية أميركية. وربما بعد هذا العام ستظل الجبهة الداخلية مسؤولية أميركية، لأن النقاش بخصوص القبة الحديدية يظهر أن نجاحها غير أكيد. ووصول المدمرة كول إلى شواطئ المتوسط عشية وخلال الحرب «الإسرائيلية» الأخيرة على غزة، تظهر أن أميركا ملتزمة بهذه الضمانة. ولكن حتى مع هذه الضمانة هناك مشكلة: فبطاريات صواريخ باتريوت معدة للرد على احتمال هجوم على الجبهة الداخلية وفق نسخة الحرب مع صدام حسين وتحديات من نوع سقوط بضعة صواريخ سكود على «إسرائيل». علماً أن المطروح الآن سقوط مئات الصواريخ دفعة واحدة انطلاقاً من سورية ولبنان وغزة وربما أيضاً من إيران!.
الهدف المركزي للتحدي الاستراتيجي لـ «إسرائيل»- كما صاغته أجهزة الاستخبارات «الإسرائيلية» الثلاثة – هو إيران وليس سورية أو حزب الله أو حماس. وباراك وفق نظريته الأمنية الجديدة يعمل من أجل إقناع العالم على تشكيل حلف عسكري عالمي لمقاتلة إيران، وضرب منشآتها النووية، تكون «إسرائيل» جزءاً منه، وليس رأس حربته. وعليه فإن فتح حرب شاملة في الشمال قد يخدم إيران كما حصل في حرب تموز عام 2006. فاستراتيجية إيران تقوم على إشعال النار في المنطقة خارج أراضيها لتغطية مسار بناء سلاحها النووي وتعزيز دورها الإقليمي. وهكذا فإن «إسرائيل» في حال استدرجت لحرب ضد سورية ولبنان تكون كمن يسير بقدميه لخدمة هدف إيران الاستراتيجي.
ولعل تشابك مجمل هذه التعقيدات هو الذي جعل كبير المعلقين العسكريين في صحيفة «معاريف» المقرب من المؤسسة العسكرية، يوجز مجمل الكلام «الإسرائيلي» عن المناورات والحرب بالقول: إن «إسرائيل» تستعد لحرب لا تملك كل إمكانات الرد عليها ولا تعرف متى يجب أن تبدأ وكيف: السؤال المركزي: إيران أولاً… أم حماس أم حزب الله وسورية؟